يصرّ ألبير قصيري على استيحاء البيئة والواقع المصريين على الرغم من هجرته وطنه الأم منذ العام 1945 واختياره اللغة الفرنسية أداة تعبير أوّلاً وبطاقة انتماء الى عالم الأدب. وإصراره على جذوره المصريّة دفعه الى رفض الهويّة الفرنسية مؤثراً أن يظلّ روائياً مصرياً فرنكوفونياً لا فرنسياً. إلا أن أصالته كمواطن مصري مهاجر وليس مقتلعاً كما يخال البعض جعلته "غريباً" أو هامشياً في فرنسا تماماً مثلما جعله اختياره اللغة الفرنسية "غريباً" و"هامشياً" في وطنه الأوّل. فهو لم يُترجم الى العربية كما ينبغي له أن يترجم ولم يعرف الشهرة التي من المفترض أن يعرفها كرائد من روّاد الرواية المصرية الفرنكوفونية. كان في امكان كاتب في حجم ألبير قصيري أن يستفيد كثيراً من "لغته" الفرنسية وأن يوظفها لمصلحته ككاتب فيخوض مواضيع "عالمية" وقضايا عصرية على غرار بعض الكتّاب الفرنكوفونيين. لكنّه أصرّ على "القضية" المصريّة - إذا صحّ التعبير - رافضاً الخروج من شرنقته التي نشأ داخلها. فراح يستوحي "الحياة" المصريّة في فجاجتها وواقعيتها ولكن عبر أسلوب طريف ولغة فاتنة. ولم تفقده لغته هذه، المتينة والمسبوكة، عفوية التعبير التي تجلّت عبر اعتماده بعض المصطلحات الشعبية المصرية والتعابير العامية والحوارات الحيّة واليومية. وبدت شخصياته كأنّها تتكلّم "مصرياً" ولكن بالفرنسية. وذكّرت بعض حوارات هذه الشخصيات باللغة الطالعة للتوّ من الشارع والأحياء في طرافتها وصلافتها. وبدا ألبير قصيري كأنّه حين يكتب لا يفكّر إلا بالعربية أو المصرية من غير أن يقع لحظة في شرك الثنائية اللغوية أو ما يسمّيه الفرنسيون: أرابيسم وفي الركاكة التي تنجم عن هذه الثنائية. فهو يمنح جملته زخماً عربياً يجعلها تختلف عن الجملة الفرنسية. وهكذا لم يكن ألبير قصيري كاتباً فرنسياً يكتب عن الحياة المصرية. بل بدا كاتباً مصرياً فرنكوفونياً يكتب عن مصر عبر لغة فرنسية جداً ولكن مشوبة بخصائص اللهجة المصريّة التي تتداولها الشخصيات. أمّا ما يميّز أدب قصيري عموماً فهو ابتعاده عن النزعة "الأكزوتيكية" المفتعلة التي سعى وراءها بعض الكتّاب المغاربة مثلاً بغية ابهار القارىء الفرنسي والناشر الفرنسي. فالكاتب المصريّ الذي لم يكتب إلا عن البيئة المصريّة لم يقصد نقلها الى القراء الفرنسيين مفضوحة أو مضخمة أو مستلبة مقدار ما غرق فيها وانتمى اليها وتبنّى قضايا الناس الذين كان يشعر في قرارته أنّه ليس إلا واحداً منهم. وكم أصاب هنري ميلر حين قال عنه في احدى مقالاته الشهيرة أنّه لا "يحيا" فقط في وسط هؤلاء الناس الفقراء والبؤساء "بل هو واحد منهم". ومن شدّة ما اقترب قصيري من شخصياته أو اقتربت هي منه لم يعد من السهل معرفة ان كان هو الذي يشبهها أم هي التي تشبهه في الكسل واللامبالاة، في البؤس وحبّ الحياة، في القلق والرضا... وحين سئل قصيري مرّة عن سيرته الشخصية قال من غير مواربة: "لا سيرة لي. لم أفعل شيئاً في الحياة. كلّ ما فعلت أنني أتسلّى". وقد ظنّ الكثيرون ممّن لا يعرفونه أنه هاجر مصر هرباً من الاضطهاد السياسيّ أو تبعاً ليهوديّته وقد فات هؤلاء أنّه مسيحي على طريقته وليس يهوديّاً وأنّه غير معنيّ بالسياسة. وقد عبّر مرّة بسخرية شديدة عن "عدم انتمائه" الديني والطائفي قائلاً ما ترجمته: "لست قبطياً، انني من الطائفة الأرثوذكسية الروسية أوه... انني من الطائفة الأرثوذكسية البيزنطية أوه... انني أرثوذكسي... انني... انني لا شيء مطلقاً". ومن يرجع الى روايات قصيري وقصصه يشعر فعلاً أنّه ليس إلا واحداً من هؤلاء "المواطنين" الذين اختلقهم على صورته كي يكون بدوره على صورتهم، هؤلاء الذين نسيهم العالم والقدر وكذلك بارئهم وفق ما يقول عنوان احدى مجموعات قصيري القصصية. بعد أكثر من خمسين عاماً على هجرته وطنه الأوّل وبعد ستّ روايات ومجموعة قصصية صدرت جميعها في باريس في طبعات مختلفة يفاجىء ألبير قصيري قراءه ليس فقط برواية جديدة هي "ألوان العار" بل بحذاقته الروائية أيضاً هو ابن السادسة والثمانين وذاكرته "المصرية" الثاقبة وطرافته أو دعابته وعبثيّته. ويصرّ قصيري كعادته على استيحاء مصر الخمسينات أو الستينات وعلى ولوج عالم القاهرة وبعض الأحياء الشعبية الفقيرة حيّ السيّدة زينب، الحسين.... وأطرف ما في روايته الجديدة أنّها رواية مناخ أكثر مما هي رواية أحداث. فهي تظلّ من غير نهاية محدّدة أو متوقعة وكأنّ الذريعة الرئيسية التي كان من الممكن أن تحرّك الأحداث جعلها الروائي مجرّد وسيلة للسخرية. وأقصد بالذريعة الرسالة التي وجدها أسامة النشال الظريف في محفظة سليمان متعهّد البناء وكان سرقها منه حين خروجه من نادي الأعيان. والرسالة لو أذاعها أسامة ورفيقاه اللاحقان نمر وكرم الله كانت لتثير فضيحة كبيرة إذ أنّها موجّهة من شقيق وزير الأشغال العامة الى متعهّد البناء الثري جداً والملاحق قانونياً في تهمة الغشّ في تشييد بناء لم يلبث أن تهدّم مودياً بما يقارب خمسين مواطناً. لكن الرسالة هذه، عوض أن يستغلّها النشال أسامة إعلامياً ومادياً يستخدمها كوسيلة ليذلّ بها سليمان منتقماً من طبقة الأثرياء على طريقته وعلى طريقة "رفيقه" كرم الله الكاتب والصحافي الثوري الذي سجن ومنع من الكتابة. ليست الرواية إذاً رواية أحداث مقدار ما هي رواية مناخ تصنعه شخصيات ثلاث رئيسة تتقاطع معها شخصيات أخرى أبرزها سليمان متعهّد البناء الغشاش. وان افتتح قصيري الرواية عبر الحدث اليتيم الذي قام به أسامة عبر نشله سليمان فأنّ أسامة لن يكون هو الشخصية الوحيدة أو الرئيسة في الرواية على الرغم من أهمية النموذج الإنساني الذي يمثله. وكان قصيري أصلاً استهلّ روايته استهلالاً مشهدياً واصفاً خلاله حركة "البشر" في الشوارع التي تؤدّي الى ساحة التحرير الشهيرة في القاهرة. ولم يصف هؤلاء البشر المتسكّعين والمتعطلين عن العمل والكسالى والمتنزهين في الحرّ وتحت شمس حارقة يسمّيهم ب"الهازئين الأبديين" المتصالحين مع بطالتهم وكسلهم إلا لينتقل فوراً الى أسامة النشال الظريف الذي كان يتكىء على الدرابزين مراقباً حركة هؤلاء "البشر" في العاصمة التي أضحت "قرية نمل" كما يعبّر. وبدا الروائي أو الراوي كأنّه يصف حركة البشر من خلال عيني أسامة نفسه إذ يقول: "أكثر ما كان يبهج أسامة أن يتأمّل الهباء". أما أسامة كما بقدّمه الراوي فسارق شاب في الثلاثة والعشرين، ذو عينين سوداوين "يلتمع فيهما بريق لهو دائم". وأبرز ما يميّزه كنشال اعتناؤه بهندامه ولباسه. و"أناقته" هذه تنمّ عن "فلسفة" حياة خاصة أو عن سلوك خاص وطريقة في التحايل على المجتمع وعلى الشرطة معاً كما على الحياة عموماً. فهو يجعل من "الأناقة" قناعاً يخفي وراءه حقيقته كنشال ويردّ عنه عيون الشرطة. فالأثرياء في نظر الشرطة والناس عموماً - كما يردّد أسامة ساخراً - لا يسرقون ولا يرتكبون "الحماقات" الصغيرة هذه. أمّا الفقراء في مظاهرهم الرثة فهم الذين يثيرون ريبة الشرطة. وعندما ينشل أسامة الرجل الثري أو السارق الكبير سرعان ما يستقل سيارة تاكسي ويقوم بجولة في القاهرة متنعّماً بالمقاعد الجلد الوثيرة. أمّا قسمات أسامة كشخصية فلن تكتمل إلا في مرآة والده الأعمى "معزّ" وفتاته السابقة "سفيرة" وصديقه أو معلّمه وأستاذه في مهنة السرقة والنشل "نمر". وان حضرت "سفيرة" حضوراً طيفياً سريعاً عبر لقاء أسامة بها مصادفة في مقهى قديم يتحسّر قصيري عليه وعلى ماضيه بعد أن فقد جماله فأنّ الوالد لن يحضر بدوره إلا عبر زيارة أسامة له في منزله شبه المتداعي والمهدّد بالإنهدام في حيّ "السيدة زينب" الشعبي والفقير. تحضر سفيرة إذاً كنموذج سريع للفتاة المعدمة التي اضطرت أن تبيع جسدها من أجل لقمة العيش علماً أنها لم تتعدَّ السابعة عشر ولم تفقد البراءة لحظة على الرغم من ظلال البؤس والعار والخجل التي تعرو وجهها. وحين يلتقي أسامة بها يشعر أنّ علاقته القديمة استحالت الآن صداقة و"صداقة شريفة" يحرص ألا يتخلّى عنها. وتذكّر أسامة كيف فاجأته بالسعر الزهيد الذي طلبته منه حين ضاجعها للمرّة الأولى وكيف أحبّته ووجدت فيه أملاً لم يتحقق على الرغم من صلاة أمّها ولا سيّما له كي لا يقع في أيدي الشرطة. ولم تكن سفيرة تتوانى عن تسمية نفسها "فتاة هوى" لا تليق بها كلمة: عاهرة وانطلاقاً من صفتها هذه أو انتمائها هذا وجدت فيه كسارق أو كشخص منبوذ صورة الرجل الملائم، صورة الحبيب المنتظر. وطالما ردّدت على مسمعه أنّ المال لا يعنيها مقدار ما يعنيها الحبّ. أمّا معزّ والد أسامة فشخص غاية في الطرافة بدوره، رجل عجوز ما برح يعيش أوهام الثورة ثورة العسكريين يسمّيها. وكان فقد بصره اثر ضربة هراوة أهال بها شرطي على رأسه خلال انتفاضة شعبية قامت اعتراضاً على الوضع المعيشيّ في مرحلة ما قبل الثورة. ومنذ ذلك الحين يعيش معز منزوياً في بيته وقد رفض أن يتركه كي "لا يموت في الغربة" كما يعبّر وكأن الخروج من المنزل والحيّ اعْتراب حقيقي في نظره. وكان يُفاجأ دوماً حين يسمع الناس يضحكون كما لو أنّ الحياة أصبحت جميلة فيما هو غائب عنها منزوياً في بيته وغارقاً في عتمته. وإذ كان معزّ مسروراً بأعمال ابنه أسامة ووضعه الماديّ الجيد وهكذا أهل الحيّ فأنّ أسامة كان يسأل نفسه إزاء عماء أبيه: "هل يجعل العماء الإنسان أشدّ عمقاً؟! ولئن حضرت هاتان الشخصيتان معزّ وسفيرة حضوراً طيفياً وسريعاً تبعاً لانتمائهما الى ماضي أسامة وواقعه فأن معلّمه "نمر" لن يمرّ مروراً عابراً بل سيدخل في اللعبة التي حاكاها معاً تحت اشراف زميل نمر في السجن الصحافي والكاتب كرم الله. وحين يذهب أسامة باحثاً عن نمر ويجده لا يتوانى الأخير عن تذكيره بخيانته اياه هو "المعلم" الذي أنقذه من الفقر المدقع والانتحار. وكان في ظنّ نمر أن الخيانة تمّت لاختيار أسامة عالم الأغنياء أو "السارقين الكبار" كما يقول أسامة. ويأخذ عليه انصرافه الى الأحياء الجميلة وتنكّره في الملابس الأنيقة تحاشياً للمخاطرة. وفي نظر المعلّم نمر لا سرقة بلا مخاطرة. وهو ربّما أصاب في مأخذه على أسامة. فالأخير "سارق لاه" يمتهن النشل كمهنة مسلّية وعبثية تشبه "المقامرة". وقد تعنيه التسلية والمزاح في مهنته مثلما يعنيه العائد الماديّ وربّما أكثر. فهو جاء عالم السرقة من "العدم" كما يقال وكان خاض الأعمال الصغيرة والحقيرة مسح الأحذية، التسوّل،... قبل أن يجد نفسه جائعاً ومعدماً ومقبلاً على الانتحار. ولم ينقذه من واقعه المزري إلا المعلّم نمر بعدما لفته هذا الفتى في احتقاره "الصدقة" التي تصدّق عليه بها. ولئن دخل معزّ السجن مرات فهو لم يكن يشعر بأيّ ازعاج داخل جدرانه بل كان له بمثابة استراحة مؤقتة. وحين علّم نمر الفتى أسامة حرفة السرقة واستخدام الأصابع برشاقة شعر بفرح كما لو أدّى عمل خير يأمل في أن يُحسب له في يوم الدينونة. أمّا كرم الله، المثقف الثوري والكاتب والصحافي المعارض فشخص أشدّ طرافة أيضاً من المعلم "نمر" الحليق الرأس والملتحي. فهو، بعد خروجه من السجن حيث تعرّف اليه نمر ومنعه من الكتابة لم يجد من مأوى سوى مدفن العائلة في المقبرة الشهيرة التي تؤوي ألوف المشرّدين. وفي المدفن شعر كرم الله بالفرح وكأنّه أمام مغامرة جديدة في عالم يختلط فيه الأحياء والموتى،المتمرّدون والفقراء. وفي المدفن كانت تزوره فتاة أشدّ غرابة منه وهي ليست سوى طالبة تحضّر أطروحة جامعية عنه. فتاة في التاسعة عشرة من عمرها تشعر أنّها باتت عجوزاً نظراً الى قبحها الذي تعترف به وفقرها. وكانت تأتي الأستاذ كرم الله بهدايا صغيرة راحت تثير فيه الريبة لاعتقاده أنّها تسرقها من بعض المحال. وخاف كثيراً أن يتهم هو بسرقتها بعدما استحال المدفن الى ما يشبه المحلّ الصغير. أمّا هي فكانت ترى فيه ما يشبه "المنقذ" في أفكاره ومواقفه وتبوح له أنّ كتبه أنقذتها مرّة من حال مرضية وقعت فيها. الرسالة التي وجدها أسامة في محفظة سليمان متعهّد البناء الغشاش ستكون هي مثار اللقاء الذي جمع الثلاثة أسامة، نمر وكرم الله وقد انضمّ اليهم لاحقاً سليمان الذي لبّى الدعوة الى أحد مقاهي منطقة "الحسين" الشعبية وفي ظنّه أنّ في الدعوة ابتزازاً له تبعاً لخطورة الرسالة التي تفضح علاقته "المهنية" بشقيق وزير الأشغال العامة. ولن يكون اللقاء الرباعي إلا لقاء للسخرية من سليمان وقد تواطأ الثلاثة عليه وخدعوه وأوحوا اليه أن الرسالة ستعاد الى محفظته. وكان سليمان أحضر معه مالاً ليدفع ثمن الابتزاز. وفي المقهى الشعبي الذي يكرهه سليمان يسأل كرم الله "المتعهّد الغشاش" و"السارق الكبير" والمحميّ جداً ان كان من الممكن أن تُجمع ثروة من خلال الفضيلة. وعبر الحوار الطريف الذي جرى بين الأربعة وقد شعر فيه سليمان بالذل - بل بألوان شتّى من العار - يؤكّد سليمان أنّ البناء تهدّم نتيجة هزة أرضية. وهي هزّة لم يشعر بها أحد طبعاً ولم تصب على ما بدا الا ذلك الحيّ الفقير. أما الرسالة التي تجاهلها الثلاثة في البداية تجاهلاً أزعج سليمان، فلم يلبث أسامة في الختام أن اعترف بأنّه خبّأها في بيت من الجلد يحمله في رقبته كحجاب. ويروي على سليمان حكاية مختلقة مفادها أنّ الرسالة أنقذته من موت كان محتّماً. وفي الختام يسأل سليمان أسامة غاضباً وقد أدرك اللعبة: "قل ألن تصبح سارقاً؟"، ويجيبه أسامة ساخراً "انني سارق صغير جداً أمامك". وهكذا تنتهي قصّة تلك الرسالة التي كان في امكانها أن تكون مثاراً لأحداث عدّة. لكن ألبير قصيري شاء روايته رواية مناخ ورواية شخصيات راح يرسم ملامحها ببراعة ليجعل منها "نماذج" بشرية ولكن حيّة ومن لحم ودم. وكعادته استخدم ألبير قصيري لغته الفرنسية بمهارة واتقان من غير أن يقع في التصنّع والتكلّف. وان بدت لغته في أحيان مسبوكة سبكاً أدبياً متيناً فهي لم تهمل الواقع الشعبي الذي تتمثله ولا سيّما عبر حوارات الشخصيات وعبر بعض المصطلحات أو التعابير الشعبية التي حافظ قصيري على مخزونها داخل اللغة الفرنسية نفسها ومنها مثلاً ابن القحبة، أولاد الكلب.... وكعادته أيضاً أمعن ألبير قصيري في السخرية والهزء اللذين لا يخلوان من الطابع العبثي إذ هما يتخطّيان حدود المجتمع والصراع الاجتماعي الى الحياة نفسها، الحياة في ما تمثل من مبادىء وقيم. * Albert Cossery: Les Couleurs de LصInfamie, Ed. Joelle Losfeld, Paris 99.