يستطيع جورج بوش "التعايش" مع اسامة بن لادن حياً وتبادل الضربات معه، لكنه لا يستطيع بعد اليوم التعايش مع صدام حسين رئيساً للعراق. صحيح ان بوش يريد اسامة بن لادن "حياً أو ميتاً" لكنه يستطيع التذرع بأن الرجل بلا عنوان معروف وان تنقيب كل الكهوف متعذر. وان العثور على رجل واحد ليس مهمة سهلة. وبوسعه القول ان هذه الحرب طويلة بطبيعتها. وان شطب اسامة بن لادن لا يعني بالضرورة نهايتها. والرئيس الاميركي يعرف ان هذه الحرب على "الخلايا النائمة" في مدن متباعدة في قارات مختلفة لا يمكن حسمها بالضربة القاضية. وعلى رغم الفوارق في المراحل والمعطيات يمكنه القول ان كارلوس سقط في شباك مطارديه بعد عقدين من بدء المطاردة. وان "أبو نضال" انتهى "منتحراً" في البلد الذي رعاه في البداية واستضافه في النهاية. يستطيع جورج بوش تمضية ولايته الأولى و"الحرب على الارهاب" مفتوحة. لكنه لا يستطيع احتمالشاء صدام حسين. فالحرب على النظام العراقي من قماشة اخرى. لصدام حسين عنوان معروف وجيش ومواقع ومنشآت. والمعركة معه تحولت اختباراً لهيبة الولاياتالمتحدة. وهي حرب اختارت الإدارة الاميركية الذهاب اليها حين سعت الى الربط بين أسلحة الدمار الشامل والارهاب على رغم صعوبة الربط بين صدام وزعيم "القاعدة". الحرب الأولى يمكن "التعايش" معها أما الحرب الثانية فلا خيار فيها غير الحسم لاستكمال خوض الحرب الأولى. لهذا أعلن امس ان نظام صدام يشكل تهديداً للولايات المتحدة و"سنتولى أمره". ذهب بوش بعيداً في خيار الحرب على العراق. ذهب الى حد جعل العودة عن الحرب هزيمة تلتهم فرصة تجديد الإقامة في البيت الأبيض وتضرب موقع البيت الأبيض في العالم. لهذا يصعب تصور الرئيس الاميركي يأمر القوات التي ارسلها بالعودة ثم يشاهد صدام يحتفل بالنصر. مثل هذا المشهد سيضعف قدرته على مواصلة الحرب الأخرى. ثم ان مهندسي الحرب على نظام صدام يعتبرونها شرطاً لكسب الحرب على بن لادن وتغيير المنطقة ومنع وقوع 11 ايلول سبتمبر مرة اخرى. وفي ضوء التمرد الذي قادته فرنسا والمانيا والتظاهرات التي هزت عواصم العالم يجد الرئيس الاميركي نفسه أمام خيار صعب: اما الذهاب الى الحرب بلا تفويض دولي وتنفيذ انقلاب على كل المرجعيات التي ولدت بعد الحرب العالمية الثانية، وإما العودة الى مجلس الأمن بحثاً عن قرار ثان. وبدا واضحاً امس ان البيت الأبيض قرر استكشاف الطريق الثانية على رغم صعوباتها والثمن الذي لا بد من دفعه للحصول على القرار الذهبي. فصدور قرار ثان عن مجلس الأمن سيعفي كثيرين من الحرج الذي يعيشون حالياً، وسيجنب الولاياتالمتحدة خطر اضطراب كبير في علاقاتها بدول تحتاج واشنطن الى مساعدتها في حربها الأولى. ولهذا السبب يجدر بالرئىس العراقي ان يقرأ بتأن بيان المجموعة الأوروبية و"انذارات" كوفي انان، فالقرار الثاني قد يكون قاتلاً لنظامه وسيدمي العراق وقلب كل عربي. أما اندلاع الحرب من دون هذا القرار فسيشكل زلزالاً في العلاقات الدولية وسيدفع الشرق الأوسط الى موسم الاضطراب الكبير.