شكل لقاء وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد أمس مع قادة القيادة المركزية الأميركية والجنود الأميركيين والبريطانيين والاستراليين الموجودين في قاعدة السيلية في قطر، مقر القيادة الأميركية المركزية، مناسبة تميّزت بتوجيه رسائل عدة الى أكثر من جهة، على رغم ان الهدف المعلن كان توجيه التحية والشكر لقوات التحالف. واستقبل أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وزير الدفاع الأميركي أمس. وذكرت وكالة الأنباء القطرية انهما عرضا علاقات التعاون بين البلدين وسبل تطويرها، إضافة الى البحث في موضوعات تهم الجانبين وفي مقدمها الوضع في العراق. وقال وزير الدفاع الأميركي في لقائه مع العسكريين في قاعدة السيلية "إنكم عملتم في ظروف صعبة" و"حررتم بلداً" العراق، و"حميتم بلدنا أميركا من نظام يعمل مع الإرهاب"، وخلص الى أن قواته "أنجزت مهمة رائعة". واتسم اللقاء ب"حرارة" متبادلة بين الوزير وقائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال تومي فرانكس والجنود الذين تبادلوا المزاح مع وزير الدفاع. وكان فرانكس استهل اللقاء بكلمة شدد فيها على أن العراقيين هم الذين سيختارون حكومتهم بنفسهم، مشيراً الى "الروح الجديدة في بغداد وهي روح الأمل والحرية". ووجه فرانكس انتقادات شديدة للرئيس العراقي السابق صدام حسين وقال إنه استخدم أسلوب التجويع وأثار الرعب في صفوف الشعب العراقي. وعندما تحدث عن سقوط النظام العراقي، أطلق الجنود صيحات شديدة مع تصفيق حاد. وكانت المناسبة فرصة لتبادل عبارات الاعجاب والتقدير بين فرانكس ورامسفيلد، خصوصاً عندما قال القائد العسكري خلال تقديمه وزير الدفاع ليلقي كلمته "إن الوزير يحمل لقب المصارع والطيار وعضو الكونغرس ورئيس هيئة الموظفين في البيت الأبيض ووزير الدفاع ورجل الأعمال ثم الدفاع". وقال رامسفيلد في كلمته انه "على رغم ان قرار تركيا عدم دخول قوات التحالف من الشمال كان محبطاً، إلا أن هذا الإحباط تحول لمصلحتنا. إذ أبقى الجنرال فرانكس قوة المشاة الرابعة في سفنها في البحر الأبيض، وهذا أعطى انطباعاً في بغداد بأن الهجوم لن يبدأ من دون فتح الجبهة الشمالية، فشكلت الحرب عنصر مفاجأة للنظام العراقي". وتحدث فرانكس بافتخار عن "الحرب التي تميزت بالدقة والسرعة" وانه "لولا فرق الموت العراقية والظروف الجوية لوصلنا الى بغداد خلال أسبوعين". واضاف: "لقد تم تحرير بغداد خلال اقل من شهر اي اسرع احتلال لعاصمة في التاريخ العسكري الحديث". ووصف "إنزال العراقيين الأحرار تماثيل صدام حسين ومعانقتهم قوات التحالف" بأنه "حدث يماثل سقوط حائط برلين وتحرير باريس من النازيين". أما وزير الدفاع الأميركي فبدا انه وجه في كلمته رسائل الى أكثر من جهة. إذ قال لدول الخليج ان الأميركيين منعوا العراق من استخدام الصواريخ ضد جيرانه، وأمّنوا حقول النفط وأنابيب النفط التي كانت مهيأة للتفجير. وعن الاستراتيجية السياسية والعسكرية المستمدة من "دروس الحرب"، قال رامسفيلد للجنود إن "ما قمتم به سيحدد كيفية الدفاع عن وطننا أميركا في القرن ال21". وكشف أهم مرتكزات هذه الاستراتيجية عندما قال ان "مهمتنا الآن مختلفة عن الماضي ولم تعد تقليدية، وهي تستدعي ان نذهب نحن بأنفسنا الى أي مكان لنحمي أنفسنا من الجماعات الإرهابية التي لها علاقة بدول ترعى الإرهاب". وأضاف "إن الجماعات الإرهابية زادت من قدرتها على استخدام أسلحة الدمار الشامل ولهذا أصبحت مهمتنا مختلفة عن الماضي ولا بد ان نتدخل أكثر بالأسلوب الذي تم في العراق". وشدد على أن "المهمة ليست الانتظار بل الهجوم على مواطن الاعتداء أينما وجدت"، مؤكداً أن واشنطن تعلمت هذه الدروس من العراق وأفغانستان. واعتبر أ ف ب، رويترز رامسفيلد ان افضل قرار اتخذه هو "الطلب من الجنرال فرانكس القيام بهذه المهمة قيادة الحرب". وتساءل: "كان هناك العديد من المنتقدين، اليس كذلك؟"، في اشارة الى حملة الانتقادات التي وجهها جنرالات متقاعدون لخطط الحرب التي وضعها فرانكس. وأضاف مُكرراً عبارة قالها رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل خلال الحرب العالمية الثانية: "لم يحدث مطلقاً ان كانت كل هذه الكثرة على خطأ لمثل هذا الحد". وكان تشرشل قال عن "معركة بريطانيا" ضد المانيا النازية: "لم يحدث مطلقاً في ميدان الصراع الانساني ان كانت كل هذه الكثرة مدينة الى هذا الحد لمثل هذه القلة". ولم يشر رامسفيلد وفرانكس الى ان القوات الاميركية لم تعثر حتى الآن على اي اسلحة بيولوجية او كيماوية عراقية والتي اعتبرتها واشنطن السبب الرئيسي للحرب. وقال رامسفيلد: "حين ينقشع الغبار في العراق سيدرس علماء التاريخ العسكري تلك الحرب ... سيفحصون المزيج غير المسبوق بين ما تم استخدامه من القوة والدقة والسرعة والمرونة... وسأضيف ايضا الشفقة". وشملت المحطة الثانية أمس في جولة رامسفيلد التي بدأت في الامارات، اجراء محادثات مع أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني. ومن المقرر ان يكون اجتمع أمس أيضاً مع وزير الدفاع الاسترالي روبرت هيل الذي اسهمت بلاده بقوات في العراق الى جانب القوات الاميركية والبريطانية. ورفض المسؤولون الدفاعيون الاميركيون الكشف عما اذا كان رامسفيلد سيزور العراق. الى ذلك، قال رامسفيلد أمس في مقابلة مع قناة "الجزيرة" الفضائية ان الولاياتالمتحدة لا تنوي الاحتفاظ بقواعد عسكرية على المدى الطويل في العراق. واوضح: "لا توجد خطط لإقامة قواعد طويلة الأمد في العراق"، مضيفاً: "نحن سنبقى ما استدعى الأمر ذلك ولن نبقى ليوم اكثر". واعتبر ان في الامكان القول ان قوات التحالف تحتل العراق، الا انه اضاف: "نحن نحتل هذا البلد لفترة قصيرة جداً ولا نسعى الى اقامة امبراطورية ولسنا امبرياليين ولم نكن كذلك ابداً". وعن مصير صدام حسين بعد مرور نحو ثلاثة اسابيع على سقوط العاصمة العراقية، اعتبر ان هذا الامر لم يعد مهما. وقال: "لا اعتقد ان هذا الأمر قد يغير شيئاً. ان القيادة العراقية السابقة لم تعد تحكم العراق ونظام صدام حسين لم يعد موجودا وتم اعتقال عدد كبير يزداد يوماً بعد يوم لمسؤولين عراقيين سابقين". ووجه انتقاداً الى ايران التي تسعى حسب قوله الى "التأثير" في الوضع السياسي في العراق. وقال: "لا اعتقد ان هذا الامر سيساعد ولا أعرف احداً يقول ذلك باستثناء بعض المسؤولين الذين يحكمون ايران ويقولون بأنهم رجال دين". ونقلت "خدمة نيويورك تايمز" عن رامسفيلد توجيهه انتقادات مماثلة لإيران خلال زيارته للإمارات أول من أمس. لكنه قال ان الولاياتالمتحدة لن تقود حرباً ضد إيران ل"تحرير" الايرانيين من 23 عاماً من الحكم الديني المتشدد. واعتبر ان ما يحصل في إيران من خلافات بين التيار الإصلاحي والتيار الديني مسألة تخص الإيرانيين ولا علاقة لأميركا بها.