لا حاجة الى المنجمين. السنة الجديدة تنطلق بلا أسرار. سنة اضطراب كبير وسنة حروب كثيرة. وستكرر الصحف والشاشات اسماء ثلاثة رجال سيتحاربون بلا رحمة. لم يعد وارداً تنظيم التعايش بينهم على قاعدة هدنة أو صيغة عدم اعتداء. اسم الأول اسامة بن لادن. يكفي ان يبقى حياً ليظل هاجساً يلازم سيد البيت الأبيض وجنرالات الجيش وقادة اجهزة الاستخبارات. فمن كهف ما في بلاد ما يستطيع هذا الرجل اقلاق العالم وتكبيده خسائر باهظة بمجرد تفجير عبوات بسيطة التكاليف. لا يستطيع العالم ان ينسى ان هذا الرجل اتخذ قراراً كبيراً وخطيراً حين نقل الحرب الى الأرض الاميركية في 11 ايلول سبتمبر 2001. واكدت الشهور اللاحقة انه أطلق فعلاً شرارة حرب عالمية وان تكن من خارج قاموس الحروب العالمية السابقة. لن يستطيع اسامة بن لادن حسم الحرب أو كسبها، لكنه قادر على ابقائها مفتوحة وجوالة من آسيا الى افرىقيا ومن العالم العربي الى أماكن انتشار الجاليات الاسلامية في الغرب. وستكون السنة الجديدة حاسمة بالنسبة الى حرب بن لادن. فهل يستطيع مثلاً اشعال المسرح الأفغاني مجدداً لاستنزاف القوات الاميركية هناك في فيتنام اسلامية؟ وهل يستفيد من اخطاء الحرب الأميركية على الارهاب فيعثر لأنصاره على ملاجئ آمنة بين القبائل الباكستانية أو اليمنية؟ وهل تؤدي الأخطاء الاميركية الى اضطراب بين واشنطن والدول الاسلامية الكبرى وقيام خط تماس بين الاثنين وهو المكسب الكبير الذي يمكن ان يحققه؟ ما دام حياً سيبقى هاجساً من دون ان يعني ذلك ان مقتله أو موته سيحرم "الخلايا النائمة" من مرشد قادر على ايقاظها. الرجل الآخر هو جورج بوش. فتحت جناحي هذا الرجل يقيم الصقور الذين اعتبروا 11 ايلول فرصة لإطلاق حرب عالمية على الارهاب واسلحة الدمار الشامل الموجودة في عهدة دول مارقة. حرب تتجاوز في جانب منها درء الأخطار وتفكيك العبوات الى محاولة تغيير العالم وتجفيف الينابيع التي تنجب أولئك الذين يحلمون بدحر الغرب ونموذجه وقيمه ويتحينون أي فرصة للانفجار به وبسفاراته وسياحه وحلفائه. وسنة 2003 ستكون بالغة الأهمية في هذه الحرب التي يصعب حسمها بالضربة القا ضية. فهي حرب تدور داخل غرف الاستخبارات وفي المصارف، وفي قنوات الاتصال مع الدول. حرب طويلة ومريرة يكفي لتأكيد استمرارها انفجار لغم في مكان ما من العالم أو ضبط مسافر يحمل سكيناً. ولعل أبرز ما تستطيع ادارة بوش فعله هو ضبط المسرح الأول لهذه الحرب ومنع مطاردة خلايا "القاعدة" من التحول الى صدامات مع الدول التي تسللت اليها هذه الخلايا أو نبتت فيها. وربما لصعوبة حسم هذه الحرب ولترجيح خيار اعادة صياغة المشهد الدولي في ظل 11 ايلول قفزت المحطة العراقية الى الواجهة. رجل ثالث تبدأ السنة بتكرار اسمه والتساؤل عن مصيره ومستقبل نظامه. انه صدام حسين. ستكون السنة الجديدة الاصعب في حياته الحافلة بالصعوبات. انها السنة الأخطر. تحولت اطاحته شرطاً لتأكيد قدرة القوة العظمى الوحيدة على ترجمة صفتها هذه الى حقائق ميدانية. انحناؤه للعاصفة لا يكفي لاقناعها بأن اقتلاع نظامه غير ضروري. لكن اللعبة مفتوحة على كل الأخطار. اسقاطه وقيام نظام بديل مؤيد لواشنطن سيكون رسالة مدوية في كل الاتجاهات. اما اسقاطه وانفجار العراق وانطلاق حروب القوميات والمذاهب فسيثير الرعب في البيت الدولي وسيضعف قدرة بوش على متابعة الحرب العالمية على الارهاب. ستصاب هيبة القوة العظمى الوحيدة بشروخ خطيرة. ثلاثة رجال وحرب بلا هوادة. ومع حروبهم ملفات كثيرة: تكاليف الحرب العالمية واعباء ادارة العالم، أحوال الاقتصاد العالمي واسعار النفط، الفشل الافريقي والدوي الآسيوي، الإيدز والبيئة والاستنساخ وحوار الحضارات وصدام الحضارات. ثلاثة رجال في امتحان السنة الجديدة من دون ان ننسى الرجل الرابع الذي قد يدفع ثمن المحطة العراقية واسمه ياسر عرفات.