تستضيفه السعودية وينطلق اليوم.. وزراء الأمن السيبراني العرب يناقشون الإستراتيجية والتمارين المشتركة    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    البرهان يستقبل نائب وزير الخارجية    كاساس: دفاع اليمن صعب المباراة    قدام.. كلنا معاك يا «الأخضر»    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة    جواز السفر السعودي.. تطورات ومراحل تاريخية    حوار «بين ثقافتين» يستعرض إبداعات سعودية عراقية    5 منعطفات مؤثرة في مسيرة «الطفل المعجزة» ذي ال 64 عاماً    التحذير من منتحلي المؤسسات الخيرية    لمن القرن ال21.. أمريكا أم الصين؟    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    استشهاد العشرات في غزة.. قوات الاحتلال تستهدف المستشفيات والمنازل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مترو الرياض    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    القصيم تحقق توطين 80% من وظائف قطاع تقنية المعلومات    المدينة المنورة: وجهة استثمارية رائدة تشهد نمواً متسارعاً    مشاهدة المباريات ضمن فعاليات شتاء طنطورة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    الأمير فيصل بن سلمان يوجه بإطلاق اسم «عبد الله النعيم» على القاعة الثقافية بمكتبة الملك فهد    جمعية المودة تُطلق استراتيجية 2030 وخطة تنفيذية تُبرز تجربة الأسرة السعودية    نائب أمير الشرقية يفتتح المبنى الجديد لبلدية القطيف ويقيم مأدبة غداء لأهالي المحافظة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    المملكة واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    المملكة ترحب بتبني الأمم المتحدة قراراً بشأن فلسطين    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جولة ل "الحياة" في مقر قيادة الحلف في بروكسيل ومقر القيادة العسكرية الأوروبية شيب على الحدود البلجيكية - الفرنسية . "الناتو": انتهت "الحرب الباردة" ... فلماذا الإصرار على "التوسع" الى حدود روسيا و"الانفتاح المتوسطي" على الدول العربية ... واسرائىل ؟
نشر في الحياة يوم 05 - 08 - 2001

منذ انتهاء "الحرب الباردة"، في بداية التسعينات، وحلف شمال الأطلسي "الناتو" يبحث عن دور. فما هو دور الحلف اليوم، ما دام مبرر قيامه، وهو "الدفاع" عن أوروبا الغربية إذا تعرّضت لأي هجوم، قد زال بزوال حلف وارسو وإعلان قادة "الناتو" أنفسهم ان موسكو لم تعد عدوتهم؟ وإذا كان هذا هو الحال، فما سبب إصرار "الناتو"، الذي يضم حالياً 19 دولة، على التوسع شرقاً، ليضم جمهوريات البلطيق ودولاً أخرى محاذية لما بقي من الاتحاد السوفياتي السابق؟ وما هو هدف "الناتو" من سياسة "الحوار المتوسطي" مع إسرائيل وست دول عربية، من المغرب غرباً الى الأردن شرقاً؟ يُحاول هذا التحقيق الذي أُعد خلال جولة على مقر قيادة "الناتو" في بروكسيل ومقر القيادة العسكرية الأوروبية للحلف شيب في مونز على الحدود البلجيكية - الفرنسية، إلقاء أضواء على مبررات مسؤولي الأطلسي للإبقاء على حلفهم، بل توسعه شرقاً حتى حدود روسيا، وحوارهم مع الدول العربية في الضفة الجنوبية للمتوسط.
في مقر "الناتو" الضخم في العاصمة البلجيكية، مسؤولو هذا الحلف مشغولون. ولّت أيام الخوف من روسيا. فهي لم تعد مصدر خطر على دولهم، وبالتالي ليست مصدر قلقهم. على العكس، مسؤولو الحلف مشغولون بالبحث عن "مبرر" وجودهم. يُقرّون بأن العالم تغيّر منذ سقوط جدار برلين، وان عليهم التغيّر أيضاً لمواكبة ذلك. وعلى هذا الأساس، فهم يدرسون متغيّرات العالم علّهم يرون بينها "عدوهم".
قبل سنوات، نُقل عن مسؤول كبير في "الناتو" ان الأصولية الإسلامية هي العدو الجديد للديموقراطيات الغربية بعدما زال الخطر الشيوعي. لكن مسؤولي الحلف ينفون ذلك. مشكلتهم، كما يقولون، ليست مع الإسلام ديناً. فتركيا، خاصرة "الناتو" الجنوبية، دولة إسلامية. "المشكلة مع الإرهاب. الإرهاب المتلبّس بالدين". لم يُسمّ هذا المسؤول في "الناتو" - وهو، مثل غيره من مسؤولي الحلف، تحدث شرط عدم ذكر إسمه - أسامة بن لادن وتنظيمه "القاعدة". لكن المقصود كان واضحاً كعين الشمس.
إذن، "الإرهاب" يمكن ان يكون مصدر خطر على أوروبا، وهنا يأتي دور "الناتو"، بوصفه المسؤول عن أمن القارة. وتحت عباءة "خطر الإرهاب"، يدرس مسؤولو "الناتو" مشكلة الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا. هذه الهجرة ليست هي المشكلة بحد ذاتها، فهي ليست مسؤولية الحلف. المشكلة تأتي مما يمكن ان تحمله الهجرة غير الشرعية معها من جرائم: تهريب مخدرات، تسلل إرهابيين، الاتجار بالرقيق الأبيض، تبييض الأموال. وهذه القضايا بالطبع هي التي دفعت "الناتو" الى بدء حوار مع الدول العربية المغاربية - مصدر الهجرة غير المشروعة والمخدرات - ومع دول أوروبا الشرقية - مصدر الاتجار بالرقيق الأبيض وتبييض الأموال.
كذلك يبحث مسؤولو الحلف في الخطر الذي تُشكّله على القارة أسلحة الدمار الشامل التي تسعى الى اقتنائها دول "خارجة عن القانون". والمقصود هنا واضح: ايران، العراق وليبيا الأخيرة هي الدولة الوحيدة في منطقة المغرب العربي المستثناة من "الحوار المتوسطي" مع "الناتو".
وإذا كان "الناتو" يفتش بين هذه القضايا عن "عدو" أو "خطر" مُحتمل يُبرر به وجوده، فإن السبب واضح: فهو على وشك النجاح في مهمته الحالية لحفظ الأمن والاستقرار في البلقان في البوسنة وكسوفو تحديداً، خصوصاً بعد سقوط نظام الرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوشيفيتش في بلغراد ووفاة الرئيس القومي المتشدد في كرواتيا تودجمان. ولا شك ان استتباب البلقان سيُنهي في شكل من الأشكال دور "الناتو" في المنطقة. ليس ذلك فقط، بل هناك بالطبع عامل ثان يكمن في رغبة الولايات المتحدة، العمود الفقري للحلف، في انتهاج سياسة "انعزالية" الى حد ما تتمثل في سحب قواتها - او تقليص حجمها - في البوسنة وكوسوفو. ويزيد الطين بلة، للحلف طبعاً، ان أوروبا نفسها تبدو راغبة في "الاتكال على نفسها" وإنشاء "جيش أوروبي"، وهي خطوة بالغة الجدية بعدما اتفقت الدول الأوروبية الكبرى على المباشرة فيها. ولا شك ان مثل هذه الخطوة سيشكّل نوعاً من "الازدواجية" مع "الناتو"، الذي قام أساساً للدفاع عن أوروبا.
كيف وصلت الأمور ب "الناتو" الى هذا الدرك؟
ظهر "الناتو" الى حيّز الوجود في واشنطن في الرابع من نيسان ابريل 1949. جاء ذلك بعد أربع سنوات من انتهاء الحرب العالمية الثانية وانقسام أوروبا معسكرين، أحدهما موال للاتحاد السوفياتي - أو واقع تحت نفوذه - والثاني موال للولايات المتحدة. في ظل ذلك الانقسام، نشأ الحلف بموجب "معاهدة شمال الأطلسي"، في العاصمة الأميركية، وضم 10 دول أوروبية بلجيكا، الدانمارك، فرنسا، ايسلندا، ايطاليا، لوكسمبورغ، هولندا، النروج، البرتغال، المملكة المتحدة ودولتين في أميركا الشمالية هما الولايات المتحدة وكندا. اتفقت هذه الدول، بموجب المعاهدة، على ان ترد جماعياً وفردياً في حال تعرّضت دولة أو أكثر من دول "الحلف" لاعتداء عسكري.
مع بداية الخمسينات، بدأ يتضح ان حلفاء الأمس - ضد المانيا - في الحرب العالمية، بدأوا يتحوّلون الى أعداء اليوم. ومن هذا المنطلق، يمكن فهم أول توسّع ل "الناتو" شرقاً في 1952 من خلال ضم تركيا واليونان، ثم المانيا الغربية في 1955. والطريف هنا، ان الاتحاد السوفياتي الذي كان أعلن، في 1953، امتلاكه القنبلة الهيدروجينية، قدّم طلباً للانضمام الى عضوية "الناتو"، لكن الولايات المتحدة وبريطانيا رفضتاه في 1954. بعد ذلك بسنتين، في 1956، عمّق الاتحاد السوفياتي هوّة عدم الثقة مع "الناتو" عندما أرسل جيوشه لاجتياح هنغاريا المجر. لكن تلك السنة شهدت أيضاً أزمة شديدة كادت تنسف "الناتو" من داخله، عندما وقفت الولايات المتحدة ضد العملية التي نفّذتها فرنسا وبريطانيا ضد مصر في قناة السويس العدوان الثلاثي، بالاشتراك مع إسرائيل. كان ذلك أول مؤشر الى وجود "خلاف" أميركي - أوروبي، يُفسّره بالطبع التاريخ الإستعماري لأوروبا.
هذا الخلاف الأوروبي - الأميركي، تعمّق بالفعل في الستينات، وكانت فرنسا صاحبة الدور الريادي فيه. فالفرنسيون، الذين يبدو انهم لم يهضموا "النفوذ" الأميركي على مجريات الأمور في الحلف وربما أيضاً عدم مساندتهم باريس في "حرب الجزائر، أعلنوا، بلسان الرئيس شارل ديغول في 1964، وقف اندماجهم في عضوية القيادة العسكرية ل "الناتو" اعتباراً من السنة 1969، مع الإبقاء على عضويتهم السياسية. لكن هذا الاختلاف الأميركي - الأوروبي الفرنسي تحديداً، كون العلاقة وثيقة جداً بين لندن وواشنطن/ الحلف الانكلوساكسوني لم يكن من الممكن ان يتعمّق أكثر لسبب أساسي وهو شعور الأوروبيين بأن هناك عملاقاً في الشرق جاهزاً للانقضاض عليهم متى سنحت له الفرصة. وبالطبع، فإن سياسات هذا العملاق الذي كان بدأ بناء "جدار برلين" في 1961 لم تكن تساعد في تغيير هذه النظرة اليه. ففي 1968، أرسل السوفيات مجدداً "جيشهم الأحمر" لاجتياح دولة حاولت التحرر من نفوذهم: تشيكوسلوفاكيا.
"توازن الرعب"
لم تختلف السبعينات عن الخمسينات والستينات سوى في انها كرّست مبدأ "توازن الرعب" النووي، وهو هاجس كان الأوروبيون على الأخص يعيشونه. فقد كانوا على مرمى صواريخ ال "أس. أس. 20" الرهيبة التي يقتنيها الجيش الأحمر المنتشر في بلدان أوروبا الشرقية. وشهدت أوروبا الغربية جدلاً واسعاً في تلك الفترة بين المؤيدين والمعارضين لمشروع قوة الردع النووي المتوسطة المدى التي أراد "الناتو" نشرها في القارة لمجابهة صواريخ ال "أس. أس". ومن هذا المنطلق، كانت السبعينات محور اتصالات كثيفة لتفادي أي شرارة يمكن ان تقود الى كارثة نووية مثل معاهدة الحد من أسلحة الدمار الشامل التي وقعها الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة في 1972. لكن نهاية السبعينات حملت معها تغييراً كبيراً في خريطة التوزان بين المعسكرين الشرقي والغربي. ففي 1979 سقط نظام شاه إيران، حليف الولايات المتحدة في الخاصرة الجنوبية للاتحاد السوفياتي، واجتاح الجيش الأحمر أفغانستان، مُهدداً بالوصول الى "المياه الدافئة" ومنابع النفط في الخليج.
حقبة الثمانينات بدأت كما انتهت السبعينات: توتر على أشده بين المعسكرين الشرقي والغربي مع ميل لمصلحة المعسكر الشرقي لكنها انتهت برابح وخاسر. فمغامرة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان تحوّلت كارثة عندما غرق "الجيش الأحمر" في مُستنقع حرب عصابات لم تكن أيدي الولايات المتحدة وبريطانيا بعيدة عنه. في 1983، شهد "الناتو" الذي كان يراقب باهتمام ما يحصل في المعسكر الشرقي بداية التغيير في الكرملين، وظهور حركة "التضامن" العمالية في بولندا، أول عملية توسع منذ 25 سنة، من خلال ضم إسبانيا الى صفوفه. في 1985، كان التغيير في موسكو بدأ يصبح أكثر وضوحاً مع تسلّم ميخائيل غورباتشوف قيادة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ثم الرئاسة في 1988. مثّل وصول غورباتشوف الى سدة الكرملين تغييراً جوهرياً في العلاقة بين المعسكرين. ففي 1989، سقط جدار برلين، رمز انقسام أوروبا، وتوحدت المانيا في 1990، وانهارت الأنظمة الآحادية في بولندا، هنغاريا، تشيكوسلوفاكيا، بلغاريا، ورومانيا، واستقلت دول البلطيق الثلاث استونيا ولاتفيا وليتوانيا. وفي 1991، حلّ "حلف وارسو" نفسه، وتفكك الاتحاد السوفياتي وخرجت من رحمه روسيا الفيديرالية، وأوكرانيا، وبيلاروسيا، وأرمينيا، وأذربيجان، وجورجيا، وكازاخستان، وجمهورية قرغيزيا، ومولدوفا، وتاجيكستان وأوزبكستان.
سياسة التوسّع
مع هذا التغيير الجوهري في موازين القوى في العالم، بدا واضحاً ان ثمة منتصراً هو "الناتو" وخاسراً هو الاتحاد السوفياتي وحلفاؤه في حلف وارسو. في ضوء ذلك، بدأ "الناتو" تقويماً لأهداف وجوده. فالفكرة الأساسية لقيام هذا الحلف بالغة البساطة: هو حلف جماعي تُدافع دوله، مجتمعة، عن أي دولة من أعضائه يتهددها خطر خارجي. ومع زوال هذا الخطر الخارجي، أو تضاؤل تأثيره مع تفكك الاتحاد السوفياتي، بدا ان "الناتو" يسير في سياسة غير واضحة المعالم. وهو أمر له ما يبرره بالطبع مع غياب العدو الخارجي الذي استعد الحلف قرابة نصف قرن لمجابهته والتصدي لتوسعه.
الخطوة الأساسية الأولى التي سلكها "الناتو" في التسعينات كانت إطلاق مشروع "الشراكة من أجل السلام"، في 1994، مع 26 دولة غير عضوة في الحلف بهدف "ضمان أمنها". ويُغطي مشروع "الشراكة من أجل السلام" مجالات واسعة مثل: الدفاع الجوي، الاتصالات، إدارة الأزمات، السيطرة الديموقراطية على البنى الدفاعية، التخطيط الدفاعي وإعداد الموازنات الدفاعية، إجراء تدريبات ومناورات مشتركة، القيام بعمليات حفظ السلام.
لكن موسكو كانت على ما يبدو بالغة التشكيك في هدف مشروع "شراكة السلام" هذا، وتعتقد ان وراءه أهدافاً أخرى يخفيها "الناتو". لم تدم شكوك موسكو طويلاً. ففي 1997، دعا زعماء "الناتو" في قمتهم في مدريد، متجاهلين احتجاجات الروس، ثلاثة من حلفاء موسكو السابقين - بولندا، جمهورية التشيك وهنغاريا - الى الانضمام الى عضوية الحلف بحلول السنة 1999. وكان على الروس ان يخضعوا في النهاية لهذا التوسع. فهم يعرفون أنهم بحاجة الى أموال الغرب لإعادة بناء بلادهم وفق اقتصاد السوق ويعرفون أيضاً انهم لم يعودوا ذلك الدب ذا الأنياب التي تخشاها الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا. ويُناقش "الناتو" حالياً ضم مزيد من الدول الى عضويته، لكن العقبة الأساسية تكمن في التعامل مع طلب دول البلطيق الثلاث استونيا وليتوانيا ولاتفيا الانضمام الى الحلف. ومشكلة هذه الدول ان موسكو لا تبدو مقتنعة بأنها دول مستقلة يمكن ان تقوم بالسياسة التي تحلو لها. و"الناتو"، في المقابل، يعرف انه لا يمكن ان يسمح لموسكو بأن تفرض عليه شروطاً لجهة من هي الدول التي يمكن ان تنضم الى عضويته.
وسط هذا الجو المشحون بالحذر، طرأ عاملان جديدان يمكن ان يزيدا الأمور تعقيداً. ففي بداية العام 2000، تسلّم مقاليد السلطة في الكرملين فلاديمير بوتين، الضابط السابق في جهاز الاستخبارات السوفياتية "كي. جي. بي". وفي بداية 2001، وصل الى سدة السلطة في البيت الأبيض جورج بوش، حاملاً معه ثقافة محدودة - بل شبه منعدمة - بالعالم الخارجي، ومنتهجاً سياسة لا تأخذ في الاعتبار سوى مصالح أميركا قبل أي شيء آخر.
ولعل أخطر ما في سياسات بوش مشروعه الدفاعي الذي يقوم على بناء شبكة صواريخ تحمي الولايات المتحدة من أي هجوم بالصواريخ البعيدة المدى يمكن ان تقوم به دولة "شقية". لكن هذا المشروع المعروف ب "إبن حرب النجوم" والذي يُكلّف بلايين الدولارات على رغم ان نجاحه غير مضمون، يُهدد علاقات الولايات المتحدة على صعيدين أساسيين: الأول مع روسيا ومعها الصين، والثاني مع أوروبا.
فعلى الصعيد الأول، تقول روسيا ان مشروع شبكة الصواريخ الأميركية يُشكّل خرقاً لمعاهدة الحد من التسلح الموقعة بين موسكو وواشنطن 1972 ويُهدد ببدء حرب تسلح جديدة لا يعرف أحد مداها. أما على الصعيد الثاني، العلاقة مع أوروبا حليفة أميركا في "الناتو"، فإن الأمور لا تبدو أكثر إشراقاً. فعلى رغم ان الأوروبيين الذين لا يريدون إغضاب بوش وإدارته، يقولون علناً انهم "يتفهّمون" مخاوف واشنطن من هجوم بالصواريخ يُهدد أرضها. لكنهم يعرفون أيضاً ان المشروع يمكن ان ينعكس سلباً عليهم، خصوصاً ان مظلة الدفاع الصاروخية هدفها الأساسي حماية أراضي الولايات المتحدة وليس أوروبا، على رغم ان المشروع يعتمد في نجاحه على محطات رادارات وإنذار مبكر في أوروبا نفسها تحديداً في بريطانيا التي تؤوي محطة عسكرية أميركية ضخمة. ويعرف الأوروبيون أيضاً ان عليهم إبقاء العلاقات مع روسيا مقبولة الى حد ما، لا سيما بسبب حجم ترسانتها النووية والخطر الذي يمكن ان يهدد القارة في حال عودة سباق التسلّح بين موسكو وواشنطن.
"الحوار المتوسطي"
في إطار تقويم "الناتو" لدوره في فترة ما بعد الحرب الباردة، توصل الى خلاصة مفادها ان "أمن أوروبا مرتبط حتماً ارتباطاً وثيقاً بالأمن والاستقرار في المتوسط"، بل ان أمن المتوسط هو "واحد من المكوّنات الحيوية للأمن الأوروبي". وعلى هذا الأساس، بدأ الناتو في 1994 حواراً مع ست دول "متوسطية" هي إسرائيل، مصر، الأردن، تونس، المغرب وموريتانيا، ثم انضمت اليهم الجزائر في آذار مارس 200.
ويقول "الناتو" ان هدفه من "الحوار المتوسطي ازالة سوء الفهم المحتمل عن الناتو لدى هذه الدول، وبناء الثقة من خلال شفافية أكبر ونقاش وتعاون".
وكرر وزراء خارجية "الناتو" في اجتماعهم في سينترا البرتغال في 29 ايار مايو 1997، تمسكهم بالأهمية التي يعطونها "للأمن والاستقرار في منطقة المتوسط، ووافقوا على تعزيز حوارهم أكثر مع دول المنطقة". وأوصى الوزراء بإقامة لجنة، تكون تحت وصاية مجلس "الناتو"، تُكلّف مسؤولية الحوار مع الدول المتوسطية. ولهذه الغاية أنشأ رؤساء الدول والحكومات في الحلف، في قمتهم في مدريد، "مجموعة التعاون المتوسطي" مهمتها السير بالحوار قدماً مع دول الضفة الجنوبية للمتوسط.
وعلى رغم ان الحوار هدفه، بحسب "الناتو"، إزالة سوء الفهم المتكوّن إزاء الحلف، فإن نشاطاته مع الدول المتوسطية لا تقتصر فقط على التشاور السياسي. وتشمل النشاطات غير السياسية مشاركة دول "الحوار المتوسطي" في نشاطات علمية للأطلسي، والتخطيط لعمليات الإغاثة المدنية في حالات الطوارئ، المعلومات، والبرامج التعليمية، وأيضاً "تناول موضوع ضبط التسلّح وإدارة الأزمات". ويُقر الحلف بأن "بعض النشاطات العسكرية أُضيف أيضاً الى الحوار المتوسطي". ويقوم الحوار بين "الناتو" والدول السبع على أساس ثنائي. لكن لقاءات جماعية حصلت ويمكن ان تحصل مجدداً تُعقد عادة في بروكسيل وعلى مستوى السفراء المعتمدين للدول المتوسطية في العاصمة البلجيكية.
ويؤكد "الناتو" ان أساس حواره مع دول المتوسط إزالة الفهم الممكن ان يكون نشأ لدى الدول الأخرى في شأن دوره بفعل سنوات "الحرب الباردة". لكن مشككين بنيّات الحلف يقولون ان ثمة هدفاً أبعد من ذلك، وهو الإطلاع عن كثب على الأوضاع داخل الدول العربية في حال اضطرت التطورات بالحلف الى التدخل في مناطق في الضفة الجنوبية للمتوسط. وكان صدر مثل هذا الزعم، خلال سنوات الأزمة في الجزائر عندما قيل ان الحكم يمكن ان يسقط بيد الجماعات المسلّحة، وهو أمر كان يمكن ان يؤدي الى هجرة جماعية في اتجاه أوروبا.
كيف يعمل حلف الأطلسي؟
لا يفرض حلف الناتو قرارات على أعضائه أو حلفائه رغماً عنهم. وعلى هذا الأساس، فإن المشاركة في عمليات "الناتو" تقوم على أساس طوعي، وبموافقة أعضاء الحلف. ولذلك، إذا اعتبرت دولة في الحلف ان سياسة ما يناقش الحلف تبنيها قد تضر بمصالحها الوطنية، فإن تلك السياسة لا يتم تبنّيها بل يجري البحث عن حل لها. وهنا، بالطبع، يأتي دور المساومات السياسية بين أعضاء الحلف، وهو أمر أثبتت السنوات انه في الغالب ينتهي بتوافق بين دول "الناتو".
القيادة العسكرية ل "الناتو"
يقع مقر القيادة الأوروبية لحلف شمال الأطلسي في مونز على الحدود البلجيكية - الفرنسية. ويُعرف باسم "شيب"، وتُدار منه الأمور العسكرية ل "الناتو" في أوروبا. وتتبع لهذا المقر مراكز قيادة محلية. فهناك أ القيادة العسكرية لأوروبا الشمالية مقرها هولندا وتتبع لها قيادة القوات البحرية نورثوود، بريطانيا، وقيادة القوات المشتركة لمنطقة الشمال ستافنغر، النروج وقيادة القوات المشتركة للشمال الشرقي كاروب، الدنمارك وقيادة الوسط هايلدربرغ، المانيا، وهناك ب قيادة جنوب أوروبا مقرها نابولي، ايطاليا وتتبع لها قيادة القوات البحرية نابولي، وقيادة القوات الجوية نابولي وقيادة القوات المشتركة للجنوب الغربي مدريد والقيادة المشتركة للجنوب فيرونا وقيادة جنوب الوسط لاريسا، اليونان وقيادة الجنوب الشرقي إزمير، تركيا.
وفي موازاة القيادة الأوروبية شيب، هناك أيضاً قيادة عسكرية لأميركا الشمالية في "الناتو" في نورفولك على الساحل الشرقي للولايات المتحدة. والملاحظ ان البرتغال هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي لا تتبع قيادة "شيب" بل القيادة الأميركية في "نورفولك".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.