أخفقت التطورات الدراماتيكية التي شهدتها أسواق المال الأميركية طوال الاسبوع الماضي في رسم صورة واضحة لاتجاه حي المال في نيويورك وول ستريت في الفترة المقبلة، فعلى رغم اعتقاد الكثير من المحللين أن مؤشرات الأسهم دخلت نقطة انعطاف مهمة، حذر اقتصاديون من خطورة استمرار الغموض حول المخاطر الجيوسياسية لحرب ضد العراق رأى البعض أن احتمالاتها تراجعت قبل الأنباء عن حوادث التفجير الأخيرة والبرنامج النووي لكوريا الشمالية التي أعادت خلط الأوراق. من شأن تحذيرات الاقتصاديين أن تلقي بظلالها على أسواق المال التي ستواجه في بداية اسبوع التداول الجديد اليوم تحدي الحفاظ على مكاسب ضخمة وشبه متتالية حققتها منذ جلسة التداول العاصفة يوم الأربعاء قبل الماضي، التي يعتقد معظم مخططي الاستثمار في كبريات المؤسسات الأميركية أنها هوت بالمؤشرات الرئيسية إلى القاع كمقدمة لبدء مرحلة الخروج من أزمتها وتقلباتها الخطيرة المستمرة منذ ربيع سنة ألفين. وبدأ مؤشر "داو جونز" لأسهم العمالقة الصناعيين إندفاعة قوية بعد جلسة الأربعاء المشار إليها لينهي اسبوع التداول الماضي عند مستوى 8322 نقطة مكتسبا زهاء 1000 نقطة، أي 14 في المئة. إلا أن المستثمرين لم يميزوا بين الشركات من واقع أن مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" العام الذي أقفل على 884 نقطة ارتفع في الفترة نفسها بنسبة مماثلة، فيما أغلق مؤشر أسهم التكنولوجيا "ناسداك" عند 1288 نقطة منفرداً بنسبة أعلى قليلاً مما حققه المؤشران الآخران. وتحققت المكاسب في ست من جلسات التداول السبع الأخيرة وجاء الاستثناء الوحيد بعد إعلان عملاق صناعة الرقائق "انتل" مساء الثلثاء الماضي أرباحاً للفصل الثالث أقل من التوقعات واعترافها، عبر مديرها المالي آندي براينت بأنها لا تتوقع حدوث تحسن في الفصل الجاري بسبب ضعف الطلب على منتجاتها، وتمثل رد الفعل الفوري بتكبد المؤشرات خسارة ضخمة عكست مدى حساسية المستثمرين إزاء مسألة أرباح الشركات. وقدمت مؤسسة التصنيف الائتماني "ستاندرد آند بورز" تفسيراً للمكاسب التي حققتها المؤشرات الاسبوع الماضي وذلك بعدما نشرت تقديرات تتيح للمستثمرين توقع نمو أرباح التشغيل للشركات ال500 المدرجة في مؤشرها الرئيسي بنسب إيجابية وعالية في الفصلين الثالث والرابع لتنهي السنة بنسبة نمو تصل إلى 24 في المئة، موضحة أن كل القطاعات الاقتصادية باستثناء حفنة صغيرة أهمها تقنية المعلومات والطاقة ستسهم في هذه النتيجة التي ستأتي بعد خمسة فصول متتالية من تراجع الأرباح. وفي الأسواق لم يخف تأثير النتائج القوية والتوقعات المتفائلة التي صدرت عن عمالقة مؤشر "داو جونز" مثل "سيتي غروب" و"جنرال موتورز" و"جونسون آند جونسون"، علاوة على عمالقة تقنيات الكومبيوتر والمعلومات "مايكروسوفت" و"آي بي إم"، ما حدا بكبار المحللين في مؤسسة "ستاندرد آند بورز" إلى التأكيد على أن مؤشرات الأسهم وجدت قاعها ولن تعود إلى المستويات المتدنية التي اختبرتها طوال الشهرين الأخيرين وخصوصاً الأربعاء قبل الماضي. وأشار كبير الاقتصاديين في مؤسسة "مورغان ستانلي" ستيفن روتش إلى أن معظم مخططي الاستثمار في المؤسسات الأميركية ومن ضمنها "مورغان ستانلي" يعتقد أن أسواق المال الأميركية بلغت القاع فعلاً، ما يعتبر تأكيداً على أن التفاؤل لم ينحصر في مؤسسة عريقة مثل "ستاندرد آند بورز" التي رأت في الوقت نفسه أن أسواق المال لن تتأثر بحرب على العراق التي ربما أصبحت أمراً مفروغاً منه وقد تنشب في الفصل الأول من السنة المقبلة. لكن روتش حذر من الغموض حول مخاطر الحرب على العراق وأبرز وجود تناقض حاد في نظرة كل من الولاياتالمتحدة والعالم إلى هذه الحرب، مشيراً إلى أن الولاياتالمتحدة تركز بشكل رئيسي على النجاح المحتمل للمعركة المقبلة بينما يركز العالم على مخاطر مرحلة ما بعد الرئيس العراقي صدام حسين، وأن الولاياتالمتحدة استنتجت مسبقاً أن أسعار النفط ستنخفض بحدة مع إطلاق الطلقة الأولى بينما يعتقد العالم أن وجوداً أنغلوسكسونيا في العراق لفترة طويلة سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة وبقاء أسعار النفط عند مستويات مرتفعة، ما اعتبره وصفة مضمونة لتجدد الركود في الاقتصاد العالمي. وأتاحت التطورات الدراماتيكية الأخيرة لمؤشرات أسواق المال الأميركية وحملة أسهمها من المستثمرين الدوليين والمحليين تعويض جزء يسير من الخسائر التي لحقت بهم منذ بداية السنة الجارية وبلغت حتى نهاية اسبوع التداول الماضي 2.877 تريليون دولار. وسيتطلب التعويض الكامل لهذه الخسائر الفلكية تحقيق مؤشر "داو جونز" مكاسب تقل قليلاً عن 2000 نقطة وارتفاع مؤشري "ستاندرد اند بورز" بنسبتي 24.6 و 37.5 في المئة على التوالي.