يعيش المطرب المصري علي الحجار تجربة مميزة في حياته الغنائية تؤكد انه بصدد الدخول في مرحلة جديدة عنوانها الاساس "الشعر رفيقي"، اذ أحيا الأسبوع الماضي حفلتين الأولى على المسرح الصغير بدار الاوبرا المصرية والثاني في قاعة الاحتفالات في مكتبة الاسكندرية، وفصلت بينهما مدة زمنية لا تزيد على 48 ساعة. وخصصت الحفلة الأولى لغناء قصائد من اشعار امل دنقل بمصاحبة فرقة موسيقية كاملة يقودها عازف العود العراقي نصير شمة، وحل الحجار في الثانية ضيف شرف على امسية احياها الشاعر الفلسطيني محمود درويش. ولمس الذين تابعوا الحفلتين اختلاف اداء الحجار في التجربتين، فهو في الحفلة الاولى غنى وقد اصيب جمهوره بصدمة بالغة هي اقرب الى خيبة الأمل، لا يبدو سببها معروفاً الى الآن خصوصاً انه كان متحمساً للدخول في مغامرة الغناء على الحان نصير شمة لمجموعة من القصائد الشعرية. وكانت قصيدة "الملهى الصغير" Petit Terinor لأمل دنقل هي نقطة البدء في هذه التجربة، ومعروف ان هذه القصيدة هي الاخيرة في الديوان الأول لدنقل "مقتل القمر" الذي يتسم بنزعة رومانسية حادة. وعلى رغم اجادة نصير شمة كعازف عود متمكن الا ان تجربته كملحن هذه المرة تبدو بحاجة الى اعادة نظر ولا يمكن ان تقارن بتجربته الناجحة مع قصائد ادونيس، اذ جاء لحنه لقصيدة "الملهى الصغير" مسبوقاً بمقدمة موسيقية طويلة تتسم بالرتابة. وعموماً كان كلاسيكياً بارداً يتنافى مع روح دنقل المتمردة، كما انه جاء مملوءاً بالاستعارات على نحو بدا معه نصير وكأنه يستحضر ارواح موسيقيين عظام على رأسهم فريد الاطرش ورياض السنباطي. واعتبر موسيقيون شاركوا في الاستماع الى اللحن انه اقرب الى "الكولاج" الموسيقي منه الى الابداع الخالص فهو يفتقر الى الخيال، ولهذا السبب استشعر الجمهور في اداء الحجار قدراً من الارتباك زادته العيوب التقنية في اجهزة الصوت، أما صوته فافتقد حساسيته التي استردها كاملة في الحفلة الثانية عندما غنى مقاطع مختارة من قصائد محمود درويش الشهيرة، ومنها "اغنية حب على الصليب"، "انا آت الى ظل عينيك"، "الليل يا اماه". وربما يكون الحجار هو اول مطرب مصري محترف يخوض تجربة غناء قصائد صاحب "شاعر من فلسطين". صاحبه في الحفلة الثانية عازف واحد للعود هو الملحن الشاب محمد عزت والموزع الموسيقي احمد مصطفى الذي يعمل مع الحجار منذ سنوات، وبدت واضحة حال الانسجام الواضحة التي يعيشها الحجار مع هذا الفريق بصورة انعكست على طريقته في الاداء، وعلى رغم انه اضطر اكثر من مرة للاعادة بسبب نسيانه بعض الفقرات الا ان اداءه اتسم بالبساطة والاختزال والبعد عن التعقيد واختيار الجمل اللحنية السهلة القريبة من القلب بخاصة في اللحن الذي قدمه لقصيدة "آت الى ظل عينيك". ويحسب له كذلك الرهان على الملحن الجديد محمد عزت الذي ظل لسنوات في تجاربه - بخاصة على المسرح - مخلصاً للعمل بروح الهواية، تلك الروح التي جعلته يعمل بدأب على قصائد درويش ومن قبله فؤاد حداد وصلاح جاهين. ولعل الحجار بهذا الرهان الشعري يقدم كسباً جديداً لتجربته كمطرب متميز له انحيازاته الجمالية الرفيعة والراقية. كما ان في استطاعته ان يقدم كل يوم ملحناً يضفي على تجاربه روحاً جديدة.