سيتطلب احتلال العراق واعادة اعماره اعداد "خطة مارشال" طموحة وتمويلها بمبلغ لا يقل عن 75 بليون دولار ما يعني أن نفقات اعادة الاعمار والديموقراطية ستكون بحدود 105 بلايين دولار على الاقل وقد تصل في المحصلة النهائية الى 755 بليون دولار، وهو مبلغ هائل ستضطر أميركا لتحمل نصيب الأسد منه بسبب الوضع الراهن للمشهد السياسي العالمي وقد تصل محصلتها الى 778 بليون دولار في الفترة من سنة 2003 الى 2012 من ضمنها 175 بليون دولار في العام الأول. لكن دراسة أعدها وليام نورداوس من جامعة ييل ونشرتها "لجنة دراسات الأمن الدولي" التابعة ل"الأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم" أخيراً شككت في امكانية وفاء أميركا بالتزامات ما بعد الحرب، مذكرة على سبيل المثال بأن واشنطن أنفقت 13 بليون دولار على المجهود الحربي منذ أحداث أيلول سبتمبر 2001 بينما لم يتجاوز ما أنفقه البنتاغون وزارة الدفاع على الخدمات والمساعدات في أفغانستان 10 ملايين دولار. وصلت القوات الأميركية الى بغداد بعد معارك جوية وبرية طاحنة وربما حرب شوارع مدمرة، ثم ماذا؟ طرحت "الأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم" هذا الاحتمال ورجحت أن تجد أميركا أمامها لائحة طويلة من المهام تبدأ بالاحتلال وحفظ الأمن ومواجهة متطلبات حالة طوارئ انسانية واجتماعية يصعب حتى مجرد التكهن بأبعادها، وتنتهي باقامة نظام ديموقراطي بكل قيمه الغربية وفي مقدمها الصحافة والانتخابات الحرة قبل اطلاق عملية اعادة اعمار واسعة النطاق. وتحولت الشكوك الأكاديمية الى تحد عند السيناتور الأميركي جون ادواردز الذي تساءل في أحد مؤتمرات الحزب الديموقراطي الاسبوع الماضي ما اذا كانت ادارة الرئيس جورج بوش ستلتزم عملية اعادة اعمار العراق بعد الحرب، ما اعتبره ممثل ولاية كارولاينا الشمالية في مجلس الشيوخ أمراً ضرورياً يتيح لأميركا استعادة احترام دول العالم، مشدداً على أن المواطن الأميركي سيكون أكثر أماناً في عالم تتمتع فيه أميركا بالاحترام وليس الكراهية. ورسم نورداوس صورة مفزعة للمشهد العراقي بعد الحرب حيث ستواجه أميركا حالة طوارئ انسانية: عشرات الآلاف من الجرحى ومئات الآلاف من اللاجئين وحاجة ملحة لحفظ الأمن "كي لا يتحول ضحايا الأمس الى مستبدي الغد" وربما مهمة أكثر الحاحاً لازالة آثار خلفتها هجمات محتملة بالأسلحة البيولوجية والكيماوية. وانطلق الأكاديمي الأميركي في دراسته من التأكيد على أن التقديرات الرسمية التي صدرت عن البيت الأبيض والكونغرس اما تجاهلت الكثير من بنود نفقات الحل العسكري، لا سيما ما يتعلق منها بمهام اعادة البناء، أو أنها أغفلت احتمالات عسكرية ستقرر طابع الاحتلال وطبيعته. الانعكاسات ومن الأمور المهمة التي أغفلتها التقديرات الرسمية عن قصد أو غير قصد كلفة اقناع الدول الأخرى بدعم أميركا وآثار الحرب على الموازنة الأميركية وانعكاساتها على أسواق النفط وتداعيات ذلك كله على الاقتصاد الأميركي، علاوة على نفقات الاحتلال وحفظ الأمن والمساعدات الانسانية والأعباء التي يمكن أن تترتب على استخدام الأسلحة البيولوجية والكيماوية واحتمال وقوع عمليات ارهابية وكلفة بناء المؤسسات الديموقراطية وعملية اعادة الاعمار. لم يجادل نورداوس بادئ ذي بدء في تقديرين أصدرتهما لجنتا الموازنة في مجلسي الشيوخ والنواب لنفقات حرب يفترض أن تستغرق بين 4 و6 أسابيع وتنتهي بانتصار حاسم، لكنه حذر من أن متوسط هذين التقديرين الذي لا يزيد على 50 بليون دولار قد يصل في الحقيقة الى 140 بليون دولار في حال اختار العراق خوض حرب شوارع مكلفة وامتنعت بعض دول الجوار عن فتح أجوائها أمام المقاتلات والقاذفات الأميركية، ما سيزيد الفترة المطلوبة للسيطرة على الأوضاع في العراق الى سنة في أقل تقدير. نفقات الاحتلال ورأى الأكاديمي الأميركي أن المسألة العراقية لن تنتهي بمجرد وصول القوات الأميركية الى بغداد والقضاء على الرئيس العراقي صدام حسين وكبار القادة العراقيين، اذ أن درء مخاطر انفجار نزاع بين الأطراف الكردية والشيعية والسنية يكون من شأنه جر دول الجوار الى نزاع اقليمي سيتطلب اقامة تواجد عسكري طويل الأجل قوامه عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين ولا تقل نفقاته عن 10 بلايين دولار سنوياً. وحذر من التقليل من أهمية أي عنصر من عناصر الاحتلال لا سيما مدته ونفقاته مذكراً بأن حلف شمال الأطلسي ناتو رأى أن حفظ السلام في البوسنة، التي لا تزيد مساحتها على 10 في المئة من مساحة العراق، يتطلب نشر أكثر من 50 ألف جندي وتخصيص 10 بلايين دولار سنويا بأسعار منتصف التسعينات وعلى رغم مرور 6 أعوام على بدء هذا الانتشار المكلف لا يزال نحو 20 ألف جندي من قوات الناتو في البوسنة. وبالمقارنة مع البوسنة وكوسوفو وحتى اليابان حيث دام الاحتلال الأميركي 6 أعوام وكذلك كوريا الجنوبية حيث لا تزال أميركا تحتفظ بنحو 30 ألف جندي على رغم مرور نصف قرن على الحرب الكورية، استبعد الأكاديمي الأميركي ما وصفه احتلالاً ناجحاً يدوم اقل من 5 أعوام واستنتج من ذلك أن نفقات الاحتلال لن تقل عن 75 بليون دولار وقد ترتفع الى 500 بليون دولار في حال امتدت فترة التواجد العسكري الى 10 أعوام. اعادة الاعمار والديموقراطية ومع استكمال فرض سيطرتها سيتعين على أميركا التصدي لمهمة اعادة الاعمار، وباستعراض تصريحات كبار المسؤولين الأميركيين خلص الباحث الى أن البيت الأبيض لا يملك خطة واضحة عما يريد أن يفعله في العراق، ولاحظ كذلك أن تجارب أميركا في هاييتي والبوسنة وأفغانستان لا تشير الى أن لدى واشنطن "وصفة سريعة المفعول" لكنه أكد أن طبيعة المشهد السياسي العراقي ستضطر أميركا لخوض عملية اعادة اعمار أوسع نطاقا وأكثر كلفة حتى من تجربتي اليابان والمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. وبتحديث أرقام نشرتها الأممالمتحدة عام 1991 أوضح نورداوس أن التركيز على اعادة تأهيل البنية التحتية العراقية قد لا يحتاج الى أكثر من 30 بليون دولار بالأسعار الراهنة، الا أنه أكد أن التصدي لمهمة اقامة نظام ديموقراطي في بغداد وضمان نجاحه سيتطلبان اعداد "خطة مارشال" طموحة وتمويلها بمبلغ لا يقل عن 75 بليون دولار ما يعني أن نفقات اعادة الاعمار والديموقراطية ستكون بحدود 105 بلايين دولار على الاقل. 755 بليون دولار وأضاف الأكاديمي مبلغا يراوح بين 1 و10 بلايين دولار لتغطية نفقات الاغاثة والمساعدات الانسانية لعدد يراوح بين 1 و5 ملايين عراقي في مدى فترة قد تمتد الى 4 أعوام، ليوضح أن أعباء شن الحرب على العراق لن تكون 50 بليون دولار حسب ما جاء في التقديرات الرسمية ولا بين 100 و200 بليون دولار حسب البيت الأبيض بل قد تصل في المحصلة النهائية الى 755 بليون دولار، وهو مبلغ هائل ستضطر أميركا لتحمل نصيب الأسد منه بسبب الوضع الراهن للمشهد السياسي العالمي. لكن الأعباء المالية لا تنحصر في العراق اذ أكد نورداوس أن تخلي واشنطن عن التزاماتها في فترة ما بعد الحرب عملا بفلسفة عسكرية انتهجتها طوال العقود الأربعة الماضية وقامت على مبدأ "اضرب واهرب" لن تنقذ الاقتصاد الأميركي من خسائر هائلة ستنجم عن ارتفاع كلفة واردات النفط وانخفاض انتاج الاقتصاد الأميركي وقد تصل محصلتها الى 778 بليون دولار في الفترة من سنة 2003 الى 2012 من ضمنها 175 بليون دولار في العام الأول.