قال الخبير النفطي والاقتصادي رئيس تحرير مجلة "ميس" النفطية د. وليد خدوري ل"الحياة" عن تأثير أحداث 11 ايلول سبتمبر على الاقتصاد العربي، ان الحديث عن سحب الودائع العربية من الولاياتالمتحدة وغيرها مبالغ فيه وهو تخمين تنقصه الدقة. واشار الى دلائل عن انكماش في العلاقات الاميركية - العربية. وشدد على ان القرار الذي ستتخذه "أوبك" في اوساكا، حيث تعقد مؤتمرها المقبل في 19 ايلول، لن يكون اقتصادياً فقط بل سياسياً. حاورته رندة تقي الدين ما هو تأثير أحداث 11 ايلول على الاقتصاد العربي؟ - ان التأثير الدولي لأحداث 11 ايلول على الاقتصاد العربي هو ان هناك بداية لحملة اميركية قوية ضد عدد من الدول العربية تقودها بعض الجهات في الولاياتالمتحدة عبر جزء من السياسة الخارجية في الوقت الحاضر. وتأثير الأحداث على الاقتصاد العربي في السنة الأولى لا تزال مؤشراته أولية. فهناك بعض الدلائل على حدوث انكماش في العلاقات الأميركية - العربية الاقتصادية، اذ تبين مثلاً ان الصادرات الأميركية الى المملكة السعودية انخفضت بنسبة 3 في المئة في النصف الأول من السنة. واعتقد ان التأثير سيكون اكبر بكثير على المدى المتوسط والبعيد بالذات في قطاع النفط. وهناك حملة تغذيها جهات صهيونية اميركية متعددة لمحاولة تقليص الاعتماد ليس فقط الأميركي، انما ايضاً الدولي على النفط العربي. وبنظري فإن هذا من أهم الأمور التي ستؤثر على الاقتصاد العربي على المدى المتوسط والبعيد، في حال نجاح هذه الحملة المعادية. لكن في الوقت الحاضر هناك مبالغة كبيرة في هذا الموضوع، من مؤشراتها مثلاً الكلام عن النفط الروسي علماً بأنه في سنة 2002 كانت هناك شحنة واحدة فقط من هذا النفط وصلت الى الولاياتالمتحدة وهي لا تشكل سوى 0.01 في المئة من واردات النفط الأميركي. لكن، هناك محاولات واتصالات ومفاوضات لتشجيع الاستثمارات في روسيا، وهناك ايضاً تقلص واضح في الاستثمارات الأميركية وبالذات النفطية في الدول العربية، وهناك على المدى المتوسط والبعيد محاولة لتهميش صناعة النفط العربية وتقليص الاعتماد العالمي على النفط العربي. ولكن مدى نجاح هذه الحملة أم لا هو مسألة أخرى. ماذا عن سحب الأموال العربية المستثمرة في الولاياتالمتحدة وما يتردد حول الموضوع؟ - من الصعب التكهن في شأن الموضوع، وهنا أتكلم كصحافي لأنه من الصعب جداً التدقيق في هذا الأمر، فنحن نتكلم عن استثمارات وعن ودائع لأفراد عرب، وهي منتشرة في جميع أنحاء العالم وهذه الأمور تتسم عادة بالخصوصية والسرية. ومن الصعب جداً التوصل الى تفهم واضح في شأن الموضوع لأن المستثمرين يودعون ويسحبون أموالهم بشكل يومي تقريباً ومن المستحيل وضع رقم على هذه العمليات وتبيان اتجاه معين، إلا اذا قامت الدول وأعلنت عن ذلك. اما بالنسبة الى الأفراد، والكلام هنا عن مئات البلايين من الدولارات الموجودة أو المسحوبة، فهو نوع من التخمين وينقصه الكثير من الدقة. ويجب الحذر حيال هذا الموضوع لأن المعلومات غير متوافرة بخصوصه. هل ترى ان الدول العربية النفطية غيرت نهجها في سياستها الاقتصادية والنفطية اثر احداث 11 ايلول؟ - طوال عقد التسعينات اتسمت السياسة النفطية للدول العربية ومنظمة "أوبك" بصورة عامة بنوع من المسؤولية بالنسبة لاستقرار الأسعار. وهذا ينبع من مصلحة الدول المصدرة للنفط من اجل التأكيد لكل من صناعة النفط العالمية والمستهلكين في الدول الصناعية ودول العالم الثالث ان الدول النفطية يهمها الحصول على ريع معقول لنفطها، ويهمها في الوقت نفسه محاولة الحفاظ على استقرار الاقتصاد العالمي في ظل أسعار نفطية معقولة ومعتدلة ومستقرة. أما بالنسبة الى الاستثمارات فإن معظم الدول العربية فتحت أبوابها للاستثمارات النفطية، أما في مجال الاستخراج والتنقيب أو في مجال التكرير والمجال البتروكيماوي فالقوانين تختلف من دولة الى أخرى، لكن الواضح ان الباب مفتوح للاستثمار في مشاريع مشتركة واخرى غير مشتركة. والملاحظ انه بعد 11 ايلول توسع الاستثمار في بعض الدول فيما لم تشهد دول اخرى حركة معينة. والمشكلة التي تواجهها بعض الدول العربية وخصوصاً تلك التي لديها احتياط كبير من النفط، هي ان الطلب الدولي على النفط ليس بحجم الزيادة التي تتوقعها بعض المؤسسات الدولية. ونسمع كلاماً كثيراً مفاده ان الطلب على النفط سيزداد بشكل كبير في السنوات المقبلة، ولكن بالنظر للاعوام الماضية نلاحظ ان الطلب على النفط محدود وهناك في الوقت نفسه طاقة انتاجية فائضة عند عدد من الدول. وهناك اليوم بين 4 أو 5 ملايين برميل يومياً من الطاقة الانتاجية الزائدة لدى دول "أوبك". ان الوضع صعب بالنسبة للدول النفطية، كونها تريد سعراً معقولاً للنفط والحفاظ على وارداتها المالية، علماً بأن السعر الآن هو 27 دولاراً في المتوسط لسلة نفوط "أوبك"، وتريد في الوقت نفسه زيادة طاقتها الانتاجية لأن لديها ما يكفيها وتريد ان تستثمر الأموال التي لديها في صناعات اخرى. لكن هناك اليوم محاولات غربية دؤوبة وشركات نفطية تكرس جهدها للحصول على النفط من أي مكان سواء في المناطق المغمورة بالمياه أو في دول فتحت ابواباً جديدة للاستثمار مثل منطقة بحر قزوين أو روسيا. وهناك ايضاً نفط جديد يحاول ان يحل محل نفوط "أوبك" في الأسواق الجديدة. ولذا يتوجب على دول "أوبك" ان تجيب بنفسها عن مستوى السعر الذي تريده لتلافي اي عجز في موازناتها، وان تحدد مستوى الانتاج الذي تريده لتبقى مسيطرة على الأسواق ولا تدع النفوط الجديدة تحل محلها في الاسواق المستقبلية. وهذه معادلة صعبة، و"أوبك" تسعى لإيجاد مخرج لها في هذه الفترة. النفط العراقي ماذا عن النفط العراقي ومستقبله في السوق الدولية؟ - لدى العراق حالياً طاقة انتاجية بحدود 3 ملايين برميل في اليوم. ومخطط العراق حالياً هو تصدير 2.2 مليون برميل في اليوم من خلال برنامج "النفط مقابل الغذاء". لكن نظراً للمشاكل القائمة بين مؤسسة تسويق النفط العراقية ولجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة، بسبب الرسوم التي فرضتها بغداد على صادرات النفط ومعادلة التسعير ومستوى التسعير اللذين تفرضهما لجنة العقوبات، انخفض تصدير النفط العراقي في اطار برنامج الأممالمتحدة الى النصف وهو اليوم بحدود مليون برميل يومياً. وفي حال حدوث حرب على العراق، وفي ظل وجود طاقة انتاجية فائضة في دول "أوبك"، اعلن بعض الدول مثل ايران والكويت وغيرها من الدول الأعضاء في المنظمة، انها ستزود الأسواق الدولية وتجنبها أي نقص في حال حدوث حرب وتوقف النفط العراقي. وسبق ل"أوبك" ان قامت بذلك في فترات دقيقة وحرجة. ومستقبل النفط العراقي متوقف على طريقة الهجوم الأميركي والضربة على العراق وما إذا كانت ستستهدف المنشآت النفطية مثلما حصل عام 1991. والكلام كثير عما سيحدث في السوق النفطية اذا تغير النظام العراقي، وتردد بعض الأوساط الأميركية ان نفط العراق بعد التغيير سيحل محل النفط السعودي. واعتقد ان هذا كلام تبسيطي وسطحي جداً، اذ ان أي تغيير في النظام العراقي يعني فترة طويلة من عدم الاستقرار، أي ان الشركات العالمية ستتريث قبل الاستثمار ببلايين الدولارات، ومن ثم هذا الكلام سياسي أكثر منه اقتصادي. الوضع السياسي الحالي والضربة المحتملة للعراق يلعبان دوراً كبيراً في رفع اسعار النفط، فهل 11 ايلول غيّر شيئاً في هذه الأسعار؟ - بعد 11 ايلول، انخفضت اسعار النفط خلال الفصل الرابع من عام 2001، لكن نتيجة سياسة "أوبك" التي حافظت على مستوى 25 دولاراً للبرميل، وخفض الانتاج أتاحا تأمين استقرار اسعار النفط في السنة الحالية. وفي كانون الأول ديسمبر الماضي وعندما اجتمع وزراء "أوبك" في القاهرة كان هناك خوف حقيقي من انهيار اسعار النفط سنة 2002. لكن بداية السنة شهدت تطورات عدة، أولها استمرار "أوبك" في خفض انتاجها واتخاذها لقرار بهذا الشأن، وثانياً الانتفاضة الفلسطينية وما رافقها من تخوف في الأسواق من توسع رقعة الصراع العربي - الاسرائيلي ومن توقعات حول هجوم اسرائيلي على سورية ولبنان. ونتيجة لهذه الأحداث السياسية وخفض "أوبك" لإنتاجها بدأ المخزون النفطي في الدول الصناعية بالانخفاض وبدأت الأسعار ترتفع واستقرت منذ ايار مايو الماضي عند مستوى 25 دولاراً للبرميل، وعادت في آب لترتفع الى مستوى جديد يراوح بين 27 و29 دولاراً. ولموضوع العراق دور كبير في ذلك، اذ اننا مقبلون على الفصل الرابع من السنة، حيث يزداد الطلب على النفط. فالأحداث السياسية في الشرق الأوسط، وضعت حداً أدنى لم تنزل عنه اسعار النفط وهو 24 أو 25 دولاراً للبرميل، لكنه موقت، لأنه عندما تنتهي الأحداث يكون هناك فائض كبير في الانتاج ولا يترافق مع طلب كبير على النفط. وهناك تخوف حقيقي من انهيار الاسعار مرة اخرى في حال وجود أي نوع من الاستقرار. والواضح حالياً انه ليس هناك طلب اضافي كبير على النفط، في نهاية سنة 2002، وهو ما يتطابق ايضاً مع التوقعات الدولية بالنسبة لسنة 2003. من ناحية اخرى بدأت الأسعار ترتفع بالنسبة للنفط الأميركي الى 29 أو 30 دولاراً للبرميل. فالقرار الذي ستتخذه "أوبك" في اوساكا حيث تعقد مؤتمرها المقبل في 19 ايلول لن يكون اقتصادياً فقط بل سياسياً. و"أوبك" لا تريد اسعاراً تتجاوز 28 دولاراً للبرميل، واذا استقرت الأسعار عند مستوى اكثر من 28 دولاراً لأسابيع عدة، ستقرر المنظمة ما ستفعله في ضوء سياستها وهي بقاء سعر سلة نفوط "أوبك" بين 22 و28 دولاراً للبرميل.