ما هي جريرة العراق الفعلية، دعونا نفحص سياق تطور هذا البلد الذي تتشابك في تحديد مصيره المحكوم دائماً بسوء الحظ مع حسن الطالع، ولا داعي للعودة الى تاريخ هو الأطول والأكثر اثارة، فعلى مدى القرون كانت الحياة هنا تنتزع من قلب الموت، بالضبط كما يمكنكم ان تتصوروا سفينة نوح وكيف جرى انقاذ المخلوقات الحية على متنها على حافة الفناء المحقق، تلك كانت الثنائية الأبدية لوجود العراقيين المحاطين بكل اسباب المعاكسة المميتة، من الطبيعة والمحيط، والمحظوظين بكل ما يحتاجه البشر من ثراء زاخر، لقد كان ذلك زمن الماء والأنهار، وحين انتهى لم تكن الأقدار تريد ان تنسى اهل هذا المكان او تنعم عليهم بتبديل يزيل الكارثة المرافقة لمصيرهم، فها هم اليوم يملكون ربما أغزر احتياط نفطي، وانتقلوا من عهود الزراعة الطويلة، نحو زمن النفط، ليعرفوا افظع نظام مر على كل تاريخهم القديم والحديث، بما في ذلك تاريخ الأشوريين الرهيب، وخلال ثلاثة عقود، تداخلت القسوة والصرامة الدموية مع الحروب وجرائم القتل الجماعي وتطويع المجتمع، ومن متابعة اشكال تنظيم الدولة بحسب الآليات العصرية، الى بعث اكثر وجوه الثقافة والبنى الاجتماعية تخلفاً، من تطلب العقلانية كما يفرضها اختيار بنية ونموذج دولة مركزية محكومة بيد من حديد على النمط الستاليني، الى لا عقلانية وانحطاط الاعتماد على نواة قرابية ضيقة ومحظية، تتحكم برأس هرم السلطة وتعاكس تماماً جوهر البناء المقام على اساس وادعاء عقائدي ظاهره ثوري بحسب مقاييس حقبة من التاريخ التحرري ضمن عالم البلدان المتحررة من الاستعمار في القرن العشرين. ليس كل هذا الاضطراب والقسوة بلا معنى، فالكثير منه مرهون بشتى الظروف والتداخلات، وغالباً ما كانت الضغوط والترتيبات الآتية من خارج العراق، وبالذات خطط الولاياتالمتحدة، اضافة الى سوء تقدير وطيش ومحدودية افق الحكم العراقي، لعبت دوراً في تغذية احداث كبرى، منها كما هو شبه ثابت، الحرب العراقية - الإيرانية 1980 - 1988 التي هي اطول حرب بين دولتين بعد الحرب العالمية الثانية، والشبهات تدور ايضاً حول الجهة نفسها، بما يخص احتلال العراق للكويت عام 1990، فقد تكون اصابع الولاياتالمتحدة وراء كل ما حدث في حينه، وإذا كان الغموض يخيم على مصدر الإيحاء وراء تلك الأحداث، إلا ان ما تبقى من المشهد واضح تماماً. فالولاياتالمتحدة وقفت بصراحة مع الإبقاء على الحصار والعقوبات التي هي الأقسى في التاريخ، وبين عام 1991- 2003 قاسى العراقيون من تلك الحرب المميتة اكثر مما قاسوا من سابقاتها، فبسبب الجوع ونقص الدواء وسوء التغذية مات خلال العقد المنصرم، ما يقرب من مليون ونصف المليون عراقي، نسبة الشيوخ والأطفال بينهم غالبة، اما الحرب الأخيرة، فقد خاضتها الولاياتالمتحدة الأميركية بإصرار معروف، وبخرق فاضح للقانون الدولي، ولإجماع امم العالم. وخلال قرابة ربع قرن من الزمن كانت هذه البقعة من العالم تحولت باطراد الى مركز جذب متصاعد لاهتمام عالمي غير مسبوق ومنذ عام 1980 خصوصاً عندما اشتعلت الحرب العراقية - الإيرانية والاهتمام العالمي، ومن ثم التدخل الدولي المباشر يتعاظم، وتزداد دائرة الدول المشتركة فيه، وأهم الأمثلة على بلوغ هذا الاهتمام الذروة هو ما حدث في خريف وشتاء عام 1990 - 1991، إذ اسهمت وقتها في الحرب على القوات العراقية، الموجودة في الكويت وعلى العراق برمته غالبية دول المعمورة وأسهم معظمها في دعم المجهود الحربي بهذا الشكل او ذاك، حيث تحول ما جرى وقتها الى مناسبة ذكرت بالحروب العالمية الكبرى، واستمر هذا الحدث يتفاعل لاحقاً. وخلال فترة الحصار بطولها لم تتراجع نسبة الاهتمام بهذه القضية، وتداخلت وتعارضت مواقف دول العالم الكبرى الى ان بلغ الأمر لحظة وقوع الحرب الأخيرة، فأضيف الى المشهد، حضور قوى مناهضة الحرب، وسارت كما لم يحدث منذ عقود طويلة مظاهرات شملت معظم عواصم العالم، وضمت الملايين من المنادين بمنع وقوع الحرب على العراق. وبينما كانت الولاياتالمتحدة تضرب عرض الحائط بالقانون الدولي، وتقرر الذهاب مع حليفتها بريطانية الى الحرب، تعرضت منظمة الأممالمتحدة ومنظمة الحلف الأطلسي الى هزة خطيرة، وما زالت اسس النظام الدولي وترتيبات الأمن العالمي المقرة منذ الحرب العالمية الثانية وقواعده، تتعرض لهزة قاسية للغاية وتطرح اسئلة وشكوكاً عن امكان استمرار نمط العلاقات الدولية وقواعدها نفسها قائمة كما كانت. لا يمكن لكل هذا القدر من الانشغال العالمي الهائل، ان يكون عفوياً او من دون اسباب قوية تحركه، فما هي تلك المحركات بالضبط؟ قيل في الآونة الأخيرة ان الأمر يتلخص عملياً في النفط، وهذا تقدير غير مقنع ولا يتناسب مع مقدار وطبيعة الجهد الأميركي والعالمي المركز منذ اكثر من عقدين على العراق. ومعلوم ان هذه المسألة بدأت تنمو منذ آخر السبعينات وبداية الثمانينات، عندما سمع العالم وقتها بالثورة الإسلامية الإيرانية، وسطع في الأفق اسم الخميني. وخلال ثماني سنوات من الحرب، تشبع العالم الغربي والصناعي عموماً بفكرة تداخل النفط والإسلام، وكانت ازمة الطاقة لعبت من قبل دوراً في إذكاء نوع من الانتباه غير العادي، لأهمية هذه المنطقة كما للمخاطر المترتبة على ما تنطوي عليه اوضاعها من مفاجآت تتعدى الشروط التي جعلت المملكة العربية السعودية تفجر عام 1973 ازمة الطاقة، وتترك اوروبا ترتجف من البرد والشلل، وبينما كانت الحرب العراقية - الإيرانية دائرة، وجد الأميركيون وقتها نوعاً من آليات حفظ التوازن الداخلي وجرى كبح الثورة الإسلامية الإيرانية على يد النظام العراقي، مثلما وضعت منطقة الخليج تحت التهديد، في حين اضعف العراق، وفقد امتيازه المالي المتزايد كبلد آخذ بامتلاك فوائض مالية في طريقها للزيادة، ولكن الحرب كما نعرف طالت اكثر بكثير مما كان متوقعاً، ومع مرور الوقت لم تعد اضرارها على المتحاربين صافية، ومع انها كانت تأكل مدخرات العراق وتطحن طاقاته البشرية من جهة، فإنها ادخلت شروطاً وتحديات كان على النظام والجيش العراقي بالذات ان يتعامل معها مضطراً، وسرعان ما تحولت الحرب الى مصدر احتكاك جدي مع التكنولوجيا، كما مع آليات الإدارة الحربية الواسعة، ولم يكن الأميركيون قادرين على ايقاف تلك العملية حتى لو ارادوا، ذلك لأنهم كانوا يحتاجون لانتصار عراقي، يكسر شوكة ايران، ويفرض عليها الانكماش، ويستوعب اندفاعتها الأولى. وربما يكون صدام حسين ادرك بغريزته الشغوفة بالعظمة، ما فُتح امامه من فرص من دون ان يعي او يقدر بالضرورة مخاطرها او يفهم حدودها، ولأنه ابدى ومعه المؤسسة العسكرية العراقية قدرة غير عادية على التعامل مع تحديات الحرب كما تطورت لاحقاً، اصبح مهيئاً لأن تأخذه الخيلاء. وعندما انتهت الحرب عام 1988 عزف له في الإعلام الغربي، نشيد يقول إن الجيش العراقي هو الرابع عالمياً، بينما كان الأميركيون وقتها يلعبون لعبة التحضير لساعة تقليم اظافر النمر، قبل ان تطول تماماً، ولا يعود في الإمكان اعادته الى القفص. منذ ذلك الوقت لم يعد الإسلام وحده يمثل بنظر الولاياتالمتحدة قمة الخطر، فالقومية هي الأخرى تمثل تهديداً لم يختف من المشهد، والبعث عاد في الثمانينات وتحديداً في التسعينات ليذكر بما كان يمثله عبدالناصر في الخمسينات والستينات، يوم لم تكن الحركات الإسلامي تحظى بأي حضور فاعل. ومع ان صدام حسين حارب الثورة الإسلامية المشتعلة على حدوده الشرقية، إلا انه ما لبث ان غدا هو نفسه مصدر خطر وتهديد على ما تعتقده اميركا مصالحها العليا ما فوق الحيوية، واكتشف الأميركيون والعالم في هذه المناسبة بعداً ثالثاً يبرر المزيد من الاهتمام بالعراق، فتداخلات النفط والإسلام ومطامح القومية العربية حين تتجمع في مكان واحد يصبح هذا كما هو حاصل، بؤرة تستجلب اعظم الانشغال من المجتمع الدولي. ولكن من بين البلدان الموجودة داخل قوس الأزمات هذا يبدو العراق لوحدة اشبه بالقطب الذي تلتقي عنده الأزمات باستمرار، ولهذا حتماً اسباب نعتقد انها نابعة من آليات العراق الوطنية ومن تاريخه وطبيعة تكوينه، فتداخل الطاقة البشرية والثروة النفطية ادى بسبب تلك الخصائص الى نشوء قوة دفع تنطوي على احتمال ظهور نموذج تكنو - بترولي يتعدى حتى نطاق التطور الصناعي العادي، الى حقبة ما بعد الصناعة، ان وجود ثلاثة آلاف عالم عراقي، هو ما يمثل حالياً قبل اي شيء آخر مصدر القلق والخوف الأميركيين، مثلما يقلقها ايضاً وجود اكثر من 800 مصنع هي تلك التي سجلها المفتشون الدوليون ضمن خططهم للتفتيش عن اسلحة الدمار الشامل، ومعلوم ان النفط جعل الدول العربية النفطية تحظى بموقع عالمي مهم خلال نصف القرن المنصرم، وتداخل حضور بعض الدول العربية المنتجة للنفط مع اجمالي منظومة الرأسمالية العالمية عبر الطاقة، تجلى في حالة المملكة العربية السعودية ليعطي مثالاً على قوة الدولة المنتجة ومالكة الاحتياط، بينما ظهر ايضاً نموذج للدولة التي تتمتع بقوة المدخرات والاستثمارات المتأتية من موارد النفط وهو ما يتمثل بحالة الكويت التي بسبب وضعها هذا تمكنت عام 1990 من استجلاب الأوروبيين والأميركيين للدفاع عنها وتخليصها من الاحتلال العراقي. العراق ووفقاً لخاصياته، انطوت حالته على احتمال فريد، فهنالك امكان انتقال غير منظور على نطاق واسع، يضع هذا البلد على سوية مع آخر تطورات العصر، مستوى التحديات التاريخية نفسها القائمة في وجه الولاياتالمتحدة نفسها، فنحن لسنا هنا امام تجربة النمور الآسيوية، ولا حتى نهوض اليابان وألمانيا بعد الحرب الثانية. وما يعتمل داخل العراق يعني احتمالاً عالمياً لا تستطيع الولاياتالمتحدة ولا الغرب عموماً ألا ينظرا إليه بريبة وخوف، مستمدة من التاريخ، فهنا عادة تلوح احتمالية مناقضة لمشروع الغرب الحضاري، وعبر نموذج الإسلام المعروف، تطل نذر اعتبرت تقليدياً خطرة وتصادمية من الناحية الحضارية، في حين لا يمكن الا الانتباه الى كون بغداد عاصمة لها خصوصية، وهي مركز للنهوض لم يعرف العالم العربي اي نهوض من دونها، وإزاء هذا كله فإن مجمل الموقف الغربي، بما في ذلك مواقف بعض أو غالب المناهضين للحرب، لا تذهب الى حد اسقاط التحفظات كافة، ومن ثم منح العراق والشعب العراقي المساندة المرجوة بلا تحفظ. ولا يمكن التخلص من هذا الإشكال من دون اجراء توضيحات تعيد النظر الى العراق ككيان ونموذج تطبيقي خاص على المستوى التاريخي، ولضرورات الاختصار سأحاول هنا ان ألجأ الى مقارنات معروفة ومستمدة من التجربة الاوروبية المعاصرة، فالماركسية كما نعرف قامت في قلب اوروبا، غير ان تجسيدها الواقعي، لم يصبح ممكناً إلا في بلدان طرفية وأقل تطوراً، وهذا ما منحها ذلك البعد القاسي والاحادي لا بل الجلف احياناً، ان الفارق بين النظرية الماركسية والتطبيق يعلمنا حكمة تكاد تكون شائعة بهذا الخصوص. فالأفكار دائماً تنطفئ وتفقد روحها عند التطبيق، إلا في حال الاسلام الذي ظهر في الجزيرة العربية، إذ المعلوم ان الدعوة التي انطلقت من الجزيرة العربية، انطوت على تضييق لمجال الشعر في الحياة العربية، كما ابعد الغناء والانشاد، ومن ثم فلقد كان من شأن الدعوة ان تلغي بفعل التقيد الحرفي والتشدد والمبالغة المعتادة الجانب الفني وحتى التعددي من الحياة العربية، ولم تكن التعددية معروفة اصلاً، ومع طاقة العدالة القوية كما جسدها التطبيق الاول للشريعة الا ان انتقال الحكم الى دمشق على يد الامويين اضاف بعداً سلبياً في التطبيق العملي، وطغت على سلوك الامويين، نزعة اقرب الى العنصرية باسم العروبة التي لم يكن الاسلام يقبلها، وأحل محلها رابطة اوسع، بلغت حياناً حدود الانفتاح الانساني. ولكن ما ان انتقل مركز الثقل الحضاري والسياسي الى العراق حتى تغير المشهد كلياً، وتحقق هنا انقلاب معاكس لما حدث على سبيل المثال للماركسية، إذ قام في العراق شكل من التمازج ضم كل الاعراق والقوميات والأمم التي دخلت الاسلام، او لم تدخله، وتحولت بغداد الى عاصمة اممية تذكر بنيويورك الحالية، وعموماً فإن حيوية خارقة كانت قد ولدت في العراق العباسي، نوعاً من ليبرالية مبكرة غير مقننة، ومتفاعله، وحية، على رغم انعدام اساسها المادي الضروري، فالصناعة وشروطها كانت غائبة وقتها، وذلك عنصر ينبغي اخذه في الاعتبار عند اي قياس على ما هو راهن ومعاش اليوم. كل ذلك كان هو ما ينقص المشهد العربي المعاصر. فالتمخضات التي حفلت بها القرون الثلاثة الماضية من تاريخ العالم العربي والاسلامي بمواجهة تحدي الحضارة الغربية، لا تزال تكرر العجز نفسه عن الارتقاء الى مستوى متطلبات الحياة المعاصرة، وظل هذا الجدب والاحادية وتطلب النهوض بلا نتيجة مخيماً على المنطقة، ما دام الموضع الذي يمكن ان يهيئ القاعدة الضرورية لمثل هذا التطلب، غائباً ولم يبدأ صعوده الفعلي. ويبدو ان التاريخ كان يلعب لعبته هنا، فالعراق المدمر منذ غزو المغول في القرن الثالث عشر، لم يصبح على مشارف الاكتمال الوطني في الوقت المناسب، ولأنه تكوين معقد ومركب ظل في حال صيرورة، بينما بقية اقسام المنطقة تتعامل مع تحديات العصر بغيابه، وحين اصبح هو على مشارف تحقيق ذاته، تداخل اكتمال تشكله بانطلاقه نحو هدف ابعد مما هو مفترض، او معروف حوله او حتى على مستوى العالم، فالانتقال نحو عصر ما بعد الصناعة، والتحفز لدخول زمن التكنولوجيا، يعد انقلاباً استثنائياً بالنسبة الى بلد معتبر من العالم الثالث، والمشكلة ان مثل هذا الانقلاب لا يزال غير معترف به، والنخبة العراقية نفسها لم تكتشفه، بينما هذا الحدث يقف بلا ادنى شك في خلفية الانشغال الأميركي الاستثنائي بهذه البلاد، مع انه من الظاهر بقوة سعي الولاياتالمتحدة الى كبح المشروع العراقي، من طريق تدمير المجتمع، وقتل آلياته الوطنية سواء باستعمال صدام حسين، او باعتماد اي وسيلة اخرى كما هو حاصل الآن، حيث العراقيين موضوعين تحت شروط استباحة، يستعمل فيها المحتلون اسلحة دمار شامل من نوع فقدان الأمن، والنهب، واشعال الحرائق، وتدمير الذاكرة الحضارية والفنية، من قطع الكهرباء والاتصالات والماء الصالح للشرب وتدمير المستشفيات والحرمان من الكهرباء، وكل ما يمت الى الحياة العصرية بصلة، هذا بينما يزداد العراقيون اقتناعاً بأن تباطؤ القوات المحتلة وعدم حماستها لايجاد الحلول هو سياسة مقصودة، الهدف منها جعل المجتمع العراقي يرضخ ويقبل بكل ما يريده وما يقرره الاميركيون. ربما نكون الآن دخلنا الفصل الاكثر مأسوية، لا احد يعرف الى اي مدى سيذهب الأميركيون في تنفيذ خطتهم، انهم يعانون مأزقاً لا حل له، ولا يتوقفون عن تغيير مندوبيهم ومعتمديهم، ويتضح كل يوم الى اي حد هم عاجزين عن ان يوجدوا صيغة سياسية مقبولة، والارجح انهم لا يملكون الوسائل او العزم والرغبة الضرورية لذلك، على رغم انهم يستفيدون في المقابل من صمت العالم، وضعفه، فالدول التي ترفع صوتها ضد التفرد الاميركي، لا تريد خوض مواجهة مع الولاياتالمتحدة الاميركية، ولا نقصد هنا الدول وحسب، فالحركات المناهضة للعولمة، وللحرب، عاجزة هي الاخرى، وتبدو من دون موقف مفهوم، يجعلها عرضة للاتهام بأنها تتصرف بمنطق تمييزي. نحن موجودن هنا في الحقيقة من اجل الاحتجاج، هذه مهمتنا، لقد احتجينا على الموقف الفرنسي والاوروبي وقدمنا مشاريع قبل الحرب من اجل منع وقوعها وانهاء الديكتاتورية المقيتة، وفي كل مرة قلنا انه لا يمكن ايقاف الحرب الاميركية على العراق من طريق الدخول في محاججات حول القانون الدولي، او عبر مجلس الأمن وحسب، ولن يكون الموقف الاعتراضي، مفهوماً وفاعلاً اذا لم يطور تصور سياسي شامل، يضع بديلاً، سياسياً عراقياً تدعمه آلية عالمية، وتلك قصة يمكننا ان نروي لكم فصولاً طويلة منها. الآن داخل حركة مناهضة الحرب والعولمة، يتكرر الشيء ذاته، لا يمكن فهم ما يجرى هنا او التيقن من جدواه اذا لم تبادر هذه القوى وتبني نهجاً يقوم على ركيزتين: - اعتماد وتبني بديل سياسي عراقي اساسه دعوة واضحة تتيح للشعب العراقي اقامة مؤتمر وطني عام مستقل عن الولاياتالمتحدة، ويكون بمثابة جمعية تأسيسية تكرس الشرعية الوطنية وتضع الاسس الدستورية والسياسية للعراق في طوره الحالي. - التدخل المباشر من اجل تهديم مرتكزات سياسة الاحتلال باطلاق الدعوة الى عقد مؤتمر عالمي عام ضد الاحتلال يحضره الملايين من مناهضي العولمة والحرب، يعقد في العراق ويتميز بالعمل الرمزي على اصلاح المرافق الحيوية وازعاج سلطات الاحتلال. * كاتب عراقي مقيم في باريس، والنص مقاطع من اسهامه في مؤتمر عقد بين 19 و21 ايار مايو الجاري في جاكارتا من اجل "التضامن العالمي في عصر العولمة والعسكرة" حضره اكثر من ستين شخصية من العالم، ممثلين عن جمعيات ومنظمات مناهضة العولمة، وحركات مضادة للحرب في 26 بلداً، للبحث خصوصاً في الوضع العراقي.