بعد أخذ وجذب استمر طيلة أيام الأسبوع الماضي أصبح في حكم المرجح موافقة أطراف المعارضة العراقية جميعهم على القبول بتشكيل مجلس سياسي برئاسة بول بريمر الحاكم المدني للعراق بدلا عن الحكومة الانتقالية التي كان من المؤمل ان تشكل بعد مؤتمر وطني في منتصف تموز القادم والذي ألغاه بريمر بقرار منه واصفا المرحلة التي يمر بها العراق بأنها غير ملائمة لتشكيل حكومة في الوقت الحاضر، وبذلك تكون أول مباراة سياسية بين بريمر والمعارضة العراقية قد انتهت بفوز بريمر بالضربة القاضية . ويبدو ان الحركات السياسية العراقية قد قبلت على مضض المشاركة في المجلس الجديد والانضمام إليه أمام الوضع الجديد الذي فرضه بريمر عليهم والذي يمكن ان يجعل من أي طرف في المعارضة خارج المجلس الجديد أو عدوا له إذا ما رفض المشاركة فيه مما اضطر البعض لتقديم التنازلات مصحوبة بشروط للحفاظ على ماء الوجه وتتلخص مشاركة الأطراف السياسية العراقية في اختيار أعضاء المجلس بدل تسميتهم من بريمر وهذا ما يوهم الحركات السياسية بانها تعبر عن دورها كما يعطي شرعية مزعومة لهذا المجلس الذي يبدو ان بريمر وافق على ان يكون اختيار أعضائه بعد مشاورات مع الأطراف العراقية لإعادة الاعتبار إليهم ومن المؤمل ان تقيم سلطات الاحتلال الى جانب المجلس السياسي مجلسا آخر مكونا من 125 عضوا تحت اسم اللجنة الدستورية لوضع دستور للعراق . المعارضة العراقية التي قضت عقودا من الزمن في المنفى هربا من بطش صدام لم تكن في الحقيقة بانتظار الأمر الواقع الذي فرضه بريمر عليهم الآن بعدم التفكير بتشكيل حكومة انتقالية طالما حلموا بها وناضلوا من اجلها . بل عليهم ان يفكروا فقط في الواقع الذي تفرضه سلطة الاحتلال الأمريكي بتشكيل مجلس سياسي استشاري يقوم بتقديم الخبرات الى بريمر بدل حكومة انتقالية تسعى لتمثيل الشعب العراقي بكل قومياته وأديانه وطوائفه عبر مؤتمر وطني فبريمر ألغى المؤتمر ومنع الحديث عنه وفرض رؤيته على المعارضة العراقية وبدأ فعلا باختيار أفراد مجلسه الجديد واعداد القوائم الخاصة بشأنه والذي سيضم كما يشاع في بغداد ثلاث نساء وعراقيين من الداخل حيث يرى بريمر ان هذا المجلس ليس من حق العراقيين المنفيين فحسب بل من حق الذين عانوا في الداخل ، وسيكون عدد أعضاء المجلس ما بين 25-35 عضوا يمثلون التقاسم القومي والديني والطائفي في العراق على غرار النموذج اللبناني ، والذي يرى العراقيون انه من الصعب التنبؤ بما سيكون عليه في المستقبل بعد تعميق الفجوة بين الطوائف والأديان والأعراق بدل تقديم نموذج عراقي موحد يعتمد الكفاءة الوطنية في قيادة العراق أو حتى تقديم الخبرات الى الأمريكان . وبينما كانت الأحزاب والحركات السياسية العراقية تنتقد مجلس بريمر الجديد في الأيام الماضية وتطالب بحكومة مؤقتة غيرت خطابها بسرعة بعد ان نجح بريمر في نزع أسلحة بعض تلك الحركات ووجه لها اتهامات مباشرة بأنها لا تمثل جميع العراقيين ، وهو الأمر الذي دفع بعض الحركات السياسية لان تغير من وصفها للمجلس السياسي الذي سيعلنه بريمر وتصفه بحكومة مؤقتة إلا ان الجميع يدرك ان المجلس غير الحكومة الانتقالية التي كان قد اتفق على إقامتها بعد سقوط صدام بين المعارضة والإدارة الأمريكية ، وقد جاء هذا المتغير بعد ان أكد بريمر ان تنصيب حكومة في العراق في الوقت الحاضر وفي ظل عدم الاستقرار أمر غير مرغوب فيه وغير ملائم لاهداف الاحتلال. المراقبون العراقيون من ناحيتهم يشككون في هذا الحل الوسط الذي توصلت إليه الحركات السياسية وبريمر بشأن فسح المجال للحركات لتقديم من يمثلها في المجلس دون ان يعينهم بريمر نفسه .ويرون ان بريمر سوف لا يوافق على أي اسم يطرح من قبل الأطراف السياسية العراقية وسيكون له القول الفصل في اختيار المجلس الذي من المقترح ان يكون أعضاؤه من 17 فصيلا سياسيا عراقيا بعد ان تم الاتفاق على ذلك بين الفصائل السياسية العراقية في اجتماع موسع عقد يوم الجمعة الماضي السادس من حزيران وضم عشرة أعضاء جدد إضافة الى مجموعة السبع التي شكلت سابقا والتي تضم الحزبين الكرديين الرئيسيين لجلال الطالباني ومسعود البرزاني وحركة الوفاق الوطني العراقي والمؤتمر الوطني والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة الإسلامية وحركة المستقلين الديمقراطيين وجميع هذه الحركات عدا حزب الدعوة الإسلامية وحركة المستقلين الديمقراطيين كانت من التي شاركت في مؤتمر لندن للمعارضة العراقية ومؤتمر صلاح الدين في شمال العراق قبل شن الحرب . وخلف كواليس السياسة العراقية بدأ يتم الإعلان فعلا عن أسماء أعضاء المجلس ومن المحتمل ان يكون برئاسة عدنان الباجة جي وعضوية بعض علماء الدين و11 ممثلا عن السنة و 11 ممثلا عن الشيعة واثنين من شيوخ العشائر وثلاث نساء عراقيات وممثلين عن المسيحيين والتركمان ومهمته بناء العراق واعماره بعد الحرب . وقد تكون مقترحات بريمر على تشكيل هذا المجلس لضرورة إعادة بناء العراق ومشاركة الأطراف السياسية وشيوخ العشائر هو ما دفع زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق محمد باقر الحكيم الى قبول العضوية في هذا المجلس بشرط ان يسمي المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ممثليه فيه دون ان يختارهم بريمر بنفسه بعد ان كان الحكيم قد رفض في وقت سابق رفضا قاطعا مشاركة حركته في مجلس بريمر، وأكد ذلك الرفض بعده الناطق باسم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية حامد البياتي بعد اجتماع له مع بريمر حين أوضح ( ان الشعب العراقي سوف لا يقبل هذه الحكومة وستقول المنطقة كلها بان هذه الحكومة هي ألعوبة عينتها أمريكا لخدمة مصالحها ) إلا ان ما يشاع هنا هو ان المجلس الأعلى أبدى موافقته على المشاركة على الرغم من هذه التصريحات . و لم ترفض مجموعة السبع مقترح بريمر بتشكيل المجلس الجديد على الرغم من إعلان الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني ان حزبه ليس راضيا 100% عن مقترح بريمر بشأن تأسيس المجلس لكنه في الوقت نفسه لم يرفض هذا المجلس او تعيين بريمر لأعضائه . وفي إشارات بدأت تظهر من زعماء هيئة السبع فان قادتها على ما يبدو لن يكونوا أعضاء مباشرين في المجلس الجديد بل ان ممثلين من حركاتهم سيكونون ابرز أعضائه ، في حين سيتم ضم أعضاء باقي الحركات السياسية ضمن اللجنة الدستورية التي يصل عدد أعضائها من 125- 130 في محاولة لعدم ترك أي حركة سياسية خارج إطار المظلة الأمريكية او التمثيل الأوسع للعراقيين في بناء مستقبل سياسي جديد لكي لا يترك لهم حرية النقد ورفض وجود المجلس. اما لماذا تغيرت خطة إنشاء الحكومة الانتقالية الى خطة مجلس استشاري فان ممثل رئيس الوزراء البريطاني في العراق جون سوارز قد أكد قبل بريمر ذلك بقوله ( ان اجراء انتخابات في العراق في الوقت الحاضر سوف يفوز فيها البعثيون والأصوليون فهم اكثر الجماعات تنظيما ، ولان الأوضاع غير مواتية لأجراء مثل تلك الانتخابات ) . وإذا كان هذا رأي الأمريكان والبريطانيين في تشكيل الحكومة فان واحدا من قادة الحركات السياسية في العراق طرح مبررا أقوى بشأن رفض تشكيل الحكومة المؤقتة حيث أكد عزيز الياسري المنسق العام للتيار الديمقراطي العراقي ان ( عقد مؤتمر للمعارضة العراقية لتشكيل حكومة انتقالية لا يمثل القاعدة العريضة للشعب العراقي، لان هيئة السبع احتكرت تمثيل شعب العراق في انبثاق سلطة وطنية واحتكرت العلاقة مع قوات التحالف وسيطرت على كل مرافق الدولة) وكان هذا القول صدى ما قاله بريمر من ان المعارضة العراقية لا تمثل العراقيين جميعا.