أطلق مثقفون مصريون ينتمون إلى مدارس فكرية عدة حواراً يستهدف صوغ "مشروع وطني جديد" قائم على خلفيات ليبرالية لتطوير الخطاب السياسي وتبني رؤية إقليمية ومحلية في مواجهة المتغيرات الناتجة عن الحرب على العراق، وتنمية الديموقراطية في البلاد. والتقى نحو 150 مثقفاً مساء أول من أمس في مقر نقابة الصحافيين وأداروا حواراً استغرق نحو ثلاث ساعات أظهر ميلاً واضحاً لجهة تبني مشروع قائم على إطلاق الحريات العامة وتأسيس مجتمع مدني ومؤسسات ديموقراطية مستندة على سلطة القانون تتيح مبدأ تداول السلطة في مصر، وتكون بديلاً من الرؤى الرسمية للدولة والخطاب الأصولي المطروح. وعلى رغم ضآلة حجم مشاركة رموز الليبراليين والناصريين والقوميين في الحوار الذي شهد وجوداً مكثفاً لليساريين وغياباً ملحوظاً للاسلاميين، فإن المتحاورين طرحوا مفاهيمَ لوثيقة تطوير الخطاب السياسي، والمشروع الوطني الجديد أقرب ما يكون إلى التزاوج بين الحريات السياسية والحقوق الاجتماعية والانسانية وإن غاب عن الجدل التعاطي مع الرؤى الاقتصادية المقترحة من جانبهم للمرحلة المقبلة. وبدا اتجاه واضح لدى متحاورين مؤثرين للقبول بفكرة الليبرالية الاقتصادية في إطار الاستقرار على مبادئ الليبرالية السياسية، وهو ما يمثل تطوراً مهماً في أفكار جانب من قطاعات اليسار التي كانت حتى وقت قريب ترفض التعاطي مع هذا الملف من خلفية انحياز اجتماعي لقوى مجتمعية تتعارض مصالحها مع مفاهيم الحرية الاقتصادية وربما كان ذلك سبباً وراء حديث أنصار الاتجاه الجديد إلى ربط ذلك بضمان توفير الحقوق الاجتماعية. وكانت وثيقة سبق إعلانها قبل أيام اقترحت صوغ "المشروع الوطني الجديد" على مفهوم "بدء هجمة استعمارية على العراق تستهدف شمول العالم العربي تدريجاً وعلى مراحل"، وهو ما يستلزم بحسب الوثيقة "طرح مشروع وطني وعربي جديد يضع في اعتباره عوامل الضعف". وحددت الوثيقة عشر نقاط من أبرزها "إدانة الغزو الاستعماري الاميركي للعراق ودعم حق الشعبين الفلسطيني والعراقي في الكفاح من أجل الاستقلال وتنفيذ برامج إصلاح دستوري وسياسي وتشريعي جذري في مصر يقوم على تعزيز قيم الاستنارة والعقلانية لبناء دولة مدنية ديموقراطية وتحقيق إصلاح اجتماعي لضمان انطلاقة جديدة للحركة الوطنية". وتزامن الحوار المطالب بتغيير ديموقراطي جذري في البلاد مع مؤتمر عقدته أحزاب وقوى المعارضة قبل ساعات شددت فيه على ضرورة تحقيق إصلاح سياسي واسع يتيح حريات التعبير وكفالة الحقوق الديموقراطية وضمان انتخابات عامة نزيهة. وانتقد المشاركون وهم من قادة الفاعليات المختلفة غياب مبدأ تداول السلطة ما أعطى مؤشراً على تصاعد الضغوط في ملف "الإصلاح السياسي" وسط مخاوف في أوساط النخبة من "ابتزاز خارجي" متوقع في هذا الشأن، ورصد لتوجهات رسمية وطنية لإدخال بعض الإصلاحات مثل تشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان وتغليظ عقوبة جرائم التعذيب وإلغاء محاكم أمن الدولة. غير أن مدير جلسة حوار "المشروع الوطني الجديد" الدكتور مجدي عبد الحميد تحدث عن رؤية أرحب للإصلاح المطلوب، وقال ل"الحياة" إن "التطورات تفرض صوغ عقد اجتماعي جديد"، فيما أوضح عضو المركز المصري الديموقراطي الاجتماعي السيد فريد زهران أن "المشروع المقترح يقوم على الجهود والمبادرات المقترحة من هيئات عدة في المراحل السابقة لصوغ رؤية مستقبلية عبر الحوار مع كل الهيئات الشعبية. وستعلن هذه المبادئ في غضون أسابيع قليلة لتنطلق معها حركة مطلبية للمؤسسات الرسمية بتبني ما ستعلنه الوثيقة".