يجيب عدد كبير من المعلقين والصحافيين والسياسيين وكل من يعارض الحرب على العراق عن هذا السؤال بنعم مدويّة. إلاّ أن السؤال، كما جاء في هذه الشروط العامة، لا يساعد كثيراً. فهو لا يميّز بين الحوافز التي تؤدي الى قرار، وهي عوامل يأخذها صانعو السياسات في الاعتبار، غير انها لا تحدد القرار، ومضاعفات الأحداث الناتجة من اتخاذه. وقد نتوصل الى فهم مسألة "الحرب والنفط" في شكل أفضل إذا ما قسمنا السؤال الى ثلاثة أجزاء. أولاً، هل قررت كل من الولاياتالمتحدةوبريطانيا شن حرب بسبب النفط؟ ثانياً، هل يشكل النفط ربحاً سياسياً أو استراتيجياً اضافياً تأمل الولاياتالمتحدة بالحصول عليه من خلال الحرب؟ ثالثاً، هل للحرب تبعات داخل سوق النفط والصناعة وجيوسياسية الطاقة. وللأسباب التي سأوردها لاحقاً، فإن إجابتي عن السؤال الأول هي "لا". أما عن الثاني، فأقول ان المسألة هي مسألة ادراك أكثر منها مسألة وقائع مريرة. وأما اجابتي عن السؤال الثالث فهي "نعم" مثقلة بإثباتات. القرار بتهديد العراق عسكرياً واجتياحه إذا ما فشلت التهديدات في تغيير النظام، اتخذ في اطار أهداف استراتيجية ضيقة للرد على أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001 المروعة. وتترجم أميركا تلك الاعتداءات على أنها فعل حرب يجابه بحرب أخرى، فهي فتح جروحاً عميقة ووجدت أميركا نفسها مضطرة لاتخاذ بعض التدابير التي تساعد عملية الشفاء أو تعجل بها. أرواح الأميركيين مُسّت بجراح عميقة. خاضت الولاياتالمتحدة حروباً كبيرة في القرن العشرين وعانت خسائر جمة، إلا أن أحداً لم يتأذَّ داخل البلد الأم، فلا قذائف وقعت على مدن أميركية ولا معركة حصلت داخل أراضيها ولم يتمكن عدو قط من اجتياح أي جزء من البلاد. وبفضل هذه التجربة، عزز الأميركيون حسّهم بالأمان فجاءت أحداث 11 أيلول المروّعة لتحطم هذا الدّرع. اضافة الى ذلك، طاولت هذه الأحداث إدراكهم وفخرهم بكونهم قوة عظمى لا منافس لها، فعانوا عدائية أشخاص لا مصدر لقوتهم سوى ارادة الانتحار باسم قضية. فوجدت القوة العظمى نفسها ضعيفة، واضطرت بالتالي الى اتخاذ اجراءات من اجل اعادة الصورة التي كوّنتها عن نفسها واظهارها في الوقت عينه أمام العالم أجمع. فكان الحل الأكثر آنية شن حرب ضد الارهاب. وكانت طبعاً الحرب في أفغانستان، إلا أن ذلك أيضاً لم يناسب حساباتهم، إذ ظهرت حركة طالبان بمظهر العدو الضعيف في شكل يثير الشفقة، فانتزع من أيدي الولاياتالمتحدة كأس النصر المتوقع، ألا وهو بن لادن والملا "عمر" "ميتين أو حيين". وبالتالي، اتخذ القرار بشن حرب حقيقية ضد عدو أكثر جدارة من أفغانستان، وهو قرار اتخذ على الأرجح في وقت سابق على رغم الإنكار الأميركي المتكرر لذلك. وتم اختيار العراق بين ثلاثة أعضاء في محور الشر، كونه المرشح الأكثر ملاءمة. ولا يعود السبب الى أسلحة الدمار الشامل إذ تملك كل من كوريا الشماليةوايران عدداً أكبر من هذه الأسلحة، ولا للنفط فإيران تحتوي أيضاً على كمية كبيرة من النفط، ولا لأنه يشكل خطراً على اسرائيل فالخوف من ايران أكثر منه من العراق، بل لأن العراق يشكل هدفاً عسكرياً أسهل من كوريا الشماليةوايران. كما ان العالم أجمع يكره نظامها لأسباب وجيهة. ولا ننسى أنها اجتاحت جيرانها، ثم خرقت قرارات الأممالمتحدة. إضافة الى هذا، فمن المنطقي شن هجوم على بلد عربي - بعد هجمات 11 ايلول - وليس على كوريا الشمالية أو ايران. وتحتاج الولاياتالمتحدة أيضاً الى تذكير روسياوالصين وأوروبا واليابان ودول العالم كلها بأننا دخلنا أخيراً عصراً تسيطر فيه هي وحدها كقوة عظمى. تذكروا السويس عام 1956 عندما أجبرت الولاياتالمتحدةبريطانياوفرنسا على انهاء الحرب ضد مصر وسحب قواتها في الحال. لم تُتخذ تلك التدابير وقتها بدافع الانحياز الى جمال عبدالناصر أو التعاطف مع أفكاره الثورية، بل لتذكير بريطانياوفرنسا بأنهما لم تعودا القوتين الاستعماريتين العظميين كما كانت حالهما قبل الحرب العالمية الثانية. اضافة الى ذلك، ففي كانون الثاني يناير 2001، أي قبل سنة اعتلاء أعضاء كبار في الإدارة الحالية مناصبهم، فإن هؤلاء عبروا بزخم عما سعى اليه بجهد الرئيس رونالد ريغان في الثمانينات، أي عن ضرورة ان تبني الولاياتالمتحدة قوتها العسكرية وأن تعيد رفع شأنها في العالم. وفي هذا الإطار الاستراتيجي الخاص نستطيع أن نفهم بشكل أفضل الحرب المتوقعة على العراق. من جهة أخرى، أدى إدراك بريطانياوفرنسا هذا الواقع بالذات بهما الى التصرف بشكل معاكس حيال نداء الولاياتالمتحدة للحرب. فإدراك بريطانيا ان الولاياتالمتحدة تحدّد مكانتها على انها القوة العظمى الوحيدة، وأن هذه المكانة ستلازمها على الأرجح لعقود، جعلها تقرر ان تقف الى جانبها. أما فرنسا، فعندما أدركت ان الولاياتالمتحدة تريد ان تؤكد هيمنتها كونها القوة العظمى الوحيدة، قررت ان تذكّرها بأن العالم ليس صحراء قاحلة، بل تسكنه بلاد أخرى لها آراؤها ومصالحها وقليل من القوة وإرادة خاصة بها وكرامة قبل كل شيء. ليس النفط هو "الدافع" لقرار شن حرب على العراق، لكنه يندرج في مكوّنات معادلة يسيطر عليها عاملان 11 أيلول/ سبتمبر وتأكيد القوة العظمى هويتها. أما الذين يعتقدون بأن "النفط هو كل ما في الأمر" فقد يكونون مضللين في تشبيههم ما بين الأحداث الحالية وحرب الخليج عام 1990 - 1991. فالأخيرة كانت تتعلق بالنفط وبأمن اسرائيل اللذين هددهما صدام حسين حين اجتاح الكويت. لكنه لا يهدّد اليوم موارد النفط، بل هو يغتبط لمدّ العالم به وبخاصة الولاياتالمتحدة التي تشتري أكبر حصة من صادرات النفط العراقي بما يصل الى مليوني برميل في اليوم العادي. كما أنه يغتبط للتفاوض على اتفاقات تُعنى بتقاسم الانتاج مع أي شركة نفط أجنبية تنوي الاستثمار داخل العراق بعد رفع العقوبات. لكن العراق يملك آبار نفط واسعة تحتاج الى المزيد من التنقيب والتحديث. والحرب على العراق اضافة الى الأحداث التي ستليها لا بدّ من أن تتعلق ضمنياً بالنفط. فالحرب ستسبب توقفاً فورياً لانتاج النفط وتصديره، حتى ولو قضت الخطوة العسكرية الأولى باحتلال حقول النفط العراقية. ولن يكون من الممكن خلال بضعة أيام تحصين كل الامدادات من حقول النفط، وخطوط الأنابيب، ومحطات الضخ وصهاريج التخزين الى محطات التصدير التي تمكّن من استخراج النفط وتسييله ثم رفعه عبر المستوردين. وفيما تدور المعارك، سيحرم العالم من حوالى مليوني برميل يومياً. ومن دون شك، سترتفع الأسعار. ويعتقد بعض المحللين ان ذلك لن يهم كثيراً إذا لم تدم الحرب طويلاً. ويعتمد مدى ارتفاع الأسعار على العوامل الآتية: أ - أن تبدأ الحرب فيما يعاني الانتاج الفنزولي نقصاً بكمية مليون ونصف المليون برميل يومياً أو أكثر. ب - ان تبدأ الحرب فيما تكون مستويات أسهم النفط التجارية التابعة للولايات المتحدة متدنية مثلما هي عليه اليوم. ج - ان ينجح العراقيون في تفجير آبار النفط كما فعلوا في الكويت عام 1991. د - ألا تطلق الولاياتالمتحدة النفط مباشرة من مخزونها الاستراتيجي وأن تعتمد على رفع الانتاج في المملكة العربية السعودية، الأمر الذي لا يتحقق بسرعة كبيرة. ه - ان ينجح العراق بإطلاق صواريخ على امدادات النفط في الكويت و/أو المملكة العربية السعودية. و - ان تقرر الدول العربية كافة فرض حظر نفطي على الولاياتالمتحدة. ان الاحتمال المتمثل ب و قريب الى العدم وذاك المتعلق ب ه ضئيل للغاية. أما احتمال حصول أ و ب فكان أكبر لو بكّرت الحرب نهاية شباط/ فبراير بداية آذار/ مارس. ويجب عدم الاستهانة كثيراً بالحدث د إذ ان احتمال وقوعه قد يصل الى خمسين في المئة. أخيراً، من الصعب التخيل ان الولاياتالمتحدة قد تفشل في اتخاذ اجراءات تتعلق بالأسهم أو شبكات الأمان فور بداية الحرب من أجل تهدئة الأوضاع في السوق النفطية. ولن تكفي هذه الاجراءات لتهدئة أعصاب اليابان وأوروبا وأي بلد خارج الولاياتالمتحدة، إلا إذا رافقتها خطوات مماثلة من الوكالة الدولية للطاقة. ولسوء الحظ، فإن سجل هذه الوكالة خلال أزمات النفط السابقة لا يوحي بالثقة في قدرتها على تطبيق مخططاتها الخاصة بالأحوال الطارئة والمصممة بدقة. ولندرس الآن "تبعات" الحرب على النفط على الأمدين المتوسط والبعيد. ستكون المهمة الأولى للحكومة العراقية الجديدة تعويض الأضرار التي لحقت بحقول النفط وغيرها من امدادات النفط بسبب النقص في أموال الاستثمارات وقطع الغيار والمعدات والصيانة غير الكافية. خصوصاً أن الحرب ستدمر مصنعاً ما أو تلحق به أضراراً ولو لم تشتعل الآبار. وإذا ما حصل التخريب، فإن إخماد الحرائق وتصليح الآبار سيستغرق أشهراً عدة وربما أكثر من سنة. أما المهمة الثانية، فستكون التفاوض مع شركات نفط أجنبية على شروط اتفاقات تقاسم الانتاج للاستثمارات والعمليات في كل من حقول النفط الجديدة والقديمة وفي بعض الحالات، التفاوض من جديد على الصفقات التي ناقشتها أو وقَّعت عليها سابقاً الحكومة العراقية الحالية. ويريدنا بعض المعلقين أن نعتقد أن النظام الجديد الخاضع لسيطرة الولاياتالمتحدة سيقدّم للشركات عقوداً ذات شروط مرضية جداً. إلا أن ذلك صعب الحصول لثلاثة أسباب. أولاً، العراق سيكون بحاجة ماسة الى العائدات ولن يهدر أموالها على المستثمرين الأجانب من دون حساب. ثانياً، ستكون المنافسة بين الشركات محتدمة لتتمكن من الوصول الى موارد النفط العراقية. ثالثاً، يعود تاريخ اتفاقات تقاسم الانتاج النفطي الى زمن بعيد، وهي معايير واتفاقات حسنة حول الشروط والأسس. اضافة الى ذلك، سيصعب على النظام الجديد أن يقرّ بشروط للشركات أكثر ارضاءً من تلك التي وافقت عليها مسبقاً الحكومة الحالية. ولم تكن شروط هذه الاتفاقات متساهلة، على رغم انه تمت مفاوضتها بالإكراه بسبب نظام العقوبات. هل يمكن ملكية موارد النفط العراقية أن تُحال الى الولاياتالمتحدة؟ ان هذا بالكاد معقول. هل ستحصل كل من شركات النفط البريطانية والأميركية على الحصة الأكبر من اتفاقات تقاسم الانتاج الجديدة في العراق الجديد؟ على الأرجح نعم، إلا أن ذلك يعتمد على مدى استعداد بغداد للمزايدة ضد شركات أكثر حماسة من تابعية دول أخرى. هل سينسحب العراق من منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" OPEC ليتسبب بانهيار أسعار النفط؟ أما تعتقد حكومة جديدة أن الانسحاب من "أوبك" هو سياسة عقلانية، إلا أنها ستحاول بسرعة أن تعيد العلاقة إذا ما حرم هبوط الأسعار العراق من مليارات الدولارات النفطية التي هي في أمسّ الحاجة اليها. هل الاعتماد على زيادة حجم واردات النفط من العراق سيحرر الولاياتالمتحدة من اعتمادها على المملكة العربية السعودية؟ للإجابة بطريقة صحيحة عن هذا السؤال، من المهم التذكير بأن واردات الولاياتالمتحدة من العراق كانت بمعدل 1.2 مليون برميل في اليوم خلال كانون الثاني يناير 2003. وبالتالي، سيتوجب على العراق أن يصدّر 1.6 مليون برميل اضافي في اليوم إذا أرادت الولاياتالمتحدة أن تتوقف عن الاستيراد من السعودية. ومن المستبعد أن يحصل ذلك قبل ثلاث سنوات على الأقل. وهذا يعني ان زيادة الاعتماد على السعودية سينتقل من الولاياتالمتحدة الى أوروبا واليابان. وأخيراً، خلافاً لحرب الخليج عام 1990 - 1991، لن تكون الحرب على العراق، إذا حصلت، حرب نفط. فالأرباح السياسية والأمنية التي تتوقع الولاياتالمتحدة أن تحصل عليها من الحرب لا تتضمن النفط بأي شكل رئيس. ويعيش بعض اللوبيات جماعات الضغط والمعلقين في حلم أن يورثهم العراق مركزاً في منظمة الدول المصدرة للنفط اوبك ليحلّ بعد ذلك زمن طويل من تدنّي أسعار النفط. وهم ينسون عندما يناسبهم الأمر، أنه مع منظمة الدول المصدرة للنفط اوبك أو من دونها، فائتلاف المصالح الذي يتأثر سلباً لدى هبوط أسعار النفط الى 10 دولارات أميركية للبرميل الواحد والذي يرتاح لدى تأرجح سعر البرميل بين 20 و25 دولاراً هو ائتلاف واسع وقوي. اضافة الى هذا، هو لا يقتصر فقط على مصدّري النفط. كما ان الحرب ونتيجتها ستسببان قبل كل شيء ارتفاعاً في سعر النفط لتشكلا بعد ذلك سبباً اضافياً للتقلبات. وستتمكن شركات النفط البريطانية والأميركية من اكتشاف موارد النفط وتطويرها في العراق، كما ستزيد الولاياتالمتحدة وارداتها النفطية من ذلك البلد. ولن يغير هذا كله تركيبة صناعة النفط أو السوق النفطي العالمي في شكل ملحوظ. ويطمع الأميركيون بموقع العراق الاستراتيجي بين ايران والسعودية والكويت، وهي ثلاثة بلدان نفطية رئيسة. كما يقع العراق على حدود سورية والأردن، وهما بلدان مرتبطان بأي حل للصراع الاسرائيلي - الفلسطيني. اضافة الى هذا، تشكل المنطقة ساحة، تود كل من الصينوروسيا ممارسة بعض التأثير السياسي فيها، إذا لم يكن الآن، فربما في المستقبل. إلا أن تقويم أهميتها للقضايا الحالية عانى كثيراً بسبب النقص في المعرفة والطموح والانحياز السياسي. * مدير معهد اكسفورد لدراسات الطاقة.