يعود كلينت ايستوود الى مهرجان "كان" هذا العام بفيلمه الجديد "نهر غامض" Mystic River وليس في باله أكثر من "قضاء وقت ممتع بصحبة الأفلام وعرض فيلمي على شاشة أكبر مهرجان عالمي"، كما قال لنا. لكن وجوده يحمل أكثر من تفسير يختلف في جوهره عن مجرد "قضاء وقت ممتع بصحبة الأفلام". كلينت ايستوود أيقونة بين السينمائيين الأميركيين والوحيد من أبناء جيله الذين برزوا في الستينات مثل وارن بيتي، جاك نيكولسون، دوستن هوفمان، روبرت ردفورد من بين آخرين الذي انقلب مخرجاً من دون انقطاع وبنجاح كبير. لم يحقق ايستوود فيلماً او فيلمين او ثلاثة من اخراجه، بل أكثر قرابة ثلاثين فيلماً الى الآن، شاقاً طريقه بنجاح في مضمار برهن على صعوبته بالنسبة الى العديد من الممثلين الذين أحترفوا الرغبة في التحول الى الإخراج. ايستوود في الثانية والسبعين من عمره، سينمائي محبوب وموهوب، ومرهوب ايضاً. ينتج كل أفلامه لحساب "وورنر". لكن، كما كان المخرج ستانلي كوبريك قبله، لا أحد يفرض عليه رغبته، لا أحد يناقشه، فما يريده كلينت يصير، وليس هناك من يجرؤ على الضغط عليه، واذا قال ل "وورنر" أريد أن أشترك بفيلمي هذا في مهرجان "كان" فإن فيلمه هذا، او اي فيلم آخر يريده، يتوجه الى "كان" وليس الى مهرجان غيره. لكن المؤكد أن ايستوود اذ يتوجه الى "كان" هذه السنة حاملاً فيلمه الثالث والعشرين كمخرج، يدرك أنه يلج حالة من الترقب الإعلامي حول اختياره المهرجان الفرنسي لعرض فيلمه على شاشته. فالعلاقة السياسية الفاترة الى حد البرود بين واشنطن وباريس كان يمكن أن تلعب دوراً في جعل ايستوود يتخلّى عن الفكرة. على رغم ذلك لم يفعل. او كما يقول أحد الملحقين الصحافيين ل "وورنر": "الفيلم ذاهب الى "كان" لأن ايستوود يريد ذلك، ولأن المهرجان أعرب عن رغبته في اشراك الفيلم في مسابقته". يدرك ايستوود أن الصحافيين الذين سيحضرون مؤتمره الصحافي، سيسألونه عن رأيه في البيت الأبيض وفي الحرب، واذا ما بدا لهم حيادياً في الموضوع، او يقف على خط اليمين، سيسألونه كيف يفسر تعامله مع ممثلين من المشاغبين الكبار في هوليوود. إثنان وقفا ضد الحرب وأطلقا تصريحات مدينة، بل أن أحدهما زار العراق واطلع بنفسه على الأحوال فيها، وهما شون بن وتيم روبنز اللذان يقودان بطولة الفيلم الى جانب الممثل كيفن باكون. فإن جوابه واضح: "لا أدع السياسة تأخذني بعيداً".