يبدو ان آلة صناعة المبادرات في إمارة دبي أخذت تتزايد بسرعة قياسية في الاعوام الاربعة الاخيرة، وأضحت الإمارة تصحو صباح كل يوم على انباء مشروع طموح جديد... ويتوقع المراقب مع نهاية كل عام ان تهدأ هذه الآلة في العام التالي، او ان تخفف من سرعتها، الا ان ذلك لم يحصل فالمبادرات تتزايد والنشاط تعلو وتيرته، والجميع في سباق مع الزمن والطموحات من دون حدود. ولعل وتيرة الحركة في الامارة، التي ترغب في ان تكون مركزاً اقليمياً للانشطة كافة وان تحقق الافضل في جميع المجالات، باتت سمة سائدة يلمسها اهل البلد والمقيمون فيها، وزوارها. ويبدو ان النشاط الاقتصادي، الذي تشهده دبي بات سمة الامارة ومرادفا لاسمها، اتعب الجميع ومنهم الصحافيون والاعلاميون الذين باتوا عاجزين عن متابعة نشاطاتها ومبادراتها المتزايدة من خلال تغطية آلاف المؤتمرات والندوات الصحافية التي تعقد على مدار السنة بما في ذلك ايام العطل الرسمية وعطلات نهاية الاسبوع. ومثلت سنة 2003 لامارة دبي تحدياً مفصلياً نجحت في تجاوزه عندما حان موعد استضافتها اكبر تجمع اقتصادي دولي تشهده منطقة الشرق الاوسط، وتمثل في الاجتماعات السنوية لمجلس محافظي الصندوق والبنك الدوليين الذي جمع قرابة 20 الفاً من اصحاب القرار الاقتصادي والمالي في العالم وكان لها ما خططت لأجله. وقصة نجاح دبي التي بات ناتجها المحلي الاجمالي الحقيقي يقترب من 20 بليون دولار، اي ما يزيد باضعاف عدة على اجمالي ناتج عدد من الدول العربية، تمثل هاجسا حقيقيا لولي عهدها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي يستيقظ كل صباح على ايقاع مبادرة نوعية ومشروع جديد يضيف لها بعداً اقليمياً ودولياً جديداً، وهو لا يتوقف عن ترديد "ان ما تحقق لا تزيد نسبته على عشرة في المئة مما هو قادم". وتطرح سلسلة المشاريع والمبادرات التي اطلقها ولي عهد دبي في الاعوام الاربعة الماضية، التي يقدر اجماليها باكثر من 100 بليون دولار، تساؤلاً في اوساط المراقبين، هل ان هذه الامارة التي يُقدر عدد سكانها بنحو مليون نسمة وتعتبر ثاني اكبر الامارات السبع التي تتكون منها دولة الامارات، تغرد خارج محيطها الاقليمي؟ ام ان ما تنفذه وتقوم به هو النموذج المطلوب تطبيقه في المنطقة لانعاش اقتصاداتها. عاصمة الاعمال ويأتي جواب النتائج المشجعة حتى الآن يصب في اتجاه ان دبي اخذت قراراً بان تكون عاصمة للاعمال تمتد من الصين الى شمال افريقيا وشرقها، فهي تتحدث وتتعامل مع اسواق يصل عدد سكانها الى 1.5 بليون نسمة وناتجها المحلي يتجاوز ثلاثة تريليونات دولار، وعند متابعة الخريطة الجغرافية للمنطقة المحيطة فان دبي اصبحت المركز الاهم بين سنغافورة وهونغ وكونغ في الشرق وبين المراكز الاوروبية في الغرب. واضحت دبي المركز الاهم بين المدن العربية لناحية النشاط الاقتصادي، فهي تحتضن المقرات الرئيسة للشركات الدولية التي تعمل في الشرق الاوسط وفي قطاعات عدة. وترتكز خطة تطوير دبي في السنوات العشر المقبلة على التطوير الدائم للقدرات الذاتية بهدف امتلاك أدوات القدرة على المنافسة الدولية في جميع المجالات وتحقيق تقدم في مجال التكنولوجيا والاتصالات، وطرح مزيد من المشاريع الاقتصادية الاستراتيجية وتطوير قطاع الخدمات والاستثمار في التنمية البشرية والالتزام بالتنمية. واستمرت دبي في الشهور الماضية في ان تكون ورشة عمل مفتوحة شملت مختلف مناطق الامارة وتحديداً في قسمها الشرقي تجاه امارة ابوظبي، حيث تنتشر عشرات الرافعات العملاقة في اماكن متعددة بعضها على الساحل الذي يطلق عليه شاطىء الجميرة، وبعضها الآخر في مناطق مقابلة تجاه الصحراء وظهرت للعيان مدن جديدة تعج بالسكان. وتختلف طبيعة المشاريع الجديدة التي يجري تنفيذها الآن في الامارة بين مجمعات تجارية ومشاريع تعنى بالتطوير العقاري، واخرى في القطاع الفندقي والمنتجعات السياحية والمجمعات الترفيهية والمشاريع الصناعية المتعددة، وتشترك تلك المشاريع في انها تأتي في اطار انتقال الامارة الى آفاق جديدة تعزز مكانتها الاقليمية كمركز رئيسي للتجارة والتكنولوجيا والخدمات في الشرق الاوسط. ويلفت المراقبون الى ان المشاريع العملاقة التي يجري تنفيذها في الامارة الساحلية المطلة على مياه الخليج في معظمها مشاريع نوعية تُنفذ للمرة الاولى في المنطقة، وتكمن اهميتها بأنها منفذة من قبل القطاعين العام والاهلي ما يعكس التفاعل الكبير بين القطاعين، والتنافس القائم بينهما. سنة 2003 وإذا كانت دبي درجت في وقت من الاوقات على التوقف لالتقاط انفاسها في ما بين الكشف عن مشروع وآخر، فإن سيل مشاريعها سنة 2003 تدفق بلا انقطاع ب"جزر العالم" اي المدينة المفقودة وتشاينا تاون مروراً بالمدينة الطبية وحديقة الحيوان ونهاية بشبكة السكك الحديد السريعة، ومشروع "دبي لاند" واطول ناطحة سحاب في العالم. القلق من التوسع ويطرح البعض تساؤلات في شأن مستقبل الوضع االعمراني في دبي وحجم المشاريع العملاقة التي يجري تنفيذها، ومدى قدرة الامارة على استيعابها، والمخاوف من امكان اصابة هذا القطاع بنكسة، الا ان القائمين على هذه المشاريع يؤكدون ان هذه المخاوف ظهرت في العقدين الماضيين، وهي تبرز عند طرح اي فكرة جديدة، لكن دبي بموقعها الاستراتيجي في عالم الاعمال والتجارة استوعبت الطفرات التي شهدتها الاعوام الماضية باقتدار من دون ان يؤثر ذلك في وضعها الاقتصادي. ويحرص ولي عهد دبي على تبديد الشكوك التي يحيطها البعض بإمكانات نجاح دبي عندما ينظرون الى هذه المشاريع فرادى، ويؤكد ان النظر الى المشاريع التي تنفذها دبي يجب ان يكون مشتركاً ضمن حزمة واحدة، فزيادة اسطول "طيران الامارات" يرتبط بتوسعة المطار وبسعي دبي الى تعزيز قطاعها السياحي. والامر ينطبق على تحويلها الى مركز اقليمي للعلاج ومكانا مناسبا للشركات الدولية، ومركزاً للخدمات والشحن والمؤتمرات والمعارض والاعلام والتقنية والمعرفة. 25 بليون دولار وتقدر اوساط مصرفية حجم الاستثمار في المشاريع الجديدة التي تجري اقامتها في الامارة، بأكثر من 25 بليون دولار ما حول دبي الى احد أكبر ورش العمل في الشرق الاوسط مشيرة الى أن المشاريع، التي يتوقع انجازها في غضون السنوات العشر المقبلة، كفيلة بإبقاء عجلة النمو الاقتصادي في الامارة تسير بوتيرة جيدة، الامر الذي يعزز حركة اسواقها الداخلية ويعزز تنافسيتها الاقليمية. دبي لاند وخلال الربع الاخير من السنة اعلنت دبي عن مشروع سياحي طموح هو الاكبر من نوعه في المنطقة من المقرر ان تبلغ تكاليفه الاستثمارية 20 بليون درهم اي ما يعادل خمسة بلايين دولار هدفه تحويل امارة دبي الى المقصد الاول للسياحة العائلية في الشرق الاوسط. وتمثلت المبادرة الجديدة، التي اختار ولي عهد دبي الاعلان عنها بنفسه بحضور العاهل الاردني عبدالله الثاني، في تأسيس 46 مشروعاً كبيراً و200 مشروع فرعي ستُقام تحت اسم "دبي لاند"، وهي من الضخامة بمكان ما يجعلها بمثابة مشروع القرن السياحي في المنطقة كونها ستقام على مساحة كبيرة يصل حجمها الى بليوني قدم مربعة. ويؤكد الشيخ محمد بن راشد ان دبي مصممة على التحول من مركز دولي للاعمال الى مكان يلتقي فيه العالم، معتبراً ان كثيرين لم يدركوا ان دبي من الممكن ان تكون وجهة سياحية تستقطب الملايين من السائحين، ولا ان تملك شركة طيران استطاعت خلال سنوات قليلة ان تتحول الى احدى اكثر شركات الطيران ربحاً ومن اسرعها نمواً في العالم، وان تصبح عاصمة تكنولوجيا المعلومات في الشرق الاوسط ومركزاً دولياً للمؤتمرات. وفي الربع الاخير من السنة ايضا أطلقت شركة "نخيل" الاماراتية مشروعاً عقارياً جديداً في دبي تحت اسم "المدينة العالمية"، سيُبنى في الجزء الشمالي من دبي بكلفة تُقدر ببلايين الدراهم، على مجمع مسبق التصميم سيشاد فوق مساحة 800 هكتار. والمشروع الجديد، الذي تُقدر تكاليفه ببلايين عدة من الدراهم، سيحمل طابع المدن العالمية بحيث يزاوج بين العناصر السكنية والتجارية والسياحية في تصميم معماري مميز يهدف الى ترسيخ سمعة دبي المتنامية كمركز محوري مهم في المنطقة للتجارة والاستثمار والإقامة والسياحة. المدينة المحرمة وسوق التنين وسيقوم المشروع على مفاهيم وعناصر غير عادية ستُشكل معلماً بارزاً في سماء دبي بدءاً من "المدينة المُحرمة" و"سوق التنين" مع مراعاة أدق التفاصيل. وبدأت الاعمال الانشائية للمشروع بالفعل وتم الإنتهاء من عملية تمهيد الأراضي، في حين تقوم شركات المقاولات بتمهيد البنى التحتية اذ من المتوقع انجاز هذه المرحلة بحلول منتصف سنة 2004 وإنجاز المشروع بالكامل نهاية سنة 2006. أطول ناطحة سحاب وبعيداً عن موسوعة "غينيس" الشهيرة التي اصبحت دبي جزءاً منها في تحطيم الارقام القياسية من خلال الاحداث التي تنظمها في مهرجانات التسوق، اختارت الامارة هذه المرة ان تدخل الموسوعة بشاهد حي سيكون منارة الامارة الساحلية على ضفاف الخليج العربي. والشاهد الجديد يتمثل في اقامة اطول ناطحة سحاب في العالم يتجاوز ارتفاعها 600 متر ستنفذها شركة "اعمار العقارية" على شارع الشيخ زايد وسط دبي. ومن المتوقع انجازها بحلول سنة 2007، وتضم الناطحة التي يُتوقع ان تتجاوز تكاليف تشييدها حاجز البليون دولار مركزاً للتسوق يُعتبر احد اكبر المراكز في العالم، وفندقا ومكاتب تجارية ووحدات سكنية ومراكز للترفيه. ويقول محمد العبار رئيس الشركة المنفذة للمشروع انه يتماشى مع حزمة من المبادرات التي تنفذها حكومة دبي حالياً وتتضمن اقامة مدينة طبية ومركزاً دولياً للمال وآخر للذهب وقرية للمعرفة اضافة الى مدينة الانترنت ومدينة الاعلام، مؤكدا ان تلك المشاريع تؤسس لمحاور حذب اقتصادية لكبرى الشركات الدولية بما يعزز النمو الاقتصادي لدولة الامارات. طيران الامارات ووقعت "طيران الامارات" منتصف السنة صفقات لشراء 71 طائرة عملاقة بعيدة المدى بقيمة 19 بليون دولار، لترتفع القيمة الإجمالية للطلبيات المؤكدة التي تقدمت بها الشركة الى 95.5 بليون درهم 26 بليون دولار. اكبر مطار في الشرق الاوسط وواصلت دبي سنة 2003 تنفيذ مشروع التوسع الجديد في مطار دبي الدولي لاضافة مبنى جديد للركاب تصل كلفته الى 15 بليون درهم اربعة بلايين دولار. وستزيد التوسعة الجديدة، التي ستُنجز بالكامل سنة 2006، الطاقة الاستيعابية للمطار بنسبة 150 في المئة الى 55 مليون راكب في مقابل 22 مليون راكب الطاقة الحالية للمطار ما يعزز مكانة المطار كأكبر مطار في الشرق الاوسط. وتتضمن توسعة مطار دبي اضافة تسهيلات جديدة للشحن الجوي لرفع طاقة قرية الشحن في المطار الى ما يزيد على مليون طن سنوياً في مقابل 700 الف طن يجري التعامل بها سنوياً في الوقت الحالي، وانشاء مركز دولي للورود يكلف 200 مليون درهم، بحيث تتحول الامارة الى نقطة ارتكاز لتصدير الورود والزهور بين افريقيا وآسيا واوروبا وذلك على غرار امستردام. "دبي فيستفال سيتي" واقتربت مجموعة "عبدالله الفطيم" الاماراتية من تنفيذ المرحلة الاولى لبناء أكبر مشروع عقاري متعدد الاغراض في الشرق الاوسط ينفذه القطاع الخاص يحمل اسم "دبي فيستفال سيتي" يقع على ضفاف خور دبي الشهير على مساحة قدرها 3500 هكتار. والمشروع الجديد، الذي يقام على مرحلتين، تصل تكاليفه الى اربعة بلايين دولار منها 1.5 بليون دولار للمرحلة الاولى ويضم 15 تجمعاً متنوعاً منها منطقة للمكاتب التجارية ومنطقة سكنية، وبرج مكتبي وفندقي يرتفع 50 طابقاً، ومنطقة للمعارض وخدمة تجارة التجزئة بالاضافة الى منشآت خدمية متعددة الاغراض كما يضم حديقة مركزية وفندقا يضم 600 غرفة ومركزا للمطاعم وملعبا للغولف وفيلات مطلة على خور دبي. "امارات مول" وبدأت مجموعة "ماجد الفطيم" بتنفيذ مشروع ترفيهي جديد يكلف مئات ملايين الدراهم يهدف الى اقامة مركز ترفيه وتسلية وتسوق هو الاول من نوعه في المنطقة اعتبرت المجموعة انه يمثل الجيل الثاني في مفهوم التسوق في الشرق الاوسط.