كانت والدتي، يرحمها الله، تولّد النساء وتغسِّل الأموات. وكانت أميّة. لكن الحاج سلطان يقول عنها أنها عارفة كل شيء وتقرأ وتكتب. وعندما سألته: كيف عرفت ذلك يا حاج؟ رد مستغرباً: لا تقول هذا الكتاب يُعرف من عنوانه كما يقول سيد مهدي، وهو عالم دين. والحاج سلطان شيخ جنوبي ذو شيبة طويلة بيضاء ووقار لافت. كان يتفل على صورة الطاغية المعلقة في مضيفه الكبير امام بعض المقربين، ويقول متى أسحق هذه العذرة بحذائي؟ وأذكر يوم طلبوا منه ان يجعل مضيفه مكاناً للاجتماعات الحزبية، غسل دلاله وحفر لها نقرة عميقة ودفنها قبل ان يصلوا، وقال: لن أدقّ قهوة بعد اليوم الى ان يفرجها الله. وعندما تجمع البعثيون في المضيف طلبوا من الحاج قهوة، فأخبرهم ان الدِلال سرقت البارحة، وسيحوّل المضيف الى مراح لأبقار ابن ابنته. ومن يومها ودّع الحاج الطيب دلاله ومضيفه. وأعود للشاهد. سألته مستفسراً مرة أخرى: كيف عرفت ان أمي تقرأ وتكتب؟ فأجاب معاتباً: أيحتاج هذا الى دليل، اسمع! وأخذ يسوق لي حجة دامغة، بحسب اعتقاده، قال: في يوم من الأيام كنت نائماً في المضيف وكنت مريضاً جداً. وفي جوف الليل توسلت بأم الحسنين، فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن طريق الطاهرة أمّك. فجاءتني الزهراء ع في المنام وقالت لي: ستصبح على خير، وأضافت: سيكون لنعالك هذا صيت! وعندما استيقظت وجدت نفسي في تمام العافية ونعالي قرب يدي! ضحكت يومها من دليله، وربطه بين الصحة والنعال، وزهدت في كلامه. وذكرني هذه الحكاية اتصال أخي من الناصرية ليقول لي بأنه بخير، وانه شاهد حنّون وهو يضرب تمثال صدام بنعال أبيه الحاج سلطان! وأنه، أي أخي، أخذ نعال الحاج من حنّون، بعد ان قطّع، للذكرى، وربما يضعه في متحف خاص. وصيت النعال ليس لأنها على تمثال الطاغية الحجري، ولكن لأنها جعلت إحدى النكرات التي التقت بها قناة "العالم"، الايرانية البعثية المنحازة للنظام الطاغوتي، يصف الشعب العراقي النبيل بالسرّاق والحرامية، وليس الشعب الذي يعرفه. واعترف أمام مقدمة البرنامج أنه كان يدافع عن النظام السابق ورئيسه المخلوع. وضحايا صدام وزبانيته، من الايرانيين، بالملايين. والوفاء لأرواحهم ان لا يستضاف هذا الصولجان البعثي المكسور. لقد هزمت نعالك يا حاج سلطان كل الطبالين والمداحين وأحبطتهم، لأنهم فارغون، يغيظهم عراق يتنفس الصعداء، ويريدونه ذبيحاً ومضرجاً بدمه من أجل ان تمتلئ جيوبهم وحساباتهم. وأحبطت هزيمة الطاغية النفوس الذليلة والخاوية التي لم تهتدِ الى أن مصير الطغاة هكذا، على الدوام. وما ميتة فرعون غريقاً الا شاهد واحد. داود الحسيني [email protected]