فتح سقوط نظام صدام حسين الباب على مصراعيه امام نظرة جديدة يتعاطى بها شباب العراق مع حياتهم واحتمالات المستقبل. هناك من بات يتحدث عن مكانة جديدة سيأخذها الشاب المتعلم في المجتمع، وهناك من يبدو سعيداً حينما يتحدث عن مستقبل لا تأخذ فيه "الخدمة العسكرية" اجمل سنوات العمر كما كانت الحال في عهد النظام السابق. ومن بين "التوقعات" التي يعول عليها الشباب في العراق، تزايد فرص العمل، وهي توقعات يرسخها شعور بأن ازمة الانقطاع عن العالم ستنتهي، وبأنه سيكون في إمكان الشاب العراقي ان يسافر على امتداد ارض الله الواسعة "بجواز سفر محترم" هذه المرة، في اشارة الى فرص العراقيين في الحصول على تأشيرات دخول الى غالبية دول العالم، في ظل الدفع الجديد في بلادهم. نورس الموسوي، الطالب في السنة الثالثة في كلية التربية الرياضية في جامعة بغداد، يقول: "اعتقد بأن مجالات العمل بين الشباب ستصبح اكثر علمية، وهذا يتطلب وجود من لديه علم وخبرة، وبذلك سيجد الكثير من زملائي فرص عمل لم تكن موجودة خلال سنوات الحكم السابق الذي دفع العراق نحو الحروب والحصار". النظر باحترام الى التحصيل الدراسي والشهادة العلمية اصبح مطلباً ملحاً في قطاعات عريضة من الشباب العراقيين هذه الايام بعد ان "وصلت الشهادة العلمية الى الحضيض"، كما يقول علاء ابراهيم فاضل المتخرج قبل عام من كلية الهندسة. ويضيف: "عشرات الآلاف من الذين حصلوا على خبرات علمية ودرسوا وكافحوا، انتهوا في السنوات الماضية اما قتلى في خنادق القتال او على الارصفة يحاولون البحث عن لقمة شريفة، وفي افضل الحالات، تمكنوا من السفر ووجدوا فرصة للعمل خارج البلاد". ويلفت المهندس الشاب الى قيم العمل التي ستفرضها الحياة الجديدة في العراق، فيقول: "فرص العمل الواسعة في بلد غني مثل العراق ستعيد الشاب الى البحث عن تطوير ذاته علمياً وعقلياً وتنقذ اكثر من مليوني تلميذ وطالب من الجهل"، في اشارة الى ان عدداً كبيراً من شباب العراق وخصوصاً من هم في سن الدراسة، تركوا صفوفهم بحثاً عن عمل لتأمين لقمة العيش. وإذا كان المهندس فاضل يتحدث عن تأثير فرص العمل في نقل مستوى التحصيل العلمي من مسار الى آخر، فإن انصاف العزاوي 22 عاماً التي انهت اختصاصها في علم الآثار قبل فترة وظلت عاطلة من العمل بعد رفض "المتحف العراقي" طلبها، تقول: "ان الشباب في العراق اليوم غير جديرين بالثقة"، مستندة في رأيها إلى الشباب الذكور في حيها السكني في بغداد. وتضيف: "اكثر من تسعين في المئة من الشباب شاركوا في عمليات نهب المؤسسات الحكومية فكيف يمكن النظر باحترام الى مثل هؤلاء؟". وفي هذا الاطار تضيف مروى ابراهيم جابر الطالبة في قسم اللغة العربية في جامعة بغداد: "ان النظام السابق اشاع مفاهيم وقيماً تقوم على العنف واغتصاب الحقوق بالقوة، وجعل الشباب يقضون سنوات طويلة من حياتهم في الجيش وبين احتمالات الموت. لذا فمن الطبيعي وتحت تأثير سنوات الحرمان والجوع، ان نجد ظواهر السلب والنهب". وتنظر "الطالبة المجتهدة"، كما يصفها زملاؤها، الى المستقبل نظرة واثقة: "هناك مسؤولية تنتظرني اذا وجدت فرصة عمل في التدريس بعد تخرجي، وهي على ما اعتقد فرصة لن تتأخر، فالعراق دخل مرحلة بناء جديدة، وعلينا ان نقول وداعاً للتشاؤم واللامبالاة". التحول في الوضع السياسي في العراق وما اعقبه من فوضى وانتشار السلاح بين قطاعات عريضة من المواطنين، خلق جواً من "عدم الأمان" انعكس في تردد الكثيرين من الطلاب والطالبات في الالتحاق بجامعاتهم او مدارسهم الثانوية. وتقول والدة احدى الطالبات في منطقة اليرموك: "كيف ارسل ابنتي الى الدراسة لوحدها فيما الشوارع تكتظ بالشباب الطائشين والمسلحين". "السلاح سيجمعه الاميركيون"، هذا ما يقوله صاحب مكتبة فتحت ابوابها مقابل مجمع عدد من الكليات في "باب المعظم" وسط العاصمة العراقية، وهو يبدو متفائلاً لدخول عدد من الطلاب الى الحرم الجامعي، ويقول: "هؤلاء سيعيشون حياة بلا مخاوف الموت في الحروب ولا اشباح الجوع والألم في الحصار". وبينما يجمع حسين علي موسى اوراقاً وأقلام الحبر الجاف في رزم ويضع عليها سعراً جديداً يتناسب مع خفض قيمة الدولار امام الدينار العراقي، يقول بلهجة واثقة: "اشعر اليوم مع رحيل صدام وزمرته بالحزن على ملايين العراقيين الذين ماتوا في الحروب والحصار، وعلى الذين خسرت البلاد جهودهم حين سافروا وصاروا مواطني بلدان اخرى ولن يعودوا إلا سياحاً، وعلى موارد العراق التي ضاعت". غير انه يستدرك ورنّة الاسى واضحة في صوته: "العوض في هؤلاء وفي المستقبل وآفاقه التي تنتظرهم".