حتى اللحظات الأخيرة من شن الحرب على العراق احتفظ البيت الأبيض بصمته عن أعباء احتلال محتمل وعمليات اعادة الاعمار، كما امتنع مجلس الاحتياط الفيديرالي المصرف المركزي الأميركي عن الخوض في مخاطر الحرب على الاقتصاد، لكن مؤشرات الأسهم الأميركية استمرت في تحقيق مكاسب غير متوقعة وان ظهرت مؤشرات على أن المضاربين وليس المستثمرين هم الذين يحركون أسواق المال. وترددت أنباء عن احتمال أن يوافق الكونغرس على تخصيص 100 بليون دولار لتغطية نفقات العمليات العسكرية، الا أن شيئاً رسمياً لم يصدر عن الرئيس جورج بوش على رغم وعده في المؤتمر الصحافي الذي عقده في البيت البيض أوائل الشهر الجاري بالكشف عن أعباء الحرب في ملحق للموازنة وذلك في "وقت مناسب"، بات من المؤكد الآن أنه لن يأتي قبل انتهاء المهلة المحددة لمغادرة الرئيس العراقي صدام حسين ونجليه أرض العراق. وفي مناخ حرب يعيشه الاقتصاد الأميركي منذ شهور، اكتسبت مسألة الأعباء أهمية كبيرة في تحليلات الاقتصاديين ولاسيما تحذيراتهم من الدور السلبي الذي تلعبه في تفاقم عجز الموازنة المالية الذي توقعت مؤسسات اقتصادية أميركية عدة أن يصل الى نحو 300 بليون دولار في السنة المالية الجارية، التي تنتهي في تشرين الأول اكتوبر المقبل، وهو رقم قياسي فاق رقماً قياسياً سجل في العام التالي لحرب تحرير الكويت، لكنه لايتضمن أعباء الحرب الجديدة ويتوقع أن يتكرر في السنة المالية المقبلة. وعلى الصعيد الاقتصادي أقر المصرف المركزي بضخامة الغموض المخيم على الوضع الجيوسياسي وكذلك أثر هذا الغموض في قرارات قطاع الأعمال لكنه وجد، حسبما وصفه بيان أصدرته لجنة سياسات السوق بعد اجتماع دوري أول من أمس، من غير المفيد تحديد مخاطر الحرب على الاقتصاد واكتفى بعدم احداث أي تعديل على سعر فائدة القروض القصيرة الأجل، الذي يبلغ حالياً 1.25 في المئة، والذي يلعب دوراً مرجعياً مهماً في تحديد الكثير من أسعار الفائدة ذات العلاقة الوثيقة بالنشاط الاقتصادي. وتطابق بيان اللجنة مع توقعات المحللين وكان من المفترض أن يربك أسواق المال التي تستفيد تقليدياً من انخفاض أسعار الفائدة، الا أن المؤشرات الثلاثة الرئيسية لبورصة نيويورك أنهت جلسة التداول، ربما الأخيرة قبل اندلاع الحرب بنتائج ايجابية رفعت المكاسب التي حققها مؤشر "داو جونز" الصناعي، منذ علمت الأسواق بنية الرئيس بوش توجيه انذار نهائي للقيادة العراقية صباح الاثنين الماضي، الى 335 نقطة، أي قرابة 4.3 في المئة وهي نسبة مقاربة لما حققه المؤشران الآخران "ستاندرد آند بورز 500" و"ناسداك" الذي تغلب عليه أسهم شركات التكنولوجيا. وبدأ التعامل في بورصة نيويورك أمس بارتفاع مؤشر "داو جونز" 10 نقاط. وعزا المحللون في مؤسسة "ستاندرد آند بورز" مكاسب المؤشرات الى تعويل المستثمرين على نهاية سريعة للحرب على العراق أو أن المتعاملين ربما تصرفوا انطلاقاً من أن حلاً للمسألة العراقية بات قريب المنال. لكن مصادر أسواق المال أشارت أيضاً الى أن نشاط التداول لم يسجل مشاركة تذكر لصناديق الاستثمار أو المستثمرين الأفراد بل انحصر الى حد كبير في صناديق التحوط والمضاربين، الذين ربما دفعتهم مخاوف الحرب لتغطية المراكز قبل بدء الأعمال العسكرية.