في بضعة أسطر من كراس صادر عن مكتب الحرير في العام 1974، لا يفعل المكتب غير تعزيز النظرية القائلة بدور وسيط للبنان بين الشرق والغرب، والتنويه بهذا الدور الى حد التقديس، فهو يقول ان الحرير "عرف في لبنان منذ القرن الثالث قبل الميلاد، وكان يرد اليه من الصين عن طريق الحرير عبر بلاد الفرس والعراق، وكان يصبغ في المدن الفينيقية، ويعاد تصديره الى سائر مدن حوض البحر الأبيض المتوسط. وأما تربية دود الحرير فقد عرفها لبنان منذ عهد الامبراطور جوستنيانوس في القرن السابع للميلاد، ثم تطورت صناعة الحرير في ظل حكم الأمير فخر الدين 1580 - 1634... في الجبال اللبناينة". والواقع ان هذه الصناعة ازدهرت في وقت ما في الجبل والساحل على السواء، وربما كان وجود الحرير العابر أقدم بكثير من التاريخ الذي عينه الكراس المذكور، ذلك ان لبنان كان محطة من محطات طريق الحرير التي اخترقت المنطقة العربية ووصلت بين الهندوالصين شرقاً وبين روما غرباً، حين كان حرير الشرق مطلوباً من طبقة النبلاء، ولا سيما النساء اللواتي كن يدفعن في أثمانه الكثير، قبل أن تنتقل صناعته الى الغرب الذي يقر بأنه تعلم من الشرقيين "تربية دود الحرير ونسج الأقمشة الحريرية وصبغها" ألبير نقاش "لبنان: مباحث علمية واجتماعية"، ج1، صفة 301، وطبيعي أن يتعلم لبنان هذه الصناعة قبل الغرب لوقوعه في موقع استراتيجي من أطول طريق تجارية في تاريخ العالم، طريق كان على الدول الكبرى القديمة حمايتها مباشرة، بأساطيلها في البحر المتوسط والبحر الأحمر والمحيط الهندي، علاوة على وجود فيالق مشاتها، واصطناعها الممالك الحليفة كمملكة الغساسنة في الشام ومملكة اللخميين في الحيرة. ذلك تاريخ موغل في القدم، لا يطلعنا على تاريخ ظهور الكرخانات في لبنان، وهي كرخانات كتب لها مع تربية الدود وزراعة التوت ان تكثر وتزدهر لا في صلتها بطريق الحرير، بل في صلتها بتطور الصناعة في أوروبا، وبمصالح الفرنسيين تحديداً، ولا سيما مصالح مصانع الحرير في ليون ومرسيليا. زراعة التوت يتعذَّر الفصل ما بين صناعة الحرير وزراعة أشجار التوت وتربية الدود، فزراعة التوت موغلة في القدم، وكانت منتشرة في لبنان ساحلاً وجبلاً، حتى ان اكثر اشجار مقاطعة ساحل بيروت كان من شجر التوت لبنان: ج 2، ص 44، كما كان أكثر أشجار بيت شباب وهي بلدة حرفية مشهورة من التوت أيضاً، "بقطع النظر عن فائدته الأولية في تربية دود الحرير" أنطوان بيطار: بيت شباب، ص 127، ونشطت زراعته في عكار مثلاً في أيام الأمير فخر الدين المعني الثاني، فقد "نُصِبَ مغراقُها أربعة عشر ألف نصبة، ونُصب بستان آخر أكبر من الأول في أرض الحيصة" فرج زخور "تاريخ عكار"، ص 200، وعلى زراعة هذه المناطق يمكن قياس زراعة سائر المناطق. ثم نشطت زراعة التوت ابتداء من القرن الثامن عشر، وبلغت في العام 1915 "المساحة المزروعة بشجر التوت في عكار حوالى عُشر مساحة القضاء" زخور، ص 201، ثم توسعت في مطلع عهد الانتداب الفرنسية "بتشجيع من الفرنسيين والايطاليين" نفسه، ص 202. غير ان هذه الزراعة بدأت تتراجع إذ "اقتلع بعض الملاكين التوت من أرضهم... في السواحل الخصبة حيث يسهل ري الأرض واستبدال التوت بالليمون وبالنباتات الخضرية. أما في الجبال فالأمر بالعكس نظراً لما هي عليه الأرض من ضعف التربة وقلة الخصب" نقاش، ج 2، ص 117. ويرد ألبير نقاش هذا الانحطاط في زراعة التوت وتربية القز الى "جهالة الزراعيين والمربين" نفسه، فيما كان البعض يعتقد خطأ - كما يقول نقاش - ان زراعة التوت في الجبل "لا بد من تناقصها تدريجاً نظراً لسهولة استبدالها ببعض المغروسات التي تعود على أصحاب الأملاك بربح أوفر" نفسه، ص 114 - 115. ويشير بعض المصادر الى أهمية شجر التوت الاقتصادية أيام المعنيين مثلاً، إذ كان ثمن "حمل ورق التوت عشرة غروش... ورطل الحرير عشرين قرشاً" لبنان، ج 1، ص 186. ويذكر انطوان البيطار ان يوسف بوشبلي في بيت شباب "باع ما هو له وتحت تصرفه، الخواجة فارس طوبيا في 1852، جل توت يحتوي على تسعة أحمال ونصف، بمعرفة المخمِّن حنا بو جهجاه، بمئة وخمسين قرشاً". وربما فسرت هذه الأهمية الغارات التي كانت تُشن على حقول التوت في بعض معارك الجبل في القرون الماضية، ومن شواهد ذلك ما يرويه حسين غضبان أبو شقرا ويوسف خطار أبو شقرا في كتاب "الحركات في لبنان الى عهد المتصرفية"، من أن سعيد بك جنبلاط "لما بلغه من الشركاء أن الحماديين قد أتلفوا أملاكه... بادر بإرسال ستين شاباً من بني أبي شقرا وبني البعيني وأبي كروم الى الرميلة وعلمان مشدداً عليهم الأمر بصيانة أملاكه ووجوب إلقاء النيران في أملاك بني حمادة جزاء لهم على ما فعلوه، فأحرقوا جميع ما يعرف بملكهم في تلك الجهة ما عدا الذي قطعوه وأتلفوه من أشجار التوت والليمون" ص 74. ولا يختلف عن ذلك مصير أكواخ تربية دود الحرير، فراوي "الحركات" ومؤلفه يتحدثان عن رد الدروز هجمات النصارى على الشويفات وانهزام النصارى في اتجاه حارة حريك وبرج البراجنة "والدروز في إثرهم، ولم يردهم عنهم إلا انسدال أستار الظلماء وما ألمَّ بهم من الظمأ في تلك الرمال الحارة. أما سكان البرج فلما أخلى مواطنوهم النصارى بيوتهم أعملوا فيها أيدي النهب والسلب ثم ألقوا في أكواخهم لدود القز النيران فأتلفوها" ص 58. التبزير وتربية الدود أما تبزير دود الحرير وتربيته فقديمان في لبنان أيضاً، وللبنانيين فيهما خبرات تطورت مع اهتمام الأوروبيين بحرير لبنان، ومع إنشاء مكتب الحرير التابع لوزارة الزراعة. ومن طرائقهم التقليدية التي لا يزال بعضهم يعتمدها، ما شاهدناه من تركهم كمية من الفيالج تنضج اليرقات بداخلها، فتخرج منها فراشات بيضاء يتركونها تبيض على قطع من القماش، قبل أن تنفق بعد وقت قصير، ثم يحتفظون بهذه البيوض الى أن يحل موسم التربية، فيعلقون ما في قطع القماش فوق المدافئ، ويتركونها عرضة للدخان، حتى تفقس البزور ديداناً دقيقة سوداء يسارعون الى اطعامها ورق التوت مفروماً قطعاً دقيقة جداً، حتى إذا كبرت أطعموها ورق التوت من دون فرم. وهم خبراء بفترات صوم الدود وفترات شراهته الى التوت، وهم يضبطون ذلك بالأمثال، فيقولون: "ليلة الخمسة كبِّري الكمشة، وليلة الستة إكمشي وحطِّي، وليلة السبعة ما لها شبعة، وليلة الثمانية عجوز ثانية، وليلة التسعة راح صاحبي يسعى أي في بيع الشرانق، وليلة العشرة أكلتها فشرة قليلة، وعشِّرْ ودشِّرْ. وعندما تطلع على الشيح يقولون: شيِّح واقبر مرتك وتنيَّح" لبنان، ج 1، ص 195. وأما مواسم التربية فمضبوطة عندهم بالأمثال أيضاً، فهم يقولون: "شيلي من آذار مارس وشيلي من نيسان ابريل لقزِّ الساحل. وفي عيد البشارة 25 آذار: بزركم يا بزَّارة. وعيد البشارة إن كان في غيم دوِّر الكارة ما بيطلع القز ولا شكارة... ونوَّار شرنقة ومشمشة وشك تين، وعشرة في نوار قزَّة وسنبلة وزر خيار" نفسه. وفي المصادر أن البزر الذي كان شائعاً في لبنان هو البزر البلدي، و"كان لونه أصفر مائلاً الى الحمرة أي برتقالي... وأفضله الشوفي المربَّى في عين كسور"، وهذا "انقرض بعد سنة 1860، قبل اكتشاف الفحص المجهري" لبنان، ج 1، ص 193، كما انقرضت أنواع أخرى كانت الى جانبه، ومنها "البزر الهنديوالصيني والقبرصي والقرين...، وجاء بعدها الكريتي والكرسكي"، وقد حفظت في وقت لاحق باعتماد الفحص بطريقة بستور، "وأول من أدخله الى لبنان الياس الشقماطي من عين طورة الزوق نحو سنة 1879". ثم درجوا على تقدير كمية الدود والفيالج ب"العلبة"، واختلفت المصادر في تقدير الانتاج، فألبير نقاش يستغرب "أن معدل كمية الشرانق التي تحصل في بلادنا من علبة بزر هي أقل الحاصلات المعروفة، هذا على رغم اعتدال الطقس وموافقته لطبيعة القز" لبنان، ج 2، ص 117. وللدكتور فرج زخور رأي في هذا التقدير المتدني لكمية الفيالج في العلبة الواحدة، وهو يرجعه الى "تهرُّب الأهالي من تقدير انتاجهم بشكل صحيح تهرباً من ضريبة أعشار الحرير" زخور، ص 202، ويقارن ذلك بإعفاء بزور دود الحرير في فرنسا من الرسوم نفسه. وتأكيداً لرأيه ينقل زخور عن التميمي وبهجت أن أهالي عكار كانوا يربون في السنة ستة آلاف علبة من بزر الحرير، وأن الكمية السنوية المقدَّرة كانت ثمانية عشر ألف كيلوغرام من الفيالج "أي بمعدل ثلاثة كلغ من الشرانق للعلبة الواحدة"، وهذا رقم "لا يتناسب مطلقاً مع الواقع"، بدليل ما قرأه في كتاب "لبنان: مباحث علمية واجتماعية" من أن "علبة البزر كانت تعطي من عشرين الى ثلاثين كلغ من الشرانق، أو ربما من خمسة عشر الى عشرين كلغ" زخور، ص 201 - 202. والتشييح مرحلة نهائية في عملية تربية الدود، قبل عملية حل الحرير من الفيالج، والتشييح صعود الدودة الى أغصان الصنوبر وقد قطعت ووضعت على أطراف أطباق تربية الدود، وعليها ينسج الدود خيوطه فيالج يفترض قطفها وتخنيق اليرقات بداخلها قبل خروج الفراشات، لأن ذلك من شأنه قطع خيط الفيلجة وجعله آلافاً من الخيوط القصيرة التي لا تنفع في الغزل. وللبنانيين عادات ارتبطت بالتشييح، على ما تقول المصادر، ومن أغرب ذلك "أنهم عندما يشيحون القز لتنسج فيالجها شرانقها يمتنعون عن طبخ السوائل لئلا تكون الشرانق رخوة. والرجال تمتنع عن حلق لحاها لئلا يقع الدود ولا ينسج. ويمتنعون عن تحميص البن وغيره" لبنان، ج 1، ص 195. الكرخانات المعامل وسبقت ظهور الكرخانات طريقة "الحل العربي" للفيالج، وتخنيقها قبل ذلك بأسلوب تقليدي غير آلي، فهم كانوا "يحلون الشرانق الفيالج على الدولاب العربي بأيديهم ولا سيما في كسروان أخصها عين طورة الزوق"، وكان "كل من يقطف شرانقه يخنقها بالشمس ويحلها بيده أو باستئجار من هو بارع بذلك" لبنان، ج1، ص 193، وج2، ص 68 - 69، ثم عرفوا التخنيق ب"الخلقين". ولا تحدثنا المصادر عن صناعة مزدهرة في لبنان قبل اهتمام الفرنسيين، وربما كان الانتاج يذهب الى دمشق حيث اخترع أحد الدمشقيين نسيج "الديما"، وهو صناعة انتقلت الى بعض قرى لبنان في ما بعد، مثل برجا والزوق، فكان طبيعياً أن يلبي المربون حاجتها الى الفيالج التي ربما تم بيعها "مقايضة بالحلوى" لبنان، ج1، ص 185. ويقدم سليم الأصفر في العام 1914، وصفاً نادراً لما كانت عليه أساليب حل الحرير قبل ظهور المعامل: فقد كانت الفيالج تحل على الطريقة القديمة المسماة الحل العربي... فكان الحلاَّل ينصب وقت الموسم في محل من القرية بالقرب من العين غالباً خيمة يبني تحتها موقدة يركب عليها خلقيناً من النحاس، ويعرف موضع الحل هذا "بالحلالة" فيضع الشرانق في الخلقين تباعاً كما ترده وكما هي بدمها أي من غير أن تنقى وتطرح على دولاب كبير قطره ثلاثة أمتار ويحرك بالرجل، وعند انقطاع طاق الحرير كان الحلال يحرك الشرانق بواسطة قضيب رفيع ويأخذ الطاق ويعلقه على الدولاب من غير وصل فكان الحرير يحصل هكذا من دون عيار ذي طاق خشن وغير منسوب. وهذا الحرير المسمى "البلدي" كان على ما هو عليه كافياً لحاجات صناعة البلاد. والكمية القليلة الزائدة كانت تصدر الى الخارج، إنما الأسواق الأوروبية لم تكن ترغبه. وكانوا يخنقون في الشمس الشرانق التي يتأخر حلها. وكانوا أحياناً ينقون الشرانق الواردة فينقون منها الموَّاتة والبغلية والضعيفة ويحلون ما بقي على الدولاب العربي نفسه، لكن مع زيادة اعتناء، اذا انهم كانوا ينقونها ما أمكن من النمش والجلط. ثم قلّ عدد الحلالات في الجبل منذ انتشار معامل الحل الأوروبية، وأخذ يتناقص عددها سنة بعد سنة. وما لزم الآن مطلع القرن العشرين من الحرير البلدي أو من الحرير الاسكندراني للصناعة الوطنية يحله أصحاب الكراخين في معاملهم حيث أفرزوا له محلات يستحضرونه فيها من نفايات شرانقهم. انهم يستعملون أحياناً من أجود الشرانق أيضاً للحرير الاسكندراني ليحصلوا على حرير ناعم جيد تقبل عليه الأنوال السورية، وكان يرسل منه كمية الى بر مصر قبل أن تضع عليه حكومة تلك البلاد ضريبة فتناقص الصادر كثيراً" لبنان، ج 2، ص 68 - 69. وظاهر ان طريقة الحل القديمة كانت، الى جانب زراعة التوت وتربية الدود جزءاً من اقتصاد منزلي ضيق. ثم ظهر أول معمل للحرير يستخدم الآلات ويضم الأيدي العاملة المأجورة التي لا تملك آلاتها، في العام 1841، وأسسه في بتاتر الشوف بروسيبر برطاليس، وظهر بعده بقليل معمل ثان في عين حمادة وأسسه مورك دلك، ثم كثرت المعامل بعد ذلك حتى بلغت "نحو 175 معملاً، وعدد دواليبها نحو 11284 دولاباً" لبنان، ج 1، ص 193، إلا أنها كانت حتى ذلك الوقت أدنى مستوى من معامل أوروبا، فمصنوعات هذه المعامل "التي يطلق عليها اسم الكراخين لا تقارب المصنوعات الأوروبية". غير أن التفاوت في مستويات الحرير اللبناني والحرير الأوروبي تظهره مقارنة اخرى بين حرير انتجه اللبنانيون وحرير انتجه الأوروبيون في لبنان، فألبير نقاش الذي تحدث عن مستويات ثلاثة للحرير الحرير الممتاز، والجنس الأول، والجنس الثاني، قال: "إن اثنين في المئة فقط من معامل الجبل تحل الحرير الممتاز وهي تخص بعض الفرنساويين وثلاثة عشر في المئة تحل من الجنس الأول وخمسة وثمانين بالمئة من الجنس الثاني. فنرى المعامل الإفرنسية بكاملها تقريباً تحل الحرير الممتاز"، وهذا ما يفسر تفاوت أسعار الحرير، وتفاوت المداخيل، تفاوتاً يؤكد حقيقة أن انتاج الحرير في لبنان كان تلبية لحاجات الأوروبيين، وإن نتج عن ذلك ظهور عدد من الوسطاء اللبنانيين الذين حققوا ثراء. والى ذلك يشير زخور في كتابه "تاريخ عكار"، إذ تطورت بعض الصناعات في عكار "تلبية لحاجات الصناعة الأوروبية، كصناعة الحرير التي ساهمت في خلق طبقة بورجوازية في عكار" ص 200، ولم يكن الأوروبيون يكتفون بحرير تلك المنطقة، فقد "كان التجار الفرنسيون والانكليز ينزلون في ميناء اللاذقية لشراء الشرانق المنتجة في مناطق عكار والضنية والكورة والزاوية" نفسه. وما أشبه تلك المرحلة بمرحلة سبقت، وكان هذا دأب التجار الأوروبيين في عهد المعنيين، إذ "كثر قدوم التجار البنادقة واليونان الى سورياولبنان، واشتغلوا بالحرير وحاصلات البلاد" لبنان، ج 1، ص 186. كان مقدَّراً لصناعة الحرير في لبنان أن تتقهقر، لا بفعل الأزمات الاقتصادية العالمية وحدها، بل وأيضاً نتيجة منافسة اللبنانيين من قِبَل الأوروبيين في لبنان، حتى صارت "حالة أصحاب معامل الحل أشدَّ خطراً وأدعى الى القلق من حالة المربين" كما يقول نقاش لبنان، ج2، ص 118، وأقفل بعض أصحاب المعامل معاملهم وصرفوا عمالهم "عندما رأوا أن شغلهم لا يعود عليهم سوى بالتعب"، وقد "كان يوجد في الجبل تسعة آلاف خلقين يقدر أنها تحل ستة ملايين كيلو، ويشتغل عليها ستة آلاف عامل، فلم يبق سوى خمسة آلاف خلقين يقدر أنها تحل ثلاثة ملايين كيلو ويشتغل عليها ستة آلاف عامل فقط وقسم كبير من شرانق البلاد يصدر الى أوروبا"، وهنا بيت القصيد، فلو كانت في البلاد معامل وطنية لنسج الحرير لاحتفظت هذه الصناعة بموقع لها، ولظل كثير من اللبنانيين على اهتمامهم بزراعة التوت وتربية الدود، ولكن الباقي من الكرخانات المتداعية يشهد على أن ازدهار صناعة الحرير كان موقتاً، ظرفياً كما سمَّاه بعض الباحثين. فلا نبكين على ذهاب صناعة لم تتوافر لها شروط البقاء. وربما كان على اللبنانيين، مسؤولين ومواطنين، أن يصرفوا بعض الهمِّ الى هذه الكراخين الباقية، وأن يتعهدوها بالحماية والترميم، وأن يسلكوها في الآثار.