بداية تصاعد النقد في واشنطنوبغداد لقرار حل مؤسستي الجيش والشرطة في العراق، باعتباره كان خطأ جسيماً، مع المطالبة بإعادة بنائهما ليلعبا دوراً رئيسياً في حفظ الأمن والنظام في العراق. ثم جاءت زيارة السفير بول بريمر إلى واشنطن واجتماعاته بأركان الإدارة الأميركية والرئيس جورج بوش. ليعود بريمر إلى بغداد ويعلن عن الاستعداد الأميركي لنقل السلطة إلى العراقيين من خلال تشكيل حكومة عراقية منتصف عام 2004 بعد توسيع مجلس الحكم الانتقالي في بغداد معارضة المنفى. حدث هذا التطور السريع في الموقف الأميركي نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية في العراق وتصاعد المقاومة الإرهاب ضد الاحتلال الأميركي للعراق وانعكاساته وتأثيراته في الشأن الداخلي الأميركي، خصوصاً أن الانتخابات الرئاسية الأميركية بدأت تقترب والعلاقة جداً متينة بين زيادة عدد الضحايا من الجنود الأميركيين وموقف الناخب الأميركي في الانتخابات المقبلة. إلا أن القرار الأميركي الأخير والمتعلق بتسليم أو تشكيل حكومة عراقية بعد توسيع مجلس الحكم الانتقالي لن يلقى تأييداً من العراقيين، كما أن الحال الأمنية ستستمر في التدهور وربما تتعدد أنواع وصور المعارضة للاحتلال الأميركي للعراق، إذا استمرت الإدارة الأميركية في مشروعها المتعلق بالحكومة العراقية. إن انشاء جيش عراقي وحكومة عراقية بإرادة أميركية وموافقة مجلس الحكم الانتقالي معارضة المنفى يذكرنا بحكومات سايغون وجيشها والذين لم يصمدوا أمام ضربات الشعب الفيتنامي وقواه المسلحة على رغم الاسناد الأميركي الكبير لحكومات سايغون المتعاقبة! الإدارة الأميركية تعلمت في الشهور الاخيرة أن المشكلة في العراق سياسية - اقتصادية - أمنية، وأن مجلس الحكم الانتقالي في العراق غير مؤهل اليوم لإدارة شؤون العراق، لأنه قائم ومعتمد على معارضة الخارج المنفى، وهذا ما يؤمن به الشعب العراقي من الشيعة والسنة. لذا فإن الإدارة الأميركية في العراق مطالبة الآن بتغيير وتطوير تركيبة مجلس الحكم العراقي ودوره بالتعامل والتفاعل الحقيقي مع قوى الداخل العراقية مباشرة وتسلمها للدور الذي يتفق مع حجمها وتأثيرها في مجلس حكم عراقي جديد يضم أيضاً بعض من معارضي المنفى... إن تجاهل القوى السياسية داخل العراق سيزيد من عزلة الأعضاء الحاليين لمجلس الحكم ويفقدهم التأثير في الشارع العراقي، الذي هو في الأساس كان ولا يزال ضعيفاً على رغم المحاولات الأميركية لدعمه، كما أن تجاهل قوى الداخل سيزيد من مشاكل أميركا بلا أدنى شك في العراق حاضراً ومستقبلاً. إن قرار تغيير تركيبة مجلس الحكم في العراق وتطويره يجب أن يكون مصحوباً بتحديد مدة زمنية محددة لعمل هذا المجلس سنة واحدة فقط مع ضرورة تحديد مهمات هذا المجلس ومسؤولياته وصلاحياته والتي يمكن تلخيصها كالآتي: 1- تشكيل وزارة عراقية جديدة من التكنوقراط من داخل العراق وليس من أقرباء أعضاء مجلس الحكم الحالي، وممن سبق لهم أن عملوا في تلك الوزارات ولكن لم يكونوا من الموالين لنظام صدام حسين أو لم تلطخ ايديهم بجرائم، وان يتحمل هؤلاء الوزراء من التكنوقراط المسؤولية الكاملة أمام مجلس الحكم العراقي الجديد المعدل، كما يجب السماح لكل العاملين في تلك الوزارات، خصوصاً وزارات الخدمات، بالعودة إلى وظائفهم بشرط ألا يكون أي من العائدين من الموالين لنظام صدام، كذلك يجب أن تكون اجراءات تشكيل الوزارة الجديدة مصحوبة بمشروع مارشال - لإعادة بناء العراق - ممولاً من دول الخليج النفطية السعودية والكويت والإمارت وقطر لإيقاف معاناة الشعب العراقي ولإعادة إعماره ممولاً من مشروع مارشال الخليجي السالف الذكر. وحينما نتحدث عن عودة العاملين الى وزاراتهم يجب إقرار جدول رواتب معدل لهم بحيث لا يقل الراتب الشهري عن 80 دولار ولا يزيد على 300 دولار لكل من العاملين العائدين كما يجب أن يكون راتب الوزير أو عضو مجلس الحكم في حدود 500 دولار شهرياً لينفق مع ما يتقاضاه بغية العاملين في جهاز الدولة. 2 يعين مجلس الحكم العراقي الجديد المعدل حكاماً ومجالس لمدة عام واحد لإدارة شؤون كل محافظة من المحافظاتالعراقية ال18 بالمجالات كافة ما عدا الشؤون المالية الخارجية الدفاع مهني من اختصاص مجلس الحكم العراقي والإدارة الأميركية. 3 يتولى مجلس الحكم العراقي إعادة تكوين الجيش الوطني العراقي وكذلك الشرطة العراقية ليس انشاء جيش جديد بالتعاون مع الإدارة الأميركية في بغداد مع استبعاد كل ضابط كان برتبة عقيد فما فوق أو كان من العناصر الموالية لصدام ونظامه، وأن يكون هذا الجيش لكل العراق وليس لطائفة من طوائفه. ان جيشاً يعاد تكوينه من قبل مجلس عراقي يحظى بتأييد شعبي يمكن أن يسانده الشعب العراقي لحفظ الأمن والاستقرار في العراق. 4 إعداد جهاز أمني خاص ليقوم بتنفيذ عملية التعداد السكاني، وفي حال تعذر ذلك يمكن اعتماد البطاقة التموينية مع ضرورة معالجة وضع فئة من العراقيين يعيشون في الخارج، تمهيداً لاجراء انتخابات عامة لانتخاب مجلس تأسيسي يتولى وضع دستور دائم للعراق ويطرح للاستفتاء الشعبي بعدئذ ولاختيار حكومة عراقية تقم بكامل الصلاحيات تمهيداً لمناقشة كل القضايا مع الإدارة الأميركية مستقبلاً. ان تعديلاً جذرياً لمجلس الحكم العراقي بتقويته وتحديد صلاحياته وعمله لمدة عام واحد، وذلك بتولي عناصر جديدة من داخل العراق لها تأثيرها وثقلها مع بعض معارضة المنفى لقيادة مجلس الحكم أصبح ضرورة ملحة تمهيداً لاجراء انتخابات عامة في العراق اذ ليس من مصلحة الولاياتالمتحدة من أجل اقامة علاقات سليمة مستقبلاً مع العراق ان تستمر في سياستها بالاعتماد على معارضة المنفى وتجاهل قوى الداخل! * كاتب عراقي.