مع الاقتراب من إعلان مجلس حكم عراقي بدلا عن المجلس الاستشاري الذي كان من المقرر ان يعلن في منتصف تموز الجاري، بدأت تدور خلف كواليس السياسة العراقية خلافات حادة بين الأطراف السياسية التي كانت تعارض حكم الرئيس السابق صدام حسين. ما يدور خلف الكواليس اغلبه يتعلق بأحقية التمثيل في هذا المجلس الذي سيضم 25 شخصا منهم 22 وزيرا بصلاحيات محدودة تعود قضية البت فها بشكل نهائي إلى رئيس الإدارة المدنية الأمريكية للعراق بول بريمر. وأول هذه الخلافات جرت بين الأطراف السياسية حول بعض الحقائب الوزارية التي من المؤمل ان تمنح لعراقيين من الداخل ولشخصيات من المعارضة العراقية التي كانت في الخارج.فالمعارضة الخارجية ترى انها قدمت الكثير من النضال والجهد من اجل إسقاط النظام السابق وقدمت الكثير من الضحايا ومثل هذا الرأي تتبناه الحركات الإسلامية التي كانت تقيم في إيران مثل حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب العمل الإسلامي والجبهة الوطنية الإسلامية وحركة الوفاق الإسلامي والحركات الاخرى التي كانت في بريطانيا مثل المؤتمر الوطني العراقي وحركة الوفاق الوطني وجبهة إنقاذ العراق وحركة الضباط والمدنيين الأحرار وحركة المستقلين الديمقراطيين وغيرها. بينما ترى بعض الأحزاب والحركات السياسية الاخرى التي كانت في العراق او التي تم تأسيسها او بروزها على الساحة بعد سقوط نظام صدام ان لها الدور الأكبر في السلطة الجديدة لانها بقيت في العراق وعانت من تسلط صدام ولابد ان تتمثل في هذا المجلس. وإذا كان هذا هو الخلاف الأول فان الخلاف الثاني يدور بين الحركات والأحزاب القادمة من الخارج فبعضها يرى أن نظام الحكم يجب ان يتجه نحو العلمانية فيما ترى الأحزاب الإسلامية انه تجب المحافظة ولو على اقل قدر ممكن من الطابع الديني في تشكيل الحكومة القادمة، الا ان المراقبين والمقربين من الإدارة المدنية في العراق يؤكدون ان بول بريمر مع الاتجاه الذي يسعى للعلمانية ولو كان اقل تأثيرا في الساحة السياسية العراقية. الخلافات التي لم تظهر على السطح حتى الآن تظل خلف الكواليس لاسباب عدة منها ان الجميع يرغبون بتشكيل الحكومة في أسرع وقت من اجل اكتساب الشرعية لوجودهم وهو أمر كان سبب الضغط على بريمر لاعلان هذا المجلس وإلغاء فكرة المجلس الاستشاري. وهو ما تحول في الوقت نفسه الى مطلب أمريكي بعد زيادة هجمات المقاومة العراقية ومحاولة أمريكا لإنشاء صورة لحكم عراقي قد تساعد في تقليص الهجمات او بعث الاستقرار ليتسنى للأمريكيين التقاط أنفاسهم واعادة بعض الوحدات الأمريكية الى بلادها بعد ان تجاوزت مدة بقائها الفترة التي كانت مقررة لها، وتقليص حجم المصروفات على الجيش الأمريكي في العراق ومحاولة ضخ النفط باسم عقود عراقية مع شركات أمريكية. هذه الاعتبارات أجبرت بريمر على الخضوع لرغبة الحركات السياسية العراقية في تشكيل مجلس الحكم الجديد الذي قد يعلن قبل جلسة مجلس الأمن في 22 تموز الجاري لمناقشة القرار 1483 بخصوص العراق. وأعربت حركات سياسية عراقية عديدة دفعت الحركات السياسية العراقية الى التعبير عن رفضها لبعض الخطوات التي من المتوقع أن يتم إقرارها مع إعلان المجلس ومنها صياغة الدستور العراقي الجديد. ويتبنى عراقيون قادمون من الخارج وخبراء أمريكيون صياغة جديدة للدستور. وكان أول رد فعل على مسألة صياغة الدستور، والتي ستكون من أولى مهمات مجلس الحكم الجديد، هو ما جاء في فتوى أصدرها السيد علي السيستاني المرجع الشيعي الكبير في العراق وزعيم حوزة النجف، وقضت بمعارضة شديدة ورفضاً تاماً لأي صياغة جديدة للدستور من قبل مجلس تعينه القوات الأمريكية والبريطانية في العراق. ودعا السيستاني في الفتوى إلى إجراء انتخابات عامة لاختيار ممثلي الشعب العراقي لتولى هذه المهمة. وأكد السيد السيستاني في فتواه التي اطلعت " االيوم " على نصها ضرورة تحقيق هذا الأمر المهم وإنجازه على احسن وجه مشددا انه لا يوجد ما يضمن ان المجلس المقترح سيراعي في صياغة الدستور مصالح الشعب العراقي العليا ويعبر عن هويته الوطنية وقيمه الاجتماعية النبيلة. وتعد فتوى السيد السيستاني، الذي يعتبر من أعمدة المرجعية الشيعية في العراق وصاحب التأثير الأكبر فيها، ضربة شديدة لخطط الإدارة المدنية في العراق والتي تسعى لتعيين مجلس حكم يضم 25 عضوا وآخر للدستور يضم 125 عضوا.