قال "بنك الكويت الوطني" في تقريره الأسبوعي انه بعد أن كانت الأسواق متفائلة من أن الحرب على العراق ستكون قصيرة عند بداية العمليات بعيد منتصف الشهر الجاري، وبعد أن ألهمت حملة "الصدمة والترويع" الكثير من المتداولين في الأسواق لبناء المراكز المناسبة، تبين مع نهاية الأسبوع المنصرم أن هذه الحرب ستستمر لأسابيع عدة على الأرجح. وأضاف التقرير أن المقاومة العراقية وأسر الجنود الأميركيين واظهارهم على شاشات التلفزيون وحوادث "النار الصديقة" العديدة وبقاء الرئيس العراقي ومعاونيه أحياء بعد الضربة الأولى، كلها جعلت الأسواق مرتبكة حول المسار الذي ستؤول إليه الحرب. ومع أن الأسواق لا تشك في النتيجة النهائية للحرب، إلا أن كثيرين بدأوا يتساءلون حول مدة الحرب وكلفتها الإنسانية والاقتصادية. وفي ما يأتي ما ورد في التقرير: عكست أسواق العملات هذه الأجواء وخسر الدولار الأميركي بعضاً من مكاسبه المحققة في الأسبوع السابق لبدء العمليات. وعلى رغم أن حكومتي الولاياتالمتحدة وبريطانيا حاولتا خفض سقف التوقعات حول مدة الحرب في الأيام الأخيرة، يرى كثيرون أن تأثير ذلك سيؤدي إلى مزيد من ضعف الدولار في الأيام القليلة المقبلة. ومن هذا المنطلق يرى البعض أن كلفة الحرب التي ستتحمل الولاياتالمتحدة معظمها ستؤثر في الاقتصاد الأميركي في المدى البعيد. فقد طلب الرئيس جورج بوش مبلغ 75 بليون دولار من الكونغرس لتغطية تكاليف الحرب، وإذا ما أضفنا إلى ذلك كلفة مشروعه الأخير لخفض الضرائب، فإننا نرى أن العجز في الموازنة سيرتفع إلى 375 بليون دولار هذه السنة وربما إلى أكثر من ذلك، اذ أشار وزير الدفاع دونالد رامسفيلد إلى أن كلفة الحرب ربما ستزيد على هذا المبلغ وأن وزارة الدفاع ستحتاج إلى المزيد من الأموال خلال بضعة شهور. وعلى المدى البعيد يرى البعض أن زيادة العجز بهذه الطريقة ستكون عاملاً ذا تأثير سلبي في الدولار الأميركي. ان الميزان الخارجي للولايات المتحدة ليس أفضل من الميزان الداخلي، اذ سجل العجز في الميزان الجاري نسبة 5.2 في المئة من اجمالي الناتج القومي في الربع الأخير من عام 2002، ما جعل هذا العجز يرتفع إلى مستوى أقصى مقداره 504 بلايين دولار لعام 2002، وهذا يعني أن على الولاياتالمتحدة أن تقوم بجذب مبلغ مقداره نحو 1.5 بليون دولار يومياً لتمويل هذا العجز. ومع أن هذا العجز كان يمكن تمويله بسهولة في الأعوام الماضية، فإن تطورات الأسواق الأميركية في الفترة الأخيرة تجعل جذب هذا الكم الهائل من الأموال إلى الولاياتالمتحدة أمراً أكثر صعوبة عند مستويات الدولار الحالية. وكانت الأرقام الاقتصادية خلال الأسبوع الفائت أظهرت أن الاستهلاك الأميركي لم يتغير خلال الشهرين الماضيين، خصوصاً أن عدم الاستقرار الناتج من الحرب ومخاوف خسارة المزيد من الوظائف في المستقبل وارتفاع أسعار النفط جعلت المستهلكين يقللون من الصرف على السلع الاستهلاكية. وكانت أرقام السلع المعمرة انخفضت بنسبة 2.2 في المئة في شباط فبراير الماضي، بالإضافة إلى أرقام مبيعات الوحدات السكنية الجديدة والتي كانت ضعيفة أيضاً، ما عزز من حال التشاؤم الحالية والتوقعات المستقبلية على حد سواء. وكانت ثقة المستهلك هي الأخرى ضعيفة كما جاء في أهم مؤشرين لهذا القطاع. فبينما انخفض مؤشر جامعة ميشيغان في آذار مارس الجاري إلى 77.6 نقطة من 79.9 نقطة في شباط، انخفض مؤشر مجلس المؤتمرين لثقة المستهلك إلى أدنى مستوى له منذ تسعة أعوام عند 62.5 نقطة. ويرى كثيرون أن أهم أسباب هذا الضعف هو تدهور سوق العمل في الولاياتالمتحدة وخوف كثيرين من فقدان وظائفهم الحالية. وكان معدل البطالة في شباط ارتفع إلى 5.8 في المئة ويتوقع كثير من الاقتصاديين ارتفاع هذا المعدل إلى ستة في المئة قريباً. بالإضافة إلى ذلك فإن أخبار احتمال إفلاس بعض شركات الطيران الكبيرة قد زادت من هذه المخاوف. وعلى رغم أن البعض قد يرى احتمال ظهور بعض الطلب على العملة الأميركية في حال حصول تقدم على جبهة الحرب، إلا أن حتمية تركيز الأسواق على الوضع الاقتصادي ستضغط على الدولار وتعيده إلى مساره التنازلي الذي شهدناه منذ فترة. ومن المتوقع أن تركز الأسواق على الأرقام الاقتصادية التالية الأسبوع المقبل: - الاثنين: مؤشر شيكاغو لمشتريات المديرين، الذي يتوقع ان يسجل 51 نقطة مقابل 54.9 نقطة في السابق. - الثلثاء: مؤشر معهد العرض الاداري، الذي يتوقع ان يسجل 49.5 نقطة مقابل 50.5 في السابق. - الخميس: مؤشر معهد العرض الاداري غير الصناعي، الذي يتوقع ان يسجل 52 نقطة مقابل 53.9 نقطة في السابق. - الجمعة: عدد الوظائف غير الزراعية، الذي يتوقع ان يتراجع بمقدار 308 آلاف وظيفة مقابل 50 الف وظيفة في السابق. أوروبا بعد أن اقترب اليورو من مستوى 1.0500 مقابل الدولار الأسبوع الفائت عاد وارتفع إلى مستوى 1.0800 عاكساً اكتسابه لصفة الملاذ الآمن. ولم تكن هناك أخبار مهمة حول منطقة اليورو خلال الأيام السابقة بل كان تحرك اليورو انعكاساً لمسار الدولار. إلا أنه بعد أن قام البنك المركزي الأوروبي بخفض 25 نقطة من أسعار الفائدة الأوروبية خلال شهر آذار، والذي جاء أقل من توقعات الأسواق، يرى كثيرون أن احتمالات خفض آخر لأسعار الفائدة في الثالث من نيسان أبريل المقبل تبقى قائمة خصوصاً أن حال عدم الاستقرار الجيوسياسية ما زالت كما هي عليه، وأن عدداً من مسؤولي البنك المركزي الأوروبي كان يريد خفضاً أكبر من ذلك كعلاج للوضع الاقتصادي المتردي في أوروبا. ويرى آخرون أن البنك المركزي الأوروبي سيبقي على أسعار الفائدة كما هي خصوصا بعد أن كان رئيس البنك المركزي فيم دويزنبرغ صرح أن التخفيض التالي سيكون أقرب إلى نهاية السنة الجارية. وكان اليورو استقر ضمن مستوى 1.05 إلى 1.08 مقابل الدولار لكن قد نرى بعض الارتفاع إلى المستوى الأعلى المحقق خلال الأسبوع الماضي بعد فترة من المراوحة ضمن هذا النطاق. وعلى رغم أن أي أخبار تشير إلى قرب نهاية الحرب ستكون عاملاً إيجابيا بالنسبة للدولار وبالتالي عاملاً سلبياً بالنسبة لليورو، فإن الأوضاع الحالية تؤكد أن اليورو سيستفيد من أي أخبار تؤثر في احتمال زيادة مدة الحرب، ومن المرجح أن تقوم الأسواق بشراء اليورو عند أي انخفاض لكن المراكز ستكون غالباً صغيرة الحجم وذلك بحكم غلبة حال عدم الاستقرار الحالية. المملكة المتحدة استمر تداول الجنيه الإسترليني عند مستوياته الدنيا ضمن النطاق الذي رأيناه الأسبوع الفائت، وكانت تقلبات الجنيه كبيرة خلال الأسبوع لكنها لم تكن مفاجئة خصوصاً بعد مقتل عدد من الجنود البريطانيين في العمليات الحربية في العراق. ويبقى احتمال سقوط رئيس الوزراء البريطاني السياسي العامل الأهم والمستمر في الضغط على الجنيه. أما على الصعيد الاقتصادي فقد أبدى كثير من المسؤولين تشاؤمهم حول الأوضاع الاقتصادية في الأيام القليلة الماضية. وكانت هناك تصاريح من قبل بعضهم إلى ضرورة إضعاف الجنيه لإنعاش الاقتصاد لتحفيز الطلب الخارجي على السلع والخدمات، ما جعل البعض يتأكد من رغبة السلطات البريطانية في إضعاف العملة البريطانية. ان هذا التغير بالإضافة إلى استمرار الحرب سيبقي الضغوط على الجنيه في المستقبل القريب، لكن المؤشرات التقنية تجعلنا نعتقد أن حجم المباع من الجنيه أكبر من حجم المشترى منه، ما يمهد إلى فترة هدوء قبل استمرار الضغط على هذه العملة. اليابان بعد الارتفاع الشديد الذي شهدناه للدولار مقابل الين من مستوى 116.30 إلى مستوى 121.80، كان طبيعياً أن نرى بعض عمليات جني أرباح بعد هذا الصعود. وبالفعل فقد انخفض الدولار إلى 119 يناً خلال الأسبوع الفائت. ولم يكن هذا الأمر هو الوحيد الذي جرد الدولار من قوته أمام الين فالجميع يعرف أن كلاً من البنك المركزي الياباني ووزارة المال يتعرضان للضغط المتواصل من أجل إيجاد وسائل وحلول فعالة لإنعاش الاقتصاد. وفي هذا الصدد فإن الاجتماع الطارئ للبنك المركزي الياباني للبحث في هذه الأمور لم ينتج عنه شيء يذكر. والشيء الوحيد الذي تبناه البنك المركزي هو تجاهل أهدافه للسيولة حول حجم الحسابات الجارية وبالتالي قراره توفير السيولة المطلوبة في الأسواق. لكن البعض لم ير في هذه الخطوة سوى محاولة من البنك لتجنب مأزق السيولة قبيل انتهاء السنة المالية في اليابان وأن هذه الخطوة لن يكون لها تأثير فعلي وطويل الأجل لإنعاش الاقتصاد. ونتيجة لخيبة أمل الأسواق هذه فقد تم بيع الدولار مقابل الين الياباني. وكانت عوائد السندات الحكومية لمدة عشرين عاماً انخفضت إلى مستويات دنيا عاكسة بذلك التشاؤم حول الأوضاع الاقتصادية في اليابان. لكن يبقى أن اليابان ما زالت تمتع بفائض تجاري، ما يساعد على دعم العملة اليابانية خصوصاً أن الدولار الأميركي ما زال معرضاً للضغوط، غير أن المسؤولين اليابانيين ما زالوا يهددون بالتدخل بائعين للين ان هو ارتفع بشكل سريع.