شواهد على الحاضر الليلُ من العُمق بحيث لا تصلُ الصرخات الى السّطح" الممالكُ الممزّقة تطفو في الداخل على شكل بقايا... صاحبُ المقتلة يبدو كأنّه الضحيّة" الصوتُ لا يعرفُ صداهُ، اليدُ اليمنى تجهلُ يُسراها. هناكَ ما يقدرُ أن يُحيلك الى طينةٍ أو قطعة فحم. هنالك ما يستقطبُ الممالك في بؤبؤيك ولا يتيحُ لك أن ترى الطريق التي ستخلقُ ظلَّ المسافر بعد أن كفّ عن السفَر. هذه هي شواهد الحاضر: إنها إمّا أنجمٌ أو نُذُرٌ تُرعدُ في وجوهنا بالنبوءات: عاصفة ٌ، زلزالٌ، حربٌ، طاعون... الأحقادُ تمتلكُ حتى الحجارة. هناك من يعبّئُ الأجواءً بالخوف بالجنون، بالرّيبة. حيثُ كانت الأسماءُ، في لوحة الشاهد، أساساتٍ لبُنيانٍ سوف يعلو، لا توجدُ اليومَ سوى ذكريات" عمّا انهارَ، وأنتهى، وفات. عن أعمالٍ لم نعد نرى في حاضرنا، شواهدَ عليها. عن ايقاع النهايات. عن وهم القراءة. لا طريق أخرى سوى أن نرجُمَ وجهَ السرّ بالكلمات. سيكونُ من المؤلم أن نترك السطحَ وحدَهُ دون أن نلقي الى الأعماقِ بالحجر. أن نُسلمَ العمقَ للرّغوة. أن نستبدلَ بالنِّسْرِ فأراً. من حقّنا في هذه الأيام النافلة أن نطالب بالسرّ: لحظاتٌ مُترعةٌ بما لن يُعرَف، عرفناها. والأبديّة تعبرُ فينا، ولا ندري. الجبالُ تشيبُ، والوديان تنسى معنى الخضرة. ونحنُ، بين الجبل والوادي، نُطاردُ السرّ في الجّسد العميق، أو وَجُه الحجر. حلم الفراشة الفراشة التي تطيرُ كأنها مقيَّدةٌ بخيطٍ في الجنّة كادت تمسُّ ذقني وأنا جالسٌ في الحديقة أشربُ قهوتي نافضاً من رأسي كوابيسَ الليلة الماضية في الشمس. رأيتها تعبرُ فوق سياج الخشب كأنها حلمٌ أو صلاة، هي التي كانت دودةُ قزٍّ بالأمس سجينةً في شرنقتها الضيّقة.