عاماً بعد آخر تسعى "مهرجانات بيت الدين" إلى تأكيد مكانتها كفضاء تتقاطع فيه الأسماء العالميّة والعربيّة، من دون أن يفوتها فسح المجال أمام التجارب والعروض المحليّة. وإذا كان الحديث سيدور خلال الصيف عن غياب فيروز عن المهرجان، بعد أن بقيت المراهنة على مشاركتها قائمة حتّى الأيّام الأخيرة، فإن الحدث هذه الدورة هو بالنسبة إلى الجمهور اللبناني، بلا شكّ، مشاركة موسيقي الجاز وعازف السكسوفون اللبناني توفيق فرّوخ. فبعد انطلاقة ناجحة في بيروت، وسنوات التكريس في أوروبا، ها هو فرّوخ يلاقي أخيراً الاعتراف في بلاده ويحلّ ضيفاً على أبرز مهرجانات الصيف، بعد أن تمّ تناسيه طويلاً، حتّى بات أكثر شهرة في فرنسا منه في لبنان. وبذلك يؤكّد "مهرجان بيت الدين" ميله إلى المغامرة والتجديد، بعد أن اعتزم في العام الماضي دعوة الفنانة الفلسطينيّة كاميليا جبران، وهي المبادرة التي باءت بالفشل بسبب عواقب اداريّة بليدة. توفيق فرّوخ 30/7/2003 سيكون إذاً بين كبار الفنانين، من مصمم الرقص العالمي موريس بيجار إلى فتيات "بوند"... يوازيه عربياً الفنان العراقي كاظم الساهر الذي سيكون المطرب العربي الوحيد، من هذا المستوى، في مهرجانات الصيف اللبنانيّة هذا الصيف. أصدر فرّوخ حتّى الآن أسطوانتين هما "علي في برودواي" و"درابزين"، ماضياً في تطوير علاقته بموسيقى الجاز، ومراجعة القوالب الشرقيّة والموسيقى الشعبيّة. ولعلّ مشاركته في بيت الدين ستسلّط الضوء أكثر على أسطوانته الثانية التي تقدّم مزيجاً من الروافد الموسيقية، وتحمل اضافات مهمّة... وكثيراً من المتعة. وتحطّ فتيات "بوند" الرحال في بيت الدين، بعد نجاحات عالميّة قادت هذا الرباعي النسائي من المانيا وايطاليا الى الولاياتالمتحدة وسنغافورة... مروراً بتجربة خاصة في العزف مع التينور الشهير لوتشيانو بافاروتي. تجمع موسيقى "بوند" 19/6/2003 بين الموسيقى الكلاسيكيّة والروك اند رول، ويعرّجن على انغام وايقاعات من "موسيقى العالم"، بحسب موضة سادت في عالم صناعة الاسطوانات خلال العقد الأخير. أما عشاق الموسيقى الكلاسيكية المحضة، فسيكون موعدهم في بيت الدين مع فرقة "موسيقى الغرفة" البولونية بقيادة نيغيل كينيدي 13/8/2003. وسيحيي عازف الكمان المذكور الذي ترعرع في كنف يهودي منوحيم، أمسية أخرى مخصصة لجيمي هندريكس، برفقة "رباعي جاغريك سمينتانا" 15/8/2003. ومن يوغوسلافيا السابقة سيطلّ على جمهور بيت الدين موسيقي من نوع خاص، صربي الأم، كرواتي الأب، هو غوران بريغوفيك 9/8/2003 الذي يأتي إلى لبنان لتقديم "موسيقى الجنازات والأعراس" في بلاده. ولعلّ الجمهور اللبناني والعربي يعرف غوران بريغوفيك من خلال موسيقى أفلام بارزة من تأليفه، من "الملكة مارغو" فيلم باتريس شيرو... إلى أبرز أفلام أمير كوستوريكا مثل "زمن الغجر" و"أندرغراوند". وتربط الثنائي علاقة خاصة أخذتهما من السينما إلى الموسيقى في مغامرة فريدة من نوعها، علماً أن بريغوفيك آت من موسيقى الروك إلى الموسيقى التقليديّة التي أدخل عليها ابتكاراته الخاصة، متلاعباً بمشاعر الجمهور في مناخات هاذية من الضحك والبكاء والطقوس الشعبية. ويعود موريس بيجار 10 و11/7/2003 أبرز رموز الرقص الحديث إلى لبنان بعد زيارته الخائبة مطلع التسعينات، وسنوات طويلة بعد تألّقه في مهرجانات بعلبك قبل الحرب، ليقدّم استعراضه عن "الأم تيريزا" الذي قدّم عرضه الأوّل في لوزان عام 2003. وكعادته يخوض مؤسس "باليه القرن العشرين" في موضوعه متمحوراً حول شخصيّة بارزة، متوسلاً عناصر تصويريّة وكوريغرافيّة سرديّة، تبعاً لتصورات هندسيّة، ولايقاعات حركيّة تفتح أمام الجسد سبل الابتكار والانعتاق والتلاعب مع الجاذبيّة. وابتكارات بيجار في هذا العمل جعلت بعض النقاد يستعيدون بيجار الكوريغراف الشاب الذي كتب صفحات مشرقة من تاريخ الرقص الحديث في القرن الماضي. وفي مجال الرقص الاستعراضي نصل إلى أضخم عروض مهرجانات بيت الدين هذا العام: "ويست سايد ستوري" من 23 إلى 26/7/2003 الذي يعتبر من أشهر الاستعراضات الموسيقيّة في القرن العشرين، وقد استضافته خشبات العالم أجمع موسيقى ليونار برنشتاين، كوريغرافيا جيروم روبينز. وأخيراً، مع صوت كاظم الساهر 1 و2/8/2003 سيحضر الجرح العراقي بقوّة، ومعه الحلم بتجاوز الراهن البائس في بلاد هي مهد الحضارة. والساهر يجمع في أغنيته الانتماء إلى التقاليد الطربيّة الجادة والانتشار الجماهيري الواسع، إذ باعت ألبوماته قرابة 30 مليون نسخة. وسيقدّم في بيت الدين باقة من أغنياته القديمة والحديثة.