تعيش مدينة جنيف السويسرية حال تأهب أمني واستنفار لم تشهدهما منذ عقود من الزمن، خوفاً من عمل إرهابي محتمل عشية قمة مجموعة الثماني التي تعقد في مدينة إيفيان الفرنسية المجاورة، وخشية تظاهرات قد تتحول أعمال عنف لمناهضي العولمة. وأغلقت المصارف والمحلات التجارية نوافذها وواجهاتها بألواح من الخشب الأصفر وتحوّلت من محلات راقية للمجوهرات والساعات الثمينة إلى أشبه ما يكون بأكشاك خشبية. ومع الخسارة التي لحقت بالتجار، إلا أن المستفيد الوحيد ربما كانت شركات الحماية وبائعو الخشب والنجارون الذين حولوا المدينة الى "مدينة خشبية". ولا يخفي سكان المدينة انزعاجهم من التحليق المستمر للمروحيات التي تحلق في سمائها على مدار الساعة لمراقبة كل من يتحرك فيها. وجندت مقاطعة جنيف كل قواتها الامنية ونحو 2000 من قوات الشرطة التابعة للمقاطعات الأخرى المنضوية في الاتحاد الكونفيديرالي و5600 جندي من الجيش السويسري لحفظ الأمن في أنحائها اضافة الى 750 شرطياً ألمانياً لحماية مطار كونترات الذي سيستقبل طائرات الرؤساء والمدعوين الى القمة. وأدت الاستعانة بالشرطة الالمانية الى اندلاع نقاش ساخن بين التيارات السياسية السويسرية المختلفة، إذ اعتبر بعضها أن الأمر يمس بسيادة سويسرا وحيادها. وشددت سلطات مدينة جنيف وسلطات الكونفيديرالية السويسرية إجراءات الدخول إليها في كل المنافذ الحدودية. وأمنت بحيرة ليمان التي تربط جنيف ولوزان السويسريتين بمدينة إيفيان الفرنسية بتكثيف دوريات القوارب السريعة للشرطة والجيش ومنع تحركات القوارب الاخرى، إضافة إلى تأمين أجواء المنطقة ومنع الطيران فيها. وتخشى جنيف من أعمال شغب ونهب قد تقوم بها مجموعات متطرفة من المندسّين عادة في صفوف المتظاهرين المناهضين للعولمة. وغالباً ما يعمد هؤلاء إلى ارتداء أقنعة أثناء التظاهرات ويشنون "غارات" سريعة لتحطيم "رموز الامبريالية والهيمنة" مثل محلات "ماكدونالدز" والمصارف. وبدأ منذ أيام تدفق المتظاهرين "العالميين" على المدينة ويتوقع أن يصل عددهم إلى 100 ألف. ووصل قطار خاص من ألمانيا موّلت رحلته جمعية "أتاك" المناهضة للعولمة، وأنزل ركابه في محطة فرعية بعيدة من المحطة الرئيسة في قلب المدينة حيث كانت في انتظارهم حافلات أقلتهم إلى مخيمات نصبت في إطار سموه "القرى البديلة". كما وصلت إلى المدينة أيضاً مجموعة من مراقبي حقوق الانسان وعلى رأسهم منظمة العفو الدولية لمراقبة سلوك الشرطة السويسرية أثناء التظاهرات. وتعيش سلطات جنيف تمزقاً بين ضرورات الأمن وما يستدعيها ذلك من تشدد وحزم وبين ضرورات الديموقراطية وما يكفله الدستور والقوانين من حريات رأي وحريات تعبير، خصوصاً أن جزءاً من الحكومة السويسرية ينتمي إلى الحزب الاشتراكي اليساري المتعاطف مع المسيرات المناهضة للعولمة... وتبدو السلطات عازمة على الخروج من هذا الامتحان العسير من دون خسائر تذكر أو بأقلها لتحافظ جنيف على سمعتها كمدينة آمنة حرة وديموقراطية. وتلك هي المعادلة الصعبة.