"راح الطاغية العار إلّي يمنع الزوّار"... أهازيج كثيرة وكل موكب يتبارى في تقديم أناشيده والهتافات. بدوا كأنهم غير معنيين بما كان الجميع يتوقعه: ان يخرجوا بمواقف سياسية متشددة يندفع بها ملايين من الشيعة ضد القوات الأميركية في العراق، تكراراً للعداء المستحكم بين إيران الشيعية والولايات المتحدة. احتفالات ذكرى أربعين الإمام الحسين بدأت أمس على خلفية فرحة عميقة بسقوط نظام صدام، وانهيار تراث طويل من القمع الذي كان يستهدف الشيعة. على امتداد الطرق في العراق خرجوا منذ نحو أسبوع يسيرون على الأقدام. بلغوا أمس مليونين في كربلاء. التقليد الديني عمره أكثر من 14 قرناً، لكن نظام صدام حسين أوقفه، حرّم على سكان كربلاء تنظيم مواكب الزيارة في ذكرى الأربعين، وطارد الذين يسيرون على الأقدام من أنحاء العراق لزيارة الحسين. نصب الحواجز العسكرية والأمنية لهم على الطرقات. نشر سرايا الدبابات حول مناطق احتفالاتهم وسلّط عليهم "فدائيي صدام" وعناصر المخابرات للتنكيل بهم... القادمون يلطمون صدورهم وظهورهم كل عام للتأسي بصدر الإمام الحسين وظهره اللذين داستهما الخيول وحطّمت الأضلاع فيهما. عشرة أشخاص شجّوا رؤوسهم للتأسي بضرب رأس الحسين قبل احتداده. شج الرؤوس كان لافتاً على رغم إجماع الحاضرين على ان العلماء الشيعة حرّموه. كان الجميع يتوقع مواقف تصعيدية معادية للأميركيين. يكتشف المرء ان الموقف مغاير لذلك. هناك شعور وطني بعدم الرغبة في تسلم الأميركيين الحكم في العراق وترك الأمر في يد العراقيين، ولكن ليس هناك عداء للأميركيين ولا لقواتهم، بما في ذلك لدى اتباع آية الله العظمى الراحل محمد صادق الصدر. الشيخ نزار الكربلائي التميمي الذي تولّى إمامة الجمعة 58 أسبوعاً بعد اغتيال الصدر في كربلاء، قال ل"الحياة": "كل ما نتمناه هو ان يُنفّذ الأميركيون ما وعدوا به بعد تخليص البلاد من نظام صدام حسين، واذا فعلوا ذلك سيكون ممكناً تحقيق ما يرضي مصالح جميع الأطراف من دون صعوبة على الإطلاق". الشيخ التميمي صاحب خط طويل، كما يصفه أهل كربلاء، سُجن ثلاث مرات في عهد صدام، وفي آخرها اعتقلته المخابرات العراقية مع كل عائلته بما في ذلك ابنه الطفل البالغ تسعة شهور. في أحد فنادق كربلاء حيث أُقيمت ولائم عن روح الحسين كان المتحدثون جميعهم قاطعين: "المتطوعون العرب وحدهم قاتلوا في كربلاء. أما جماعة صدام وفدائيوه وبعثيوه فهربوا منذ اليوم الأول". أضافوا: "سكان المدينة لعبوا دوراً في إيقاف القتال وانهائه. وجميعهم كان يرى ان الأميركيين قدموا خدمة لتخليص السكان في صدام وبطشه". السكان المشاركون في ذكرى الأربعين يتحلقون في مواكب العزاء، وأيضاً حول الصحافيين ليرووا لهم قصصاً عن مفقودين من عائلاتهم اختفوا لسنوات في سجون صدام ولم يظهر لهم أثر. في أمانة المدينة عُثر على سجلات عن 450 شخصاً أعدمتهم المخابرات العراقية سراً، وبقي مصيرهم مجهولاً. ظلُّ صدام ماثل مع تكرار هتاف "كلا كلا لصدام" آلاف المرات. بعض القادمين الى كربلاء ممن التقتهم "الحياة" تحدث عن رفضه الاحتلال الأميركي. بعضهم الآخر كان فخوراً بالقول انه قدّم التمر والحلوى والمياه للجنود الأميركيين لدى دخولهم. من كربلاء يبدو مشهد الساحة الشيعية أكثر هدوءاً ومهادنة مما توحي به تحليلات السياسيين. الأمر مختلف بعض الشيء في "مدينة الصدر" الثورة سابقاً، في ضاحية بغداد، حيث تتصاعد وتيرة الاحتجاجات ضد الأميركيين إثر اعتقال ثلاثة من علماء الدين المؤيدين لتيار السيد محمد الصدر، وحيث يتحدث السكان من الآن عن سياسات أميركية تُشابه سياسات صدام حسين القديمة ضدهم.