أنهى الحلف الاطلسي الناتو اسبوعاً في نفق طويل، بعد اخفاق الأمين العام جورج روبرتسون في اقناع أطراف "الفيتو" الثلاثي، فرنسا والمانيا وبلجيكا، بصيغة وسط، عرض فيها التخلي، موقتاً على الأقل، عن عدد من الطلبات الاميركية، واكتفى بتأكيد حاجات "تعزيز دفاعات تركيا" ضد أخطار محتملة، يعتقد عسكريون انها قد تأتيها من العراق، بينما يرى الخبراء انعدامها. لكن الخلاف المستمر منذ اسابيع، قد يكون تركز ظاهرياً حول تركيا بينما أساسه صراع بين عقيدة عسكرية اطلسية تدفع الحلف الى الخروج من دوره الدفاعي والمشاركة في خطة الهجوم، وتريده ان يتبنى "مفهوم الحرب الوقائية"، وبين طروحات أوروبية تتمسك بجوانب القانون الدولي. وينتظر الحلفاء نتائج النقاشات الحاسمة في مجلس الأمن. وقد يكون الاسبوع الذي اجتازه الحلف أطول الاسابيع، واكثرها حدة منذ انشائه في 1949، اذ انقسم بين غالبية تقودها الولاياتالمتحدة، وتضغط لتبني الحلف طلبات تزويد تركيا آليات انذار مبكر وبطاريات صواريخ "باتريوت" ووحدات لمكافحة أسلحة الدمار الشامل، وأقلية تضم فرنسا والمانيا وبلجيكا تقر مبدأ التضامن مع تركيا، لكنها ترفض استجابة سريعة لطلباتها العسكرية لئلا تنجر في سياق "منطق الحرب". ويشك خبراء الشؤون العسكرية في وجود خطر عراقي يستهدف تركيا، ويعتقد الاستاذ في الاكاديمية الملكية العسكرية في بروكسيل لوك ديفوس بأن العراق "لا يمثل أي خطر على تركيا بسبب عبء الدفاع على عاتق القوات العراقية التي تترقب الهجوم الأميركي من ناحية والتفوق العددي والنوعي للقوات التركية التي تعد أكبر قوة عسكرية في المنطقة" إذا استثنيت قوة اسرائيل. وبإمكان تركيا الرهان على قدراتها الذاتية نشرت 60 ألف جندي في المناطق المحاذية للعراق وعلى القوات الاميركية التي سيصل عددها الى 40 ألفاً في مناطق كردستان من الجانبين العراقي والتركي. ويرى استاذ القانون الدولي في جامعة بروكسيل اريك ديفيد ان تركيا "تفتقد مبررات القانون الدولي في حديثها عن تهديدات عراقية والعكس صحيح، فالأخطار التي تهدد العراق تأتي من جبهات عدة، منها الجبهة التركية". ويمكن انقرة استخدام علاقاتها الثنائية مع بعض الحلفاء للحصول على ما تحتاج اليه. وتضمنت قائمة الطلبات الاميركية التي قدمت الى الحلفاء الدعوة الى صوغ دور يتولاه الحلف الاطلسي في ادارة أزمة العراق خلال الحرب وبعدها، اسوة بالدور الذي يضطلع به في البلقان. وتنبهت البلدان الأوروبية، ورفضت الأقلية منها في اجتماع الاثنين الماضي استجابة الطلبات الاميركية، وحالت دون محاولات اخراج الحلف من دوره الدفاعي. ويعكس الطلب الأخير رغبة الأوساط المحافظة في واشنطن وداخل الحلف في استغلال أزمة العراق لاخراج قوات "الناتو" من دورها الدفاعي وتكليفها مهمات أمنية تستجيب العقيدة الاطلسية الجديدة التي صيغت بعد تفجيرات 11 ايلول سبتمبر 2001. وتتضمن العقيدة الجديدة ان يتولى الحلف مهمات مكافحة أسلحة الدمار الشامل والارهاب، وإصابة العدو المفترض قبل اقتراب الخطر. ويعد هذا التطور شرطاً كانت الولاياتالمتحدة وضعته كي يظل الحلف نشطاً يتفادى الدور الهامشي الذي ميزه خلال حرب افغانستان. وتلقى العقيدة الجديدة معارضة بعض الأوساط الأوروبية التي ترفض تحول الحلف الى احدى آليات السياسة الخارجية الاميركية، وخدمته أهدافاً سياسية واقتصادية واستراتيجية تصاغ في أروقة البنتاغون والبيت الأبيض، من دون أدنى مشاركة أوروبية. وقال مصدر ديبلوماسي ان الصراع داخل الحلف يتركز ظاهرياً حول موعد بدء اللجنة العسكرية تعزيز دفاعات تركيا "لكن محوره في الحقيقة من يقود أوروبا في القرن الواحد والعشرين، وهل للأوروبيين دور مميز في هندسة أمن القارة بعد توحدها تحت مظلة الحلف، في القمة التي كرست لتوسيعه في تشرين الثاني نوفمبر الماضي في براغ".