بعد يومين من التظاهر بعدم اكتراثها لانتخاب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس أبو مازن رئيساً للوزراء الفلسطيني، بزعم انه "شأن فلسطيني داخلي"، كشفت اسرائيل أمس حقيقة موقفها حين رحبت عبر أقطابها وإعلامها باختيار عباس "الشخصية الفلسطينية المعتدلة"، باعتباره تطوراً ايجابياً ومفصلياً، لكنها استدركت لتقول انها ستعلن موقفها النهائي بعدما تتضح الصلاحيات الفعلية التي سيتمتع بها رئيس الوزراء. وقال رئيس الحكومة الاسرائيلية ارييل شارون على مسامع وزرائه في جلسة الحكومة الاسبوعية أمس انه يرحب بتعيين "أبو مازن"، مضيفاً انه ينبغي التريث قبل اطلاق الحكم على التعيين "الى حين الاطلاع على الصلاحيات السياسية التي ستكون بيديه". واعتبر وزير الدفاع شاؤول موفاز انتخاب ابو مازن "تطوراً ايجابياً لكن يجب أن ننتظر لنرى الصلاحيات التي ستسند اليه وعلاقات العمل مع الرئيس ياسر عرفات، الذي يسعى دائماً لاحباط كل محاولة لادخال اصلاحات على السلطة الفلسطينية". وأعرب عن أمله في أن يؤدي انتخاب ابو مازن الى تعزيز "الجناح المعتدل" والى استئناف العملية السلمية "لكن بعدما تكون للفلسطينيين قيادة غير ضالعة في الارهاب وتنشط ضد العنف والارهاب". وأضاف موفاز في سياق مقابلات مع وسائل الاعلام العبرية ان انتخاب ابو مازن يأتي في اطار "محاسبة الذات" الفلسطينية، معتبراً الاسبوع الجاري مصيرياً بالنسبة الى الفلسطينيين سيحدد وجهتهم في المستقبل. وقال وزير الخارجية السابق شمعون بيريز ان انتخاب ابو مازن يبعث على الأمل بحصول تغيير في "المزاج القومي الاسرائيلي المتشائم". وتابع ان ابو مازن شخصية ذات ثقل كبير في الشارع الفلسطيني أثبت أنه يتحلى بالشجاعة والمسؤولية، ويعلن أن الامتحان الحقيقي هو في اقامته نظاماً وسلطة مركزيين وفي قدرته على السيطرة على الاجهزة الأمنية والموارد المالية. وناشد بيريز الحكومة الاسرائيلية مساعدة القوى السياسية الفلسطينية المعتدلة في مواجهتها المتطرفين، مضيفاً ان ابو مازن يملك الجدية المطلوبة والمواقف الواضحة و"يدرك ان الفلسطينيين سيخسرون مكانتهم الدولية في حال واصلوا اطلاق النار". ونقلت اذاعة الجيش الاسرائيلي عن أوساط سياسية رفيعة المستوى في تل أبيب انها تأمل في أن يمثل أبو مازن خياراً حقيقياً وبديلاً لعرفات. وكتب المعلق العسكري في صحيفة "معاريف" ان تل أبيب عمدت الى عدم الترحيب العلني بأبو مازن وتجنبت "عناق الدب" لئلا تحوله الى منبوذ في عيون شعبه. وأضاف ان تقديرات الاستخبارات لهذا التعيين انه للمرة الأولى بعد 37 عاماً من حكم عرفات المطلق قد يصبح الرئيس الفلسطيني، في غضون العام الحالي شخصية "ليست ذات صلة فعلاً". وتابع المعلق ان الاسبوع الحالي سيسجل كعلامة فارقة في تاريخ الفلسطينيين بفعل تعيين ابو مازن رئيساً للوزراء و"قد يتضح لاحقاً ان هذا التعيين ذو انعكاسات استراتيجية بعيدة المدى وقد يقود الى وقف الانتفاضة". وأضاف ان التعيين يدل على ضعف الرئيس عرفات الذي "حشر في الزاوية" وأرغم على قبول الاملاءات الأوروبية ولم يحصل على رئيس حكومة "يكون بمثابة دمية سياسية بين يديه تعمل تحت إمرته"، وأن آخر من أراده حقاً لهذا المنصب هو محمود عباس "الشخصية ذات العامود الفقري والقائد الذي لم يتردد في انتقاد الانتفاضة والارهاب لقناعته انهما لا يقودان شعبه الى أي مكان". وختم ان التعيين قد يشكل اجراء دراماتيكياً في عملية مثيرة تجري منذ أشهر عدة خفيةً "هدفها النهائي اخراج عرفات من الصورة كزعيم فعلي للشعب الفلسطيني وابقاءه، في أحسن الأحوال، رمزاً لا تأثير له". وكتبت "هآرتس" في افتتاحيتها ان تعيين "ابو مازن اذا شمل منصبه صلاحيات واسعة وملموسة" يشكل مفصلاً مهماً في طريق السلطة الفلسطينية. وأضافت ان التعيين اشارة واضحة الى هوية المرشح لوراثة عرفات "وهو أيضاً، محاولة لشق طريق جديد". وتابعت ان "أبو مازن" هو الناطق الأكثر وضوحاً وبروزاً باسم الأصوات المعتدلة والعقلانية لدى الشعب الفلسطيني، و"لم يكف يوماً عن إسماع صوته العالي ضد عسكرة الانتفاضة والعمليات التفجيرية". وختمت الصحيفة بدعوة الحكومة الاسرائيلية الى تشجيع هذا التعيين و"أبو مازن وأمثاله بحاجة لخطوات تثبت ان دولة اسرائيل تبذل جهداً حقيقياً للخروج من دائرة العنف".