قال نائب في "اللقاء النيابي الديموقراطي" الذي يترأسه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ان الأخير بدأ يحضر الأجواء منذ أسابيع عدة استعداداً للإعلان عن انعطاف في موقفه السياسي يمهد من خلاله الى الابتعاد عن رئيس الحكومة رفيق الحريري. وأكد النائب أن جنبلاط، وإن كان تجنب التطرق الى الأسباب التي دفعته الى ترك مسافة بينه وبين الحريري، إلاّ أنه في المقابل أراد التركيز على النقاط التي كانت ولا تزال موضع خلاف "الخصخصة - قصر المؤتمرات، بيع أملاك الدولة والتي لم تسبب الى الأمس القريب فك ارتباطه به، لا بل بقي التحالف صامداً على قاعدة استمراره من موقعين يسمحان بتعدد الآراء. ولفت النائب الى انه، وإن كان لا يمتلك كل خلفيات هذا الابتعاد، يعتقد ان لدى جنبلاط قراءة سياسية لطبيعة المرحلة المقبلة وانعكاسها على لبنان انطلاقاً من وجود انطباعات لديه - ربما تكون مقرونة بمعلومات متوافرة لديه - بأن القيادة السورية قد تقدم وقبل نهاية هذا العام على خطوة واسعة تتعلق بإعادة انتشار جيشها في لبنان. واستنتج أن جنبلاط الذي يقرأ الأحداث جيداً بدأ يتحضر لمواجهة هذه المرحلة، التي قد يستغلها البعض معتقداً أنها ستفسح في المجال أمام مزيد من الحضور الأميركي على الساحة اللبنانية. وأوضح النائب ان جنبلاط يرفض ان يتصرف وكأن الحريري سيكون في الموقع المقابل، لكنه يدرك منذ الآن أنه لا بد من أن يواكب اعادة الانتشار السوري، بخطوة سياسية عنوانها اعادة تمركز القوى الحزبية بالمعنى السياسي للكلمة، من أجل أن تكون قادرة على ملء الفراغ السياسي، بدلاً من أن تخلي الساحة للفريق المناوئ للدور السوري بغية الامساك بزمام المبادرة. وأكد ان جنبلاط أراد منذ الآن الالتفات الى الشأن الداخلي من خلال اعادة ترميم الساحة الوطنية وتجميع صفوفها، رغبة منه في توجيه رسالة الى القيادة السورية ومن خلالها الى الأطراف الداخليين بأن اعادة الانتشار لن تبدل من خياراته السياسية وانما ستدفعه الى التمسك بها أكثر من أي وقت مضى، وصولاً الى تأسيس حلف جديد. وتابع النائب أن جنبلاط قرر ان يشكل رأس حربة ل"الاغارة" السياسية على الذين يتصرفون لاحقاً انطلاقاً من اعتبارهم ان اعادة الانتشار ستحد من الدور السوري في لبنان ويراهنون بالتالي على أن الهجوم الأميركي على المنطقة الذي بدأ بالحرب على العراق سيولد متغيرات لن تقف عند حدوده العراقية وانما تشمل المنطقة، وبالطبع فإن لبنان سيكون جزءاً منها... وأشار الى ان جنبلاط، كعادته في الظروف الصعبة، قرر البدء بحرب وقائية سياسية يعتقد أنها تؤمن الضغط المطلوب لدفع المراهنين على تزايد الحضور الأميركي الى مراجعة حساباتهم للحؤول دون انخراطهم في حلف سياسي يمكن أن يعيد الأمور في البلد الى نقطة الصفر. ورأى ان جنبلاط يدرك قبل غيره أن الأحلاف السياسية التي يمكن البعض اللجوء الى تركيبها لن يكون لها طابع عسكري وانما ستبقى في حدود الصراع السياسي، مشيراً الى انه لا يرى رغبة لدى أي فريق باستحضار تجربة الحروب. وأضاف ان رئيس الحزب التقدمي وإن كان يتشدد في الحفاظ على التوازن السياسي ومنع الإخلال به، فإن موقفه على هذا الصعيد ليس موجهاً ضد حليفه السابق الحريري الذي يحتفظ لنفسه بخصوصياته تماماً كما يحتفظ هو بها. وبكلام آخر، يرفض جنبلاط تصنيف الحريري في خانة الحلف المضاد له، ويعتقد ان للأخير أسلوبه الخاص الذي قد لا يتفق معه في بعض تفاصيله، لكنه في المقابل يحاول اعادة ترتيب البيت اللبناني الحليف لسورية. حتى ان لمبادرة جنبلاط باحتضان "حزب الله" في الوقت الذي يتعرض الى أشد الضغوط السياسية من الولاياتالمتحدة الأميركية، علاقة مباشرة في حماية الظهير السوري من جهة وفي طمأنة حليفه اللبناني من جهة ثانية، خصوصاً ان هذا الحليف موجود الى جانب حليفه الآخر - حركة "أمل" - في منطقة جغرافية ملاصقة لمناطق نفوذه. كما ان جنبلاط يعتقد أن الإدارة الأميركية ستجد نفسها عاجزة بمفردها عن اعادة تركيب الوضع الجديد في العراق وستضطر لاحقاً الى الالتفات الى دمشق خلافاً لما يراهن عليه البعض. لكن هذا لا يمنعه من اعلان التأهب السياسي لمواجهة كل الاحتمالات وعدم الركون الى تقديرات تفرض عليه التفريط بكل أوراقه في اللعبة الداخلية. وفي هذا السياق، يأتي تعامل جنبلاط مع الاستحقاق الرئاسي رافضاً ان يسجل بين الذين يساهمون في حرق المراحل من خلال الخوض في هذا الاستحقاق قبل أوانه. فرئيس "التقدمي" يتصرف منذ الآن على أساس ان الاستحقاق في يد سورية وأنها وحدها تمتلك المفتاح، وبالتالي لا يرى من جدوى في فتح الكلام عليه تمديداً أو انتخاباً، شعوراً منه بوجوب الابقاء على كل الخيارات مفتوحة في اتظار جلاء التطورات المحيطة بالمنطقة وبلبنان، خصوصاً ان استعجال استدراج العروض الرئاسية سيقود حتماً الى نشوب خلافات بين حلفاء سورية قد تتسبب في سيطرة حال من الجمود على لبنان يمكن أن تزيده شللاً واهتراء. وعليه، بدأ جنبلاط يتصرف على أساس تطويق كل محاولة تقود الى اندلاع معارك سياسية جانبية بين حلفاء سورية يسعى البعض الى استغلالها وأحياناً الى الذهاب بعيداً في تهديد التماسك السياسي على رغم ما يعتريه من ثغرات، وصولاً الى تصوير الوضع وكأنه على وشك اجراء تغيير في المعادلة السياسية. لذلك، فإن جنبلاط اتخذ قراره بأنه لن يتفرد في موقفه من انتخابات الرئاسة بمعزل عن سورية، لا بل سيثبت من خلال الممارسة أنه مع كل خطوة من شأنها ان تريحها، وبالتالي، لا يرى مبرراً للقفز فوق كل المعطيات التي تتحكم بالمعركة الانتخابية بغية تبرير الانجرار وراء مهاترات لن تبدل من المعركة التي يجب الاستعداد لها من زاوية ان القوى الوطنية قادرة على ملء الفراغ السياسي الذي سترتبه اعادة انتشار الجيش السوري.