سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أزمة متفاقمة في أفريقيا وأعداد متزايدة من الفقراء في الشرق الأوسط . البنك الدولي يشدد على مسؤوليات الدول الصناعية والنامية في تحقيق الأهداف التنموية للألفية الثالثة
شدد البنك الدولي على أن تحقيق الأهداف التنموية للألفية الثالثة وفي مقدمها خفض أعداد فقراء العالم الى النصف بحلول سنة 2015 بالمقارنة مع مستوياتها التاريخية عام 1990 لا يزال ممكناً شرط بذل جهد دولي مشترك تساهم فيه الدول الصناعية بتقليص العوائق والقيود التي تفرضها على التجارة وزيادة مساعداتها الرسمية في ما تعمل الدول الفقيرة من جانبها على زيادة استثماراتها في خدمات الصحة والتعليم لمواطنيها. لكنه أبدى قدراً كبيراً من التشاؤم ازاء مصير الفقر في أفريقيا وارتفاع أعداد الفقراء في الشرق الأوسط. وذكر تقرير مؤشرات التنمية العالمية لسنة 2003، الذي أصدره البنك الدولي، أن استمرار النمو الاقتصادي على المستوى الدولي من دون أزمات سيؤدي إلى انتشال 360 مليون شخص من براثن الفقر المدقع، الا أن القوة الدافعة وراء هذا التقدم، وهي النمو السريع في آسيا وتحسن اقتصادات أوروبا الشرقية، لن تفيد فقراء أفريقيا كثيراً اذ من المحتمل أن ترتفع أعدادهم من 315 مليون شخص عام 1999 إلى 404 ملايين شخص سنة 2015، كما أن أعداد الفقراء آخذة في الازدياد في منطقة الشرق الأوسط. ورصد التقرير عبر مجموعة كبيرة من البيانات التفصيلية المستقاة من هيئات الإحصاء الدولية والقومية مدى التقدم الذي أحرزته الدول الفقيرة لتحقيق الأهداف الإنمائية الموضوعة للألفية الجديدة. وعلاوة على خفض أعداد فقراء العالم الى النصف بحلول 2015 تدعو هذه الأهداف التي اتفق عليها المجتمع الدولي عام ألفين الى تحقيق تحسن كبير في خدمات التعليم والرعاية الصحية والمساواة بين الجنسين والتغلب على ظاهرة الجوع وتدهور البيئة. ولفت رئيس الخبراء الاقتصاديين في البنك الدولي لشؤون التنمية نيكولاس شتيرن الى أن عدداً لا بأس به من الدول النامية حقق في الأعوام الأخيرة المزيد من التقدم لتعزيز النمو وتحسين ادارة اقتصاداته، الا أن النمو ليس كافياً اذ لا بد من ضمان توفير خدمات التعليم والرعاية الصحية للجميع ولا سيما الفقراء علاوة على تهيئة مناخ مناسب للاستثمار من أجل خلق الفرص وحفز الإنتاجية وتحقيق تحسن حقيقي في حياة الناس. ونبه شتيرن الى أن الدول الفقيرة لن يكون في مقدورها الوفاء بمتطلبات تحقيق الأهداف الانمائية ما لم تخفض الدول الصناعية العوائق والقيود التي تحد من قدرتها على التصدير وتحقيق نمو اقتصاداتها، معرباً عن الأمل في أن يشكل اجتماع منظمة التجارة الدولية المقبل في كانكون المكسيك فرصة للدول الصناعية للوفاء بالتزاماتها المعلنة واتخاذ الاجراءات اللازمة في شأن التجارة، لا سيما تحسين فرص الصادرات الزراعية للدول الفقيرة في الوصول الى أسواقها. وأبرز البنك ضخامة التحديات التي تواجهها الدول النامية وفي مجال الرعاية الصحية خصوصاً، مشيراً في سلسلة مما وصفه المؤشرات "المثيرة للذعر" الى أن 121 طفلاً من كل ألف مولود في الدول الأكثر فقراً لا يعيشون حتى سن الخامسة بينما لا يزيد هذا الرقم في الدول المرتفعة الدخل على سبعة مواليد، وفي حين تسجل 14 حالة وفاة للأمهات من كل 100 ألف مولود حي في الدول المرتفعة الدخل يصل عدد حالات الوفاة في بعض الدول الفقيرة الى ألف حالة. وشهدت تسعينات القرن الماضي تحقيق تقدم سريع في مجال مكافحة الفقر اذ انخفض عدد الناس الذين لا يتجاوز دخل الواحد منهم دولارا في اليوم من 1.3 بليون شخص عام 1990 إلى 1.16 بليون شخص عام 1999، الا أن معظم هذا الانجاز انحصر في الصين والهند بينما ارتفع عدد الفقراء في افريقيا من 241 إلى 315 مليون شخص وفي منطقة أميركا اللاتينية من 48 إلى 57 مليون شخص وفي أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى من 6 ملايين إلى 24 مليون شخص، وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من 5 إلى 6 ملايين شخص. التجارة ولم يدع البنك الدولي من شك في أن أفضل آمال الدول النامية في تعزيز قدراتها في مكافحة الفقر تكمن في المجال التجاري مؤكداً أن مبادرة الدول الصناعية الى خفض الحواجز التي تقيمها أمام صادرات الدول الفقيرة ستؤدي الى رفع نمو اقتصاد البلدان النامية بنسبة 5 في المئة في المدى البعيد، ما سيساهم في انتشال عدد اضافي قد يصل الى 300 مليون شخص من براثن الفقر بحلول سنة 2015. وشدد شتيرن على دور التجارة في حفز التنمية مشيراً الى أن الدول النامية التي رفعت حجم تجارتها حققت في العقد الأخير ثلاثة أضعاف النمو الذي حققته الدول التي بقيت تجارتها على حالها، ولفت الى أن الدول الفقيرة تواجه حواجز ضخمة تفرضها الدول الصناعية على منتجاتها لا سيما تلك التي تتمتع فيها بميزة نسبية مثل السلع الزراعية والمنسوجات، لكنه أكد أن البلدان النامية ستكسب الكثير بخفض حواجزها التجارية. وارتفعت حركة المبادلات التجارية الدولية عام 2001 بنسبة 1.2 في المئة بالمقارنة مع 8 في المئة كمتوسط سنوي لعقد التسعينات وسجلت الدول المرتفعة الدخل التي تمثل تجارتها 75 في المئة من التجارة الدولية تباطؤاً كبيراً حيث لم تتجاوز نسبة النمو لديها 3 في المئة بينما حققت تجارة الدول المنخفضة الدخل نمواً بنسبة 6.4 في المئة، أي ما يقارب ضعفي المتوسط السنوي الذي حققته في التسعينات. وأشار تقرير مؤشرات التنمية الجديد الى أن تجارة السلع خصوصاً السلع الأولية ومنتجات الصناعات التحويلية بقيت مهيمنة في التسعينات على رغم تحقيق تجارة الخدمات معدلات نمو سريعة، وسجلت الدول المصدرة للسلع الأساسية باستثناء الوقود زيادة في تجارتها الا أن انخفاض أسعار هذه السلع انعكس سلباً على عائداتها، وكانت منطقة أفريقيا جنوب الصحراء التي تضم أكبر عدد من الدول الأكثر فقراً الأشد معاناة من بين مناطق العالم. الصحة والتعليم لكن خفض الحواجز التجارية ليس كافيا لتمكين الدول الفقيرة من تحسين آفاقها اذ أكد البنك الدولي على أهمية القروض الميسرة التي تقدمها الدول الصناعية في تمكين الدول النامية من الحصول على الموارد اللازمة للاستثمار في الرعاية الصحية وخدمات التعليم لشعوبها، مشدداً على أن تحقيق أهداف التنمية يتطلب من الدول الصناعية الوفاء بالتزاماتها التي من شأنها أن تضيف نحو 50 بليون دولار سنوياً الى هذه المساعدات الرسمية. وقال شتيرن: "ان التجارة تمكن الدول الفقيرة من زيادة صادراتها والخروج من براثن الفقر الا أن توفير مستوى كاف من خدمات الرعاية الصحية والتعليم يعطي الناس ما يحتاجونه من الأدوات للاستفادة من الفرص السانحة في السوق الدولية". كذلك أوضح مدير بيانات التنمية اريك سوانسون ان "تقدم الأعمار في الدول ذات الدخل المرتفع يتيح للدول الفقيرة فرصة لتوليد الوظائف ورفع إنتاجية قواها العاملة المتزايدة في حال استثمرت في صحة وتعليم وتغذية شعوبها". وكشفت مؤشرات التنمية أن متوسط ما أنفقته حكومات الدول الفقيرة على الرعاية الصحية عام ألفين لم يتجاوز واحداً في المئة من إجمالي ناتجها المحلي بالمقارنة مع 6 في المئة في الدول المرتفعة الدخل. وعند حساب اجمالي ما ينفقه القطاعان العام والخاص ترتفع النسبة الى 4 في المئة من الناتج المحلي في الدول الفقيرة والى 10 في المئة في الصناعية. وبالأرقام بلغ متوسط نصيب الفرد من الانفاق على الصحة في الدول الصناعية 2700 دولار بالمقارنة مع 29 دولاراً في أفريقيا وستة دولارات فقط في بعض دول القارة. ومن المقارنات المثيرة التي أوردها البنك الدولي أنفقت أميركا على الرعاية الصحية سنة ألفين قرابة 1.3 تريليون دولار، ما يعادل 13 في المئة من ناتجها المحلي و43 في المئة من اجمالي الانفاق الدولي، وبالمقارنة بلغ ما أنفقته الدول المنخفضة الدخل 45 بليون دولار الا أن القطاع الخاص في هذه الدول الأخيرة حمل 73 في المئة من أعباء الرعاية الصحية مقابل 38 في المئة فقط في الدول الصناعية كمجموعة و56 في المئة في أميركا و25 في المئة في الاتحاد الأوروبي. وفي قطاع التعليم بلغت قيمة الانفاق العالمي عام ألفين 1.54 تريليون دولار وتركز 85 في المئة من هذا الانفاق في الدول الصناعية التي حصل الفرد فيها على 28 ضعفاً مما حصل عليه الفرد في الدول النامية. وعلى رغم أن النسبة التي تخصصها الدول الصناعية من ناتجها المحلي للتعليم لا تزيد كثيراً على النسبة المقابلة في الدول النامية 5.3 في المئة الى 4.1 في المئة الا أن الدول الفقيرة تبز الدول الصناعية في مقدار ما تخصصه للتعليم الابتدائي من موازنات التعليم. واستكمل البنك الدولي مقارناته بالاشارة الى أن متاعب تمويل الرعاية الصحية والتعليم في الدول الفقيرة لم تمنع العالم من انفاق 800 بليون دولار على التسلح عام 2001 وهو مبلغ ضخم يعادل 2.3 في المئة من الناتج المحلي وبواقع 171 دولاراً للفرد الواحد لكنه يستند إلى موازنات الدفاع المعتمدة ولا يأخذ في الاعتبار الانفاق الإضافي الناجم عن هجمات 11 أيلول سبتمبر والحرب على الإرهاب. مناخ الاستثمار وفي مقابل حض الدول الصناعية على خفض الحواجز التجارية وزيادة المساعدات الرسمية ركز البنك الدولي على ضرورة تصدي الدول النامية لمهمة تهيئة مناخ استثماري سليم يشجع على توليد فرص العمل وحفز النمو الاقتصادي، لافتاً الى أن متطلبات هذا المناخ لا تنحصر في توفير ادارة سليمة للاقتصاد واعتماد سياسات انفتاحية في مجالي التجارة والاستثمار ورفع مستوى البنية الأساسية وخدماتها، بل تشمل أيضاً تسهيل عمل شركات القطاع الخاص عبر توفير بيئة ملائمة للنشاط التجاري. وشدد شتيرن على أهمية المناخ الاستثماري المناسب في الاستفادة من قدرات القطاع الخاص مشيرا الى أن السوق المحلية تستمد 90 في المئة من استثماراتها من مصادر محلية، لكنه لم يقلل من أهمية هذا المناخ في عملية اجتذاب الاستثمارات الدولية التي وصفها بأنها قناة مهمة لانتقال التكنولوجيا الحديثة والخبرات الادارية علاوة على توفير فرص الوصول الى الأسواق الدولية.