لا يختلف اثنان، خارج أميركا وبريطانيا، على أن "الهدية" التي قدمها الرئيس جورج بوش للفلسطينيين، مفخخة بشرك "خريطة الطريق" السحرية الى السلام والدولة الفلسطينية... ومفخخة خصوصاً لأن "بطل" الحرب لا يصنع سلاماً، فكيف إذا كان يجدد باستمرار شيكاً على بياض للاسرائيليين الذين يقتلون من دون حساب. يكفي أن بوش وهو يبدو ضجراً من حمل أسرار تلك الخريطة، لم يجد بالطبع كلمة لإدانة حكومة شارون، بالأحرى ابداء أي خجل من مؤازرة حكومة تقتل 12 انساناً في 12 ساعة، فيما مفردات تجريم السلطة الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات باتت مملة لكثرة ما رددها مايسترو الإدارة الأميركية على وقع معزوفة "الارهاب". ولن يكون بين العرب من ينخدع بوعود مؤجلة، وأسرار مؤجلة لا تصلح أصلاً لتكون أسراراً أو ألغازاً. فهل هناك من يجهل أن الدولة الفلسطينية التي يفترض أن تولد بحلول عام 2005، لن ترى النور إلا بشروط ذاك الحلف "المقدس" بين حكومة شارون وإدارة أميركية بين أولى أولوياتها عدم ازعاج اسرائيل ولو ببيان يمحى حبره بعد ساعات؟ حتى موشي كاتساف رئيس الدولة العبرية حين يفتح باب "الاختبارات" ل"أبو مازن" ليثبت أهليته كقائد، يصلح لرئاسة الوزارة الفلسطينية - وهذا شرط ليسلم بوش وديعة الخريطة - انما ينضم الى مايسترو ذاك الحلف الذي لا يجد رادعاً ليضع سقفاً أعلى للإذلال! والمطلوب من "أبو مازن" كي "يستحق" سلطته الجديدة، ان يثبت جدارة في اعلان نوايا، على الأقل، لخوض حرب على الانتفاضة وما بقي منها، ومعها قيادة عرفات. لا أحد يحسده على تلك الثقة، ولو كان الثمن شهادة حسن سلوك اميركية - اسرائيلية للفلسطينيين، بأنهم جديرون بالديموقراطية والدولة... المنزوعة السلاح والسيادة والقرار. لا أحد بين العرب يفاجئه كمّ الإذلال الذي يرفع كأسه بوش وشارون، باسم استئصال أعداء السلام والحريات، وضرب الفساد. لا عربي يدهشه ذلك، لأن عصر تزوير الحقائق وسطوة المدافع، والتكفير بالتاريخ، هو السيد. وبعيداً من الاختبار الحقيقي الذي يواجهه "أبو مازن"، خصوصاً محاولة الاسرائيلي نصب فخ بينه وبين عرفات، وصب الزيت على نار معارضته عسكرة الانتفاضة، لجعل رئيس الوزراء الفلسطيني الأول أول عدو لفصائل المعارضة... تأتي "خريطة الطريق" السرية، أشبه بنكتة سوداء، يلجأ اليها بوش كلما تطلبت ذلك أهداف الرموز اليهودية في واشنطن، والحرب الأميركية على العالم... لترويضه على "الحرية". وهي نكتة ساذجة عشية قمة الأرخبيل التي ستحصي الساعات الأخيرة الباقية قبل الحرب على العراق. وقمة الرباعي في ارخبيل الأوزور، أميركية - بريطانية تنضح بأهداف بوش والشقيق المخلص توني بلير، لكنها كذلك اسبانية - برتغالية. وبهذا المعنى، سر الأسرار، تلك الحماسة الاسبانية للحرب، حيث حظوظ مدريد أقوى من نصيب الكاميرون في تقرير مصير العراق! وتشيلي ايضاً ليست مطمئنة الى نيات الرئيس صدام حسين، لكنها سخية كانت في منحه ثلاثة أسابيع، لولا البخل الأميركي الذي اشتهر به الانكليز. وبجردة حساب بسيطة، وخلط أوراق عجيبة، يتضح أن مصير صدام ربما يكون معلقاً على قدرة "أبو مازن" في اجتياز الاختبار... أو أن ترحيل نظام صدام شرط لمنح رئيس الوزراء الفلسطيني تلك الفرصة التي تذكّر بأسوأ عصور الاستعمار... ولكل خريطته. في كلمة بوش قبل يومين، قيل انها نسخة فاشلة لوعد بلفور، مضاف اليها فارق بسيط: ان الفلسطيني فوق أرضه يُفرض عليه تسوّل أرض ودولة، وربما شهادة بانسانيته. ويكفي ذلك للتأكد من أن تلك الإدارة، بصقورها وحمائمها، يهودييها ومسيحييها، لا تعرف شيئاً اسمه التاريخ. وآخر النكات المرّة، على هامش "هدية" بوش المفخخة للفلسطينيين، قبل ضرب العراق، ان العربي لم يعد وحده في العالم متهماً بالعجز والتبعية. في أوروبا أيضاً، شرقاً وغرباً، يتقاسمون التهمتين، كل بحسب الأدوار، والهدايا المفخخة. وهناك عقلاء، بالتبعية.