لم يكن الإنذار الأميركي موجهاً الى نظام الرئيس صدام حسين وحده. كان موجهاً الى كثيرين وفي اتجاهات كثيرة. وخطورته تكمن في شيئين: الأول ان المتحدث هو رئيس القوة العظمى الوحيدة التي تعتبر نفسها منذ 11 ايلول سبتمبر 2001 في حال حرب ودفاع عن النفس. والثاني ان الإنذار اطلق من نيويورك لا من واشنطن ومن فوق منبر الأممالمتحدة لا من حديقة البيت الأبيض. حمل الرئيس جورج بوش "الخطر العراقي" الى قاعة الأممالمتحدة. وبلهجته الحاسمة بدا كأنه يطالب دول العالم ان تختار بين الوقوف في صف "الخطر العراقي" أو في صف الولاياتالمتحدة التي جاءت تتحدث عن هذا الخطر مرتدية عباءة الأممالمتحدة. حوّل الرئيس الاميركي خطبته الى ما يشبه الامتحان لمواقف الدول المشاركة في المنظمة الدولية التي طالبها عملياً بالدفاع عن مبادئها ومبررات استمرارها. وضع بوش ثقل بلاده في الميزان وطالب العالم ان يختار. لم يقل الرئيس الاميركي ان بلاده ستحاول اقتلاع النظام العراقي بسبب هجمات 11 ايلول. بحثت اجهزة بلاده عبثاً عن بصمات عراقية ولم تجد. ولم يقل ان اطاحة نظام صدام حسين ضرورية لانجاح "الحرب العالمية" التي اطلقتها الولاياتالمتحدة رداً على هجمات "القاعدة". وما كان العالم ليستسيغ لغة من هذا النوع واملاءات من هذا القبيل. اختار الزاوية الأكثر احراجاً للنظام العراقي وللداعين الى وقف مشروع الضربة العسكرية الاميركية. زاوية القرارات الدولية. لم يكن سراً ان الخطاب استند الى قرار اميركي باقتلاع نظام الرئيس العراقي. لكن بوش اختار العودة الى الغطاء الدولي للتمهيد لعملية الاقتلاع هذه. وبصورة واقعية يمكن التساؤل هل تستطيع روسيا أو فرنسا أو الصين ان تستخدم حق النقض "الفيتو" ضد قرار لمجلس الأمن يطالب العراق بالرضوخ للقرارات الدولية ويعطيه مهلة واضحة لتأكيد رضوخه؟ صحيح ان لكل من هذه الدول مصالح في العراق، لكن هل تستحق هذه المصالح اطلاق أزمة مع الولاياتالمتحدة خصوصاً حين يكون الهدف المعلن من القرار تطبيق الشرعية الدولية؟ لا شك ان من حق الدول العربية ان تتساءل عن معنى الزام العراق بمهلة لتطبيق القرارات الدولية فيما يدوسها شارون يومياً. لكن ذلك لا يعفي الدول العربية نفسها من الرد على السؤال خصوصاً انها كانت طالبت العراق بالامتثال لهذه القرارات. يعرف الرئيس صدام حسين ان ما يعرضه عليه الرئيس الاميركي هو الرحيل أو الرحيل. الرحيل تحت وطأة الحمم والغارات أو الرحيل عبر سلسلة من التنازلات تتوج بالتنازل عن السلطة. لهذا ليس غريباً ان ينظر الى شروط تفادي الحرب نظرته الى كأس السم الذي يقدم اليه من بين بنود القرارات الدولية. برع الرئيس العراقي في السنوات الماضية في ملاعبة الوقت. لكن بوش لوح امس ان المهلة ستقاس ب"الأيام والأسابيع وليس بالاشهر والسنوات". وغدا اذا اقتربت الحرب الاميركية تحت العباءة الدولية سيكون على صدام حسين ان يتخذ أصعب قرار في حياته الحافلة بالقرارات الصعبة.