سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الرئيس السابق لأركان الجيش العراقي فتح ل"الحياة" دفاتر الحاضر والماضي . الخزرجي : ابتهج صدام بإعلان الخميني تجرعه السم وقبوله وقف النار استخدام السلاح الكيماوي كان متبادلاً وضحايانا بلغت 125 ألف عسكري 4
في 14-7-1987 تلقى الفريق أول ركن نزار الخزرجي قائد أحد الفيالق اتصال ينبئه بتعيينه رئيساً لأركان الجيش. ولم تكن المهمة سهلة. أجزاء من الأرض العراقية ترزح تحت الاحتلال الايراني. الخسائر البشرية مرتفعة والموارد مهددة بالنضوب. الجيش العراقي يخوض معارك دفاعية على أرضه والحرب تنذر بالامتداد سنوات جديدة. بعد أربعة أيام من التعيين استقبل الرئيس صدام حسين الرئيس الجديد للأركان الذي أدار بمهارة مجموعة من المعارك الصعبة. ذكره الخزرجي بدراسة أعدها في 1983 تقترح اعتماد استراتيجية تعرضية، أي الانتقال من الدفاع الى الهجوم. وقال انه يحتاج الى سنة لإنهاء الحرب بنصر عراقي بعد اعادة تأهيل الجيش بموجب الاستراتيجية الجديدة. لهذا السبب ترتدي شهادة الخزرجي عن إنهاء الحرب العراقية - الايرانية أهمية استثنائية، فكل معارك دفع القوات الايرانية الى خارج الأراضي العراقية تمت في عهده في رئاسة الأركان. وهنا نص الحلقة الرابعة: ما هي أهمية معركة الفاو؟ تنبع أهمية الفاو من كونها تمثل خنجراً هائلاً في خاصرة العراق، فاحتلالها قطع العراق عن منطقة الخليج العربي ومثل تهديداً للدول التي تساندنا، مثل الكويت والسعودية وغيرهما. وكان من الضروري البدء بعملياتنا التعرضية في هذا القاطع الذي نجحنا في تحريره خلال 48 ساعة. من وضع خطة تحرير الفاو؟ - وضع خطة تحرير الفاو رئيس أركان الجيش الذي تقع تحت امرته تقليدياً القوات المسلحة من القوة الجوية والبحرية والاستخبارات، إلا أنه بعد مجيء صدام حسين ارتبطت القوة الجوية به مباشرة، وهكذا الحال مع البحرية والاستخبارات والتوجيه السياسي والحرس الجمهوري والتصنيع العسكري، بمعنى أن رئاسة أركان الجيش كانت تعني عملياً قيادة الفيالق الأرضية. الخطة الأرضية أتت من عندنا فيما كنا نسمع عن تحرك القوة الجوية وأسلحة الدمار الشامل وما ترتب عليها من حرب المدن من الراديو، وهكذا الحال حتى مع الغارات الجوية. هذا يعني انكم لا تتولون التنسيق بين مختلف الأسلحة؟ - هذا صحيح، فقد كان كل شيء محصوراً بالقيادة العامة، أما رئيس الأركان فهو القائد الفعلي للجيوش البرية ولم تكن له سلطة فعلية على القوة الجوية مثلاً أو البحرية وهكذا... إذاً تغيرت الأمور بعد مجيء صدام حسين؟ - نعم. إنها بالنسبة إليه قضية أمنية. لا يريد لأحد أن يعرف عن كل أسلحة الجيش ويضعها تحت يد واحدة، وكان هذا الاسلوب وراء الخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي تكبدناها في الحرب. أما ما يتعلق بالخطط الجوية والبحرية والصاروخية فقد كانت توضع وتنفذ من قبل القيادة العامة، ومن دون التنسيق معنا أو علمنا. وكان واجبي يدور حول تحرير الأرض ووضع الخطط للفيالق من أجل التحرك وازاحة القوات الأرضية الإيرانية من تلك المنطقة. هذا يعني أن صدام حسين كان يتصرف كجنرال عبر تعاطيه في كل هذه المسائل؟ - نعم، يطلب خططاً من القوات البرية والجوية والبحرية والصواريخ...، ولديه هيئة أركان وعبر جمع كل هذه الخطط يبلور خطة شاملة. كيف جرى تبليغك بساعة الصفر؟ - لا هذه موجودة في الخطط، إلا إذا كانت لا تتلاءم مع الطقس مثلاً، وهذا ما جرى في تحرير الفاو. كان نائب القائد العام وزير الدفاع الفريق أول ركن عدنان خيرالله موجوداً في تحرير الفاو، ما هو دوره؟ - لم يكن له دور كبير، بل بالعكس إذ سلب جزء من دوره عبر حدوث أشياء من دون علمه، ومثلما ذكرت كنا نسمع ضربات الصواريخ والغارات من الراديو. الشخص الذي كان يعرف كل شيء هو شخص وحيد إذن؟ - هو القائد العام وهو المسؤول عن إدارة الحرب. بعد معركة الفاو جرت ست معارك، تحرير الشلامجة شرق البصرة بعد شهر، وجزيرة مجنون الغنية بالنفط، ومنطقة الطيب الزبيدات شرق العمارة، وسانوية كيلان غرب شرقي خانقين، ثم كانت الفيالق الشمالية تتحرك في منطقة حاج عمران وماو وجوارته، يعني في 8/8/1988 استطعنا أن ندحر الإيرانيين ونخرجهم خارج الحدود العراقية ولمسافات بعيدة، وهو ما جعل الخميني يوافق على وقف النار، وهكذا توقفت الحرب. هل يعني هذا هزيمة للجيش الإيراني؟ - دحر الجيش الإيراني اندحاراً كبيراً. ولعلك تذكر أن الخميني صرح وقتها انه يفضل تجرع السم على التوقيع على وقف النار، لكنه اضطر إلى الموافقة. هل كانت هناك خبرات أجنبية في معركة تحرير مدينة الفاو؟ - اطلاقاً وكل ما يقال كذب وعارٍ من الصحة؟ يعني لم يكن معكم خبير سوفياتي؟ - اطلاقاً... اطلاقاً. ولا حتى خبير عربي؟ - أبداً. لقد تحررت الفاو من دون علم بعض أعضاء القيادة. نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عزة إبراهيم سمع الخبر من الإذاعة، فصدام حسين عندما يقوم بعمل يكلف كل جهة على حدة بواجبها ولا يخبر الآخرين. ماذا عن استخدام السلاح الكيماوي في هذه الحرب؟ - استخدمه الطرفان وهذه حقيقة لا يمكن انكارها. إيران استخدمته بشكل بدائي. استخدام العراق له جاء أكثر تطوراً وعبر ضربات صاروخية وهجمات جوية في العمق. ومعروف أن الأمر باستخدام السلاح الكيماوي من صلاحية القائد العام وهو صدام. هناك من يقول إن الولاياتالمتحدة ساعدتكم في تحرير مدينة الفاو، عن طريق تزويدكم صوراً من الأقمار الاصطناعية عبر سفارتها في بيروت؟ - هذا الكلام قرأته وكتب عنه اللواء الركن وفيق السامرائي. وتحدث عن تعاون استخباراتي بينهم وبين الاستخبارات الأميركية، وفوجئت بذلك لكوني لم أعرف في حينه. الاستخبارات العسكرية كانت مرتبطة بصدام حسين، وكانت تزودنا بالمعلومات فقط. بمعنى انني لا استطيع اصدار أمر إلى مدير الاستخبارات وأطلب منه معلومات. ما حدث أن أي دولة تدخل الحرب تحاول الحصول من دول على معلومات وما اتذكره أن الفرنسيين والأميركيين كانوا يزودوننا المعلومات، وكانت هذه أيضاً مهمة الملحقين العسكريين في الخارج. واعتقد ان الجانب الإيراني كان يقوم بالعمل نفسه. لقد كانت القوة الجوية تعتمد على طائرات "ميغ 25" و"اف 1 ميراج" اللتين لهما قدرة هائلة على التقاط الصور. واذكر أن الصور الجوية التي كنا نتسلمها كانت تبين حتى الخنادق وما فيها. أما الصور الجوية في العمق، فأعتقد أن الأقمار الاصطناعية كانت تزودنا بها. في تقديري ان كل دولة تحارب تحاول الحصول على مثل هذه المعلومات سواء عبر المال أو عبر علاقات صداقة متميزة. هناك مبالغات كبيرة ولم تأتنا مساعدات كوننا لا نمتلك السلاح الأميركي ولا السلاح الغربي عموماً، وسلاحنا اقتصر تقريباً على السلاح الروسي وبعض الأسلحة الفنية السويسرية ومن بعض دول أوروبا. سمعت إذاً عن صور جوية جاءت من الفرنسيين والأميركيين؟ - نعم، سمعت. ولكن كانت تتعلق بالأعماق البعيدة. أما بالنسبة إلى الجبهة وبعمق 50-80 كلم كانت طائراتنا هي التي تقدم الصور والمعلومات، وهو ما يهمنا دون التقليل من المعلومات والصور المتعلقة بالعمق الإيراني لأنها مهمة في توجيه الصواريخ البعيدة وتحديد الضربات الجوية. ما هو العنصر الذي حسم الحرب بين العراقوإيران؟ - الاستخدام الصحيح لقدرات الجيش والقوات المسلحة. لقد كان بالإمكان انهاء الحرب خلال أيام لو استفيد من إمكانات الجيش منذ البداية، ولذلك اعتبر انني ساهمت في انقاذ مئات الآلاف من العراقيينوالإيرانيين وتقليل الخسائر، كنت رئيساً لأركان الجيش، كم كانت خسائر الجيش العراقي؟ - خسائر الجيش العراقي بحدود 125 ألف شهيد، إضافة إلى 80 ألف أسير ومفقود. وما هو بتقديرك حجم الخسائر الإيرانية؟ - اعتقد أنها أكثر، إلا انني لا استطيع أن أعطي رقماً. وهل كان هناك ضباط كبار بين القتلى؟ - كانت خسائرنا في الضباط كثيرة، لأنهم كانوا دائماً في الخطوط الأمامية. كم كان عددهم؟ - لا استطيع اعطاء رقم، لكنني أقول إن نسبة خسائرنا كانت كبيرة مقارنة مع الجيوش الأخرى. كان من المحتمل أن تنهار الجبهة العراقية بعدما مررنا في ظروف صعبة في العام 1983 في الفاو وفي عام 1985 في معارك شرق العمارة ومعارك الحصاد الأكبر وجوارته في مناطق الفيلق الأول. ما هي المساعدات العربية التي تلقاها العراق؟ - لم يتلق العراق مساعدات عسكرية من أي دولة عربية. واذكر اننا أخذنا مئة دبابة روسية الصنع من طراز "ت 55" و"ت 54" من مصر مقابل ثمن. وجاءنا من اليمن عدد من الألوية العسكرية كانت غير مدربة بشكل كافٍ وكان علينا تدريبها، وكنا نخشى أن نضعها في الجبهات الأمامية خوفاً من وقوعها في الأسر. جاءنا لواء من السودان، وخلال فترة التدريب حدثت أزمات داخلية مما جعل السودانيين يسحبونه. وهل ساهم الأردن بشيء؟ - ارسل الأردن متطوعين شكلنا منهم لواء وبعد التدريب وضعناهم في مناطق خلفية. والمساعدات من دول الخليج؟ - ساعدت دول الخليج بالمال، وكانت الأسلحة تمر عبر أراضيها. ما هو حجم الفيلق؟ - الفيلق تنظيم مرن، يضم في ملاكه الأساسي ثلاث أو أربع فرق وعندما تحدث حرب تلتحق به فرق أخرى من المقر العام أو من الفيالق الأخرى، بمعنى أن الفيلق يمكن أن يدير معركة من 10 إلى 12 فرقة. وما هو العدد؟ - قد يصل إلى 150 ألف شخص. "تصدير الثورة" ما هو السبب في اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية، هل تعتقد أن النظام العراقي كان خائفاً من الثورة الإيرانية وبادر بالحرب؟ - أود القول ان العراقوإيران وعلى مدى التاريخ كانت بينهما صراعات كبيرة تمتد إلى نشوء الدولة العراقية، وكانت تدور حول الحدود المائية وبالتحديد شط العرب والحدود البرية. وفي زمن الشاه كانت هناك أزمات كبيرة بين البلدين، لكن الفترة الوحيدة التي تخللها الهدوء كانت فترة حلف بغداد الذي ضم إيرانوالعراق وباكستان وتركيا إضافة إلى بريطانيا. وعندما سقط هذا الحلف عادت المواقف المتوترة بين البلدين. وعندما قامت الثورة الإسلامية وبدأ مدها الشيعي المؤمن بتصدير مفاهيمها وبما أن نسبة الشيعة في العراق كانت عالية توترت العلاقات. أنا اعتقد أن صدام حسين وصل إلى قناعة مفادها أن إيران أصبحت ضعيفة عسكرياً بعد سقوط الشاه وان جيشها انهار بعد إعدام قادته، فقرر مواجهة حلم تصدير الثورة إلى العراق، خصوصاً بعد التأييد الذي حظيت به في بعض الأوساط الشيعية. ثم أن الغرب والاتحاد السوفياتي تخوفا أيضاً من قرار إيران تصدير الثورة، لأن زخم تلك الثورة بدأ هائلاً وحتى الاتحاد السوفياتي خشي من تأثيراتها على الجمهوريات الإسلامية الآسيوية. أما أميركا فقد استفزتها الثورة منذ أيامها الأولى وتتذكر جيداً قضية الرهائن. لذا اعتقد صدام أنه سيحصل على تأييد العالم، خصوصاً العالم الغربي، إذا ما ضرب الثورة الإيرانية وكبح جماحها واعتقد أيضاً أنه لا يدافع فقط عن العراق، بل أيضاً عن منطقة الخليج بكاملها، وهي كانت تعتبر رخوة آنذاك. كان يعتقد أنه البطل، وأن على كل رئيس وزعيم وقائد استثنائي أن يخوض سلسلة من الحروب، وكان يضع في ذهنه صورة صلاح الدين. كان يعتقد أن في العراق إمكانات وقدرات وثروات هائلة تمكنه من لعب دور أكبر من المرسوم له، وكانت عقدة عبدالناصر موجودة أيضاً، فقد اراد أن يكون البديل وأن يلعب دوراً أكبر مما لعبه جمال عبدالناصر. هل لاحظتم تعاطفاً مع أفكار الخميني في صفوف العسكريين الشيعة؟ - كان هناك تيار كبير يؤيد الثورة الإيرانية على الصعيدين المدني والعسكري، وهذا جعل الحكومة العراقية تطارد المؤيدين وتعتقل الناشطين في تنظيمات حزب "الدعوة" الذي مثل التيار الشيعي المعارض. جرت معارك كبيرة بين قوى الأمن وتنظيمات هذا الحزب، ودفع العراقيون خسائر كبيرة من الطرفين. كنت قائداً لفرقة عندما بدأت الحرب في 22/9/1980، هل كان لديكم شعور أن الحرب وشيكة؟ - قبل الحرب بثلاثة أشهر، استدعيت مع قائد الفيلق الأول وقادة الفرق الأخرى إلى بغداد للقاء وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش وكانت الغاية تدارس نواقص الفيلق الأول. كان قائد الفيلق الأول آنذاك الفريق محمد فتحي، ودار الكلام حول إعادة تدريب قطعات الفيلق، وكنا حينها مشغولين بحرب العصابات في الشمال ضد الحركة الكردية. وكان المطلوب إعادة التدريب استعداداً لحرب نظامية وأن يتم التأهيل في غضون شهرين. كنت أتوقع أن يتكلم قائد الفرقة، إلا أنه سكت تماماً، ما جعلني أن أطلب الكلام. وقلت إن ما عرض وما طلبتموه هو توكيد لاتجاه نحو حرب نظامية، وأننا ننتشر في الشمال بين قصبات وجبال ومعظم أسلحتنا في المخازن الثقيلة وكل هذا يعني اننا غير مؤهلين لخوض حرب نظامية، وإذا كانت هناك نية لخوض هذه الحرب فيجب منحنا مهلة لا تقل عن سنتين، لإعادة تدريب الوحدات. إلا أن وزير الدفاع رفض وقال إن أمامكم شهرين لتجهيز أوضاعكم. كانت الاشارة واضحة وهي الاتجاه إلى خوض حرب نظامية ضد أحد الجيران، وكانت إيران هي المرشحة أكثر من تركيا. وتخوفت يومها أن ينهار الجيش العراقي لعدم جهوزيته. ماذا كان شعور الجيش العراقي عندما اندلعت الحرب في 22/9/1980؟ - عندما يحدث أي صراع عسكري لا يمكن للعسكري أن لا يلعب دوره. وهذا لا يعني اننا كنا مقتنعين بأسباب الحرب، لكن مهمتنا كانت الحفاظ على البلد واداء واجبنا بأحسن ما يمكن، وهذه مهنتنا. في تقديرك من هو الشخص الذي كان يعرف بقرار الحرب؟ - اعتقد القائد العام ونائبه ورئاسة الأركان. رئيس الأركان؟ - على رغم أن وزير الدفاع كان يدير الحوار، إلا أن الفريق أول عبدالجبار شنشل كان المتحدث الرئيسي، وكان حينها رئيساً للأركان. ما هي أكبر معركة سقط فيها ضحايا؟ - اعتقد معركة الفاو. اذكر أن هناك لوحة على طريق الفاو تشير إلى أن معركة الفاو كلفت منذ سقوط المنطقة حتى تحريرها 54 ألف شخص بين شهيد وجريح ومفقود. وهل كان كل سلاحكم سوفياتياً؟ - نعم، بحدود 95 في المئة. كيف كان موقف الاتحاد السوفياتي من الحرب؟ - في بداية الحرب أوقف الاتحاد السوفياتي شحنة أسلحة لنا. وحتى كانت هناك سفن وصلت إلى ميناء البصرة من دون أن تفرغ حمولتها أوعز لها بالعودة. وهذا ما دفع النظام العراقي إلى شراء الأسلحة من السوق السوداء. إلا أنهم أعادوا النظر في هذا القرار وبدأوا تزويدنا أسلحة عندما انسحب العراق إلى حدوده الدولية في العام 1982 وقبل وقف النار. ما هي الدول؟ - أوروبا الشرقية وعبر وسطاء، وكان مدير الاستخبارات آنذاك برزان التكريتي هو الوسيط الكبير وكانت الصفقات كبيرة. وهل استمر الاتحاد السوفياتي تزويدكم بالأسلحة؟ - نعم، وبدأنا نأخذ من الصين أيضاً. ما هي مصادر الصواريخ؟ - الصواريخ كانت تأتينا أصلاً من الاتحاد السوفياتي ثم بدأ التصنيع العسكري يعمل على تطوير بعض هذه الصواريخ. بمعنى ان العراق بدأ ينتج الصواريخ؟ - لا استطيع الجزم بانتاج كامل، فالتصنيع العسكري كان مرتبطاً بالقائد العام وكان حسين كامل الذي قُتل لاحقاً مسؤولاً عنه. وكان من غير المسموح للجيش ولقادته الاقتراب من هذا الموضوع، أو التساؤل حول عمل هيئة التصنيع العسكري. ماذا فعل صدام حسين عندما تقدم الإيرانيون داخل الأرض العراقية؟ - قرر أن يقاتل إلى آخر جندي عراقي. اسوار القصر هذا ما بلغكم به؟ - تكلم في مناسبات عدة وقال سنقاتل حتى ولو وصل الإيرانيون أسوار القصر الجمهوري. كانت المواجهة بين رجلين عنيدين، أحدهما مقيم في إيران واسمه الخميني، والآخر في العراق واسمه صدام حسين. هذا يعني أن صدام لا يقبل الهزيمة حتى ولو دخلوا بغداد؟ - الحقيقة أن صدام وافق مرات عدة على ايقاف الحرب واحدة منها بعد ثمانية أيام من دخول الجيش العراقي الأراضي الإيرانية واثر وساطة من منظمة المؤتمر الإسلامي ومن دول أخرى طالبت بوقف الحرب. وقد كان العراق دائماً يقبل بمثل هذه الوساطات، إلا أن الخميني لم يوافق عليها. ومزق صدام اتفاق الجزائر؟ - التمزيق كان متبادلاً من الطرفين. رفض الإيرانيون قسماً من شروط صدام، فاعتبر ذلك انهاء لذلك الاتفاق، ما جعله يمزقه ويلغيه. كيف ترى شخصية صدام؟ - يحاول أن يسمع كثيراً ويستفيد مما يسمعه ثم يعيد صوغه. اعطيك مثلاً فقد التقيته وحدثته عن بعض الأفكار والخطط، وبعد أيام أعاد ما قلته أمام قادة عسكريين آخرين. بمعنى آخر كان يشتري مني ثم يبيعه عليّ أمام الآخرين، كي يشعر الآخرون أنه صاحب هذه الأفكار. ما هو اسلوب صدام حسين، القسوة؟ - أثناء الحرب كان حاسماً وأمن كل متطلبات الجيش العراقي ووضع في تصرفه كل موارد العراق. هل هو شجاع؟ - كانت قراراته توحي بالشجاعة والقسوة. هل كان يزور الجبهة؟ - كان يزور المقرات ويطلب الذهاب إلى المواقع الأمامية، وكان القادة يحرصون على عدم وصوله إلى مناطق خطرة جداً. هل زارك في الجبهة؟ - جاء أكثر من مرة. على أية جبهة؟ - في القاطع الأوسط شرق خانقين جاءني مرتين، وطلب مني الذهاب إلى الخطوط الأمامية، إلا أنني اوصلته إلى القطعات الخلفية وقلت إنها قطعات أمامية، لأنني كنت تحت مسؤولية أن يُقتل. وهل كان عدنان خيرالله شجاعاً؟ - نعم كان شجاعاً ومتفهماً، إلا أنه لم يكن صاحب القرار. من هم أبرز القادة العسكريين خلال الحرب العراقية - الإيرانية؟ - برز كثيرون وأجادوا في إدارة معارك ناجحة وفشل آخرون في مهماتهم، إلا أننا في آخر الأمر حسمنا أمر الحرب. هل اعدم صدام قادة عسكريين؟ - نعم بسبب ما اعتبره عدم تأدية واجبهم بالشكل المطلوب، وليس بسبب الخيانة أو التخاذل. وهل أثرت الإعدامات على معنويات الجيش العراقي؟ - تؤثر بالتأكيد ولكن الحرب حرب ولا مجال للتراخي. كيف يُعدم قائد، ومن يأخذ القرار بإعدامه؟ - هذه القضية لا نعرفها، فمثلاً بعد سقوط المحمرة اعدم قائد الفيلق وقادة الفرق ومنهم الفريق صلاح القاضي قائد الفيلق الثالث، ويقال إنه جادل صدام والقيادة بسبب تدخلاتهم في عمله وإدارته لمسرح العمليات، مما حمل الفيلق خسارات كبيرة، ومثل هذا الجدل تعتبره القيادة نوعاً من التحدي. عندما يذهب القادة العسكريون للاجتماع بصدام لا يدخلون بمسدساتهم؟ - نعم هذا صحيح. وصدام يحتفظ بمسدسه؟ - نعم. في أي حال القادة العسكريون لا يحملون عادة مسدسات معهم. أنا لم أحمل المسدس نهائياً. فواجب القائد لا يختصر بحمل مسدس. كيف استقبلتم قرار وقف النار؟ - احتفلنا وابتهجنا كثيراً لكون الأراضي العراقية حررت بأكملها وتوغلنا في الحدود الإيرانية إلى مسافة 2-3 كلم بسبب فقدان اشارات الحدود القديمة وحتى لا نترك مجالاً للخطأ، وقد أبلغت القيادة بذلك. هل اخبرته عن طريق التلفون؟ - لا، كنا سوية وبعدها تركته وأصدر بيانه الشهير. ابتهج لحظة إقرار الخميني بهزيمته، وقال إن الله أراد أن يسمع العالم وشعبنا ان الخميني الذي قال إنه كان يفضل تجرع السم اضطر إلى الموافقة على وقف النار. هل كان كره صدام للخميني شخصياً؟ - أكيد، وأعتقد أن الشعور كان متبادلاً. مزاجا الرجلين كانا على طرفي نقيض. والعناد جزء من شخصيتهما. يجب ألا ننسى أن الخميني كان في العراق وابعد. بموجب اتفاق الجزائر بين صدام وشاه إيران في 1975 تعهد كل من البلدين بالامتناع عن دعم المعارضين لنظام البلد الآخر. راح الخميني يوزع بيانات وكاسيتات ضد الشاه داخل العراق. ارسلت إليه السلطات وفداً وشرحت له التزامات 1975 وطلبت منه إما التقيد وإما مغادرة العراق. الخميني اعتبر الخطوة ضربة كبيرة. أنا أعتقد أن العداء الشخصي بين الخميني وصدام كان من أسباب اندلاع الحرب واستمرارها لأمد طويل. كان هناك كره متبادل. كان شامتاً بهزيمة إيران؟ - أكيد، إلا أن شخصية صدام حسين تغيرت تغيراً هائلاً من هذه اللحظة، فقد أصبح المنتصر والمتبجح والمغرور الذي يعتقد نفسه شبه إله وراح يبتعد عن الآخرين. اسلوبه غريب. يحتضنك عندما يحتاجك وعندما تنتهي الحاجة يرميك، وهذا ما حدث معي بالفعل بعدما أصبحت لي سمعة كبيرة في القوات المسلحة. خضت معارك كثيرة، هل سقط قتلى تعرفهم؟ - نعم، خصوصاً في المقرات المتقدمة وعند إدارة المعارك. ما هو احساسك كقائد عندما يقتل أحد ضباطك أو جنودك؟ - احساس صعب، فخلال الحرب تتولد علاقة حميمية مع الناس. الضباط والجنود يجمعهم مصير واحد وأساسه التكاتف. كان عملنا منصباً على تقليل الخسائر وفعلاً كانت خسائر معاركنا التي حررنا بها العراق قليلة. نجحنا في انهاء الحرب، وبهذا الشكل أنقذنا مئات الألوف من العراقيينوالإيرانيين من المذبحة. وهل كان يمكن للحرب أن تستمر لسنوات أخرى؟ - نعم، كانت ستستمر لو بقيت على نهجها السابق. وكان العراق برأيي لا يستطيع الاستمرار، لأن مواردنا نفدت وأصبحت ديوننا هائلة وكانت خسائرنا البشرية كبيرة بالنسبة إلى عدد السكان، إضافة إلى أن خطوط النفط كانت مقطوعة. فيما كان الإيرانيون يتفوقون علينا عددياً وكانت طرق مواصلاتهم وتصدير نفطهم مفتوحة وكانت إيران آنذاك تقاتل بقطع خفيفة من الحرس الثوري. وما هي قصة الأمواج البشرية؟ - كانت هناك مبالغات. اعتمد الإيرانيون على القطاعات الخفيفة وعلى البشر والتفوق العددي. غداً حلقة أخيرة