قال مدير الشرق الاوسط في صندوق النقد الدولي جورج عبد ان معدلات النمو في الأعوام الثلاثة الماضية في منطقة الشرق الأوسط لم تتجاوز ثلاثة الى 5،4 في المئة وأن دخل الفرد الحقيقي لم يتغير منذ عام 1982. بعد اخذ نسب التضخم في الاعتبار. وأضاف في حديث الى "الحياة"، على هامش زيارته اخيراً للبنان مع بعثة من الصندوق، ان المنطقة العربية برمتها شهدت ركوداً يعود في جزء منه الى تراجع اسعار النفط في الثمانينات والتسعينات. يعتبر هذا المسؤول في صندوق النقد الدولي ان المنطقة العربية ككل لم تحقق نمواً ملحوظاً على رغم ان بعض الدول اخذ بالإصلاح الاقتصادي وحقق معدلات نمو اعلى من غيره، موضحاً ان معظم هذه الدول دول صغرى لا تؤثر في المنحى الذي تسير عليه المنطقة ككل، كالأردن وتونس والبحرين وقطر، وإلى حد ما المغرب والسعودية في الفترة الأخيرة. ويقول جورج عبد ان الدول الكبيرة كمصر وسورية لم تشهد نمواً كافياً لخلق فرص عمل تستوعب الوافدين الى سوق العمل، مشيراً الى ان البطالة في المنطقة العربية تصل الى اعلى المعدلات التي تسجلها الدول النامية والناشئة، وتراوح معدلاتها بين 12 و27 في المئة في بعض الدول مثل الجزائر ومصر وفي دول صغيرة ايضاً مثل الأردن، كما في المغرب وتونس، لأن معدلات النمو لم تكن كافية خصوصاً ان معدلات نمو السكان في المنطقة اعلى من غيرها. ويوضح عبد، الذي يتولى قريباً منصب مستشار المدير العام للصندوق، ان معدلات النمو الاقتصادي تقارب 6،2 في المئة سنوياً فيما تنمو قوة العمل بمعدل 3 في المئة بفعل النمو السكاني وزيادة مساهمة المرأة في سوق العمل ووفود الخريجين الى هذه السوق. ويرى ان هذه الدول في حاجة الى نمو بمعدل يراوح بين ستة وسبعة في المئة سنوياً، وذلك اولاً لايجاد فرص عمل للوافدين الى سوق العمل وثانياً لخفض البطالة. ويشير الى ان تقديرات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حول المنطقة العربية للسنوات العشر المقبلة تشير الى الحاجة الى توفير مليون فرصة عمل سنوياً اذا ارادت المحافظة على المستوى الحالي للبطالة، وإلى اضافة بين سبعة و15 مليون وظيفة جديدة اذا ارادت خفض البطالة. السعودية قال عبد ان السعودية شهدت معدل نمو نسبته 5،4 في المئة "وهذا غير كاف عندما تكون البطالة عند مستوى تسعة في المئة". ويضيف ان مشكلة العمالة في السعودية لا تتمثل فقط في مستوى البطالة، وإنما ايضاً في نظام التعليم نفسه لأن الخريجين غير مؤهلين للعمل في القطاع الخاص، فيما الإنتاجية متدنية والقطاع النفطي نفسه يشكل جزءاً بسيطاً من قوة العمل، ويشكل الوافدون جزءاً كبيراً من القوة العاملة، وأكثريتها موجودة في القطاع العام، كما ان هناك مشكلة هيكلية في تركيبة هذه القوة. وبالنسبة الى السعودية يؤكد عبد انها "لا تواجه مشكلة مالية بسبب وفرة الدخل فيها على رغم ان الدين الداخلي يناهز 90 في المئة من الدخل القومي، لأن في الإمكان الاستمرار في إدارته لعقود مقبلة، إما بزيادة انتاج النفط أو لأن اسعار النفط ستبقى ثابتة كما هو متوقع، اضافة الى امتلاك السعودية موجودات ضخمة تديرها مؤسسة النقد العربي السعودي والمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية. فالبلد من هذه الناحية ثري لكن إنفاقه مرتفع جداً لأن التزاماته مرتفعة جداً سواء الداخلية او الإقليمية أو العالمية". كما يوضح ان التزامات السعودية مساعدة الدول الإسلامية والنامية تسهم في تعزيز هذا الإنفاق في شكل مهم، اضافة الى الإنفاق الأمني والعسكري والالتزام تجاه توفير الخدمات الأساسية للمواطن السعودي من صحة وتعليم. وهو يخلص الى ان السعودية عموماً حققت مستوى متطوراً من التنمية سواء في البنية التحتية او في النظام المصرفي والمؤسسات الأهلية والخدمات التي تقدمها الحكومة، لافتاً الى ان مشكلة السعودية وغيرها من الدول النفطية انه ينبغي المضي في شكل اسرع في تنويع القاعدة الاقتصادية والتقليل من الاعتماد على النفط. العراق ويذكر عبد ان "العراق كان مطلع الثمانينات بلداً متطوراً وكان معدل دخل الفرد فيه يصل الى 3500 دولار سنوياً، وكان يعتبر في ذلك الوقت بلداً متوسط الدخل مقارنة بالدول النامية والناشئة، وكانت الموجودات الخارجية في ذلك الوقت تقدر ب35 بليون دولار ولم يكن لديه اي دين. اما حالياً فيراوح مستوى الدخل الفردي بين 700 و1000 دولار، و60 في المئة من الشعب العراقي يعتمد على مساعدات غذائية وتموينية من الأممالمتحدة وعليه دين يصل الى 120 بليون دولار، اضافة الى متطلبات تعويضات حرب الخليج". وقال ان "المؤشرات البشرية انحدرت الى شكل اصبح معه العراق دولة افريقية فقيرة بمعدل عال لوفيات الأطفال". وعن سبل الخروج من ذلك، يقول عبد: "في ظل الاحتلال الذي اقره مجلس الأمن يصعب ان يأخذ العراق بعملية التنمية وإعادة الإعمار، كما يصعب التخطيط لأمد طويل والالتزام من الخارج بمشاريع طويلة الأمد، لأن المسؤول عن العراق الآن ليس حكومة وطنية. ولكن مع خروج حكومة التحالف وإقامة حكومة وطنية سيكون هناك توجه من المجتمع الدولي والشركات الدولية للتعاقد مع العراق في مشاريع ضخمة لإعادة الإعمار والتنمية"، لافتاً الى انه اذا بقي الاحتلال فعندها "تتم الصيانة وعمليات دعم وأمور مرحلية فقط بالنسبة الى قطاع النفط والبنية التحتية، لكن الاستثمارات في شكل ضخم لن تعود قبل إزالة الاحتلال". وعن تقديراته لاحتياجات الاستثمارات، قال: "وحده قطاع النفط، بحسب التقديرات، يحتاج بين اربعة وسبعة بلايين دولار، والبلد ككل يمكنه الامتصاص في افضل الأحوال بين 15 و25 بليون دولار سنوياً من استثمار رأس مالي". وأشار الى ان صندوق النقد الدولي كان ارسل اربع بعثات متتالية الى العراق لكنه سحبها بعد تفجير مقر الأممالمتحدة. وأضاف ان الصندوق يعمل الآن مع السلطات العراقية لوضع مخطط للاقتصاد الكلي للسنة المقبلة والسنوات الثلاث التي تليها "حتى نتمكن من قياس امكان نمو الاقتصاد العراقي ومعالجة موضوع الدين الخارجي ولنرى ما هو مستوى تحمل العراق لتسديد الديون في السنوات المقبلة لو فرضنا نمواً وتوسعاً معينين وتدفق رؤوس الأموال". سورية أما سورية، فيعتبر عبد ان هذا البلد "لا يزال يعاني مشاكل كبرى، لكن موقعه في الوقت نفسه محصن وليس عليه خطر". وأعرب عن الأمل في "ان ينتهج السوريون طريق الإصلاح التي نادى بها الرئيس بشار الأسد ولكن في شكل اسرع وأعمق من اجل الحصول على معدل نمو افضل. فلسورية اقتصاد كبير جداً. وإذا تمكنوا من تحرير الاقتصاد من القيود، على ان يخلقوا مرونة اكبر في الاقتصاد ككل، ففي امكان سورية ان تنشط عملية التجارة علماً انهم تأخروا كثيراً. فسورية الآن تتعامل مع الاتحاد الأوروبي، والتهديد الأميركي جعلها تنفتح على أوروبا في شكل اوسع، وتسريع المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي من اجل توقيع الشراكة الأوروبية وهو امر جيد. وينبغي ان ينفتح السوريون على بقية العالم، الصين وأميركا اللاتينية وغيرها"، لافتاً الى التأخر في انشاء نظام مصرفي عملي "لأنهم ترددوا في عملية فتح المجال للمصارف الخاصة لكنهم الآن اعطوا رخصاً لعدد من المصارف الخاصة. وفي نهاية السنة سيكون هناك على الأقل مصرف او مصرفان". وعن نصيحة الصندوق لسورية، يقول عبد: "توحيد سعر الصرف لأن هناك تشوهات في سعره، وتحرير التجارة الخارجية والإصلاح المالي. فسورية تسير في طريق الإصلاح ووزيرها الدكتور غسان رفاعي يقوم بخطوات في هذا الاتجاه. لكن يمكننا القول ان هناك بعض البطء في هذا النهج والعالم يسير بسرعة كبيرة، ولا يزال الطريق طويلاً امامهم". مصر وعن مصر قال: "مشاكلها مستعصية بسبب تراكم مخلفات الستينات والسبعينات. في اوائل التسعينات كانوا على خط صحيح، فأجروا عمليات تخصيص، وعوّموا سعر الصرف، وتم تحرير القطاع المالي النقدي، ودخلت المصارف في استثمارات خارجية، وتم الانفتاح على الخارج وأدخلت اصلاحات على الاقتصاد الكلي وانخفض عجز الموازنة الذي كان 12 في المئة من اجمالي الناتج المحلي الى صفر. كما انخفض التضخم وتحسن سعر الصرف والتدفقات المالية. ولكن منذ 1997 حدث نوع من الجمود، ربما بسبب العمليات الإرهابية في الأقصر وغيرها. والآن هناك تباطؤ في الإصلاح. وبسبب حجم مصر وعدد سكانها وتراكم المشاكل، خصوصاً في القطاع العام المكلف جداً وغير الكفي... وينبغي الإسراع في الإصلاحات الهيكلية لخفض دور الدولة والعودة الى التخصيص بسرعة خصوصاً في مؤسسات الدولة الصناعية والتجارية، والإصلاح المالي لخفض العجز من خلال ترشيد الإنفاق الحكومي خصوصاً على الدعم طبعاً مع الإبقاء على مساعدة الفقراء، لأن الدعم الموجود حالياً هو عمومي للجميع ويساء استخدامه. وفي الوقت نفسه ينبغي ان تعمل الحكومة المصرية على تحرير التجارة الخارجية وتخصيص المصارف العامة. المطلوب عملية اصلاح جذرية وفي شكل ملح وعاجل لأن النمو الاقتصادي في مصر لا يتعدى اثنين الى 5،2 في المئة فيما ينمو عدد السكان بالمستوى نفسه، ومعنى ذلك ان البطالة ستنمو". فلسطين وعن الاقتصاد الفلسطيني، يقول عبد "ان ما شهدته الأراضي الفلسطينية في الأعوام الثلاثة الأخيرة من حصار وتدمير المنشآت العامة أصاب الاقتصاد الفلسطيني بتراجع كبير بلغت نسبته 35 في المئة. وزادت البطالة بين 35 و50 في المئة في بعض الأحيان وزاد عدد من هم تحت مستوى الفقر". ويشرح ان في غزة "هناك اكثر من 50 في المئة من الذين هم تحت مستوى الفقر، وفي الضفة 30 في المئة، كما ان نظام التعليم تأخر بسبب الإغلاقات وعدم قدرة الناس على التنقل بين مدينة وأخرى. اما المساعدات الموعودة من الخارج فلم تأت في شكل كاف لا من الدول العربية ولا من الدول الأجنبية، وتوقف الاستثمار وإنفاق رأس المال لبناء مشاريع، وفي الوقت نفسه حدث دمار للبنية التحتية. والحقيقة ان الاقتصاد الفلسطيني في طور الاحتضار، ولا يمكن ان يتحمل اكثر مما تحمله بعد الآن. ليس هناك اقتصاد في العالم تحمّل ما تحملته الأراضي الفلسطينية". لبنان ويلاحظ ان لبنان "كان مقبلاً على فترة حرجة جداً لمدة ست سنوات الى 2002، وكان ذلك حافزاً لتعبئة الجهود ولإيجاد وفاق وطني على ضرورة الإصلاح الاقتصادي. وتمثل الوفاق على ضرورة الإصلاح في البرنامج الذي اخذه رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري ووزراءه الى اجتماع باريس -2 وعلى اساسه تم تجاوب المجتمع الدولي وأصدقاء لبنان في شكل ايجابي، ما ساعد على تحويل مناخ السوق من سلبي جداً الى ايجابي جداً لأن الدول الصديقة للبنان قدمت مساعدات مالية في شكل قروض طويلة المدى وبأسعار فائدة مخفضة ما خفف عبء الدين على لبنان". وبضبف: "عندما قدم المجتمع الدولي المساعدات للبنان كانت مشروطة على اساس ان يلتزم برنامج الإصلاح الذي قدمه في "باريس -2" ونفذ المجتمع الدولي ما عليه، واستمرت السياسة المالية في لبنان الى 2003 في بعض الإصلاح. لكن الملاحظ ان موازنة 2004 بدأت بالتراضي او عدم الأخذ بالإصلاح الجذري في النظام المالي ونظام الضرائب وتوسيع القاعدة وخفض التسرّب وتعديل تعرفة شركة الكهرباء، هذا ما كان بدئ به في موازنة 2003. التخصيص لم يتم، وهو ضحية نقاش سياسي وكأنه تأجل الى نهاية السنة المقبلة، وأُدخل في موضوع الاستحقاق الرئاسي وأمور سياسية والكل قال لنا انه لن يحدث شيء". ويقول عبد: "ان صندوق النقد الدولي نصح لبنان بالاستمرار في التصحيح المالي والقيام بمشروع تخصيص واضح وأن يحدث اتفاق عليه وإذا لم يحدث سيبقى لبنان على شفير الهاوية حتى نهاية السنة المقبلة". الجزائر وعن الجزائر يقول عبد: "بدأت الجزائر برنامج تصحيح اقتصادي في 1994 عندما لجأت الى صندوق النقد الدولي ونفذت برنامج اصلاح اقتصادي لا بأس به لإعادة توازن الاقتصاد ككل وتصحيح وتحرير التجارة الخارجية. لكن منذ 1999 توقفت الإصلاحات بعدما شعروا مع ارتفاع اسعار النفط ان لديهم ما يكفي من الأموال". ويضيف: "ما زالوا يضيعون الوقت على رغم ان لديهم فائضاً كبيراً، ولديهم احتياطي من العملات يقدر ب27 بليون دولار. فالدين الجزائري الخارجي اقل من الموجودات وهو بمستوى 22 بليون دولار، والزلزال الأخير ادى ايضاً الى تراجع، لكن عدم قدرة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على السماح لدم جديد يقوم بالإصلاحات المطلوبة اضاف الى المشاكل الكبرى الداخلية والهيكلية الموجودة، فلدى الجزائر مشكلة سياسية مع المغرب ورأى الصندوق ان هناك توجهاً ايجابياً من المغرب نحو اعادة العلاقات التجارية مع الجزائر وإعادة فتح الحدود". وزاد: "عندهم شلل سياسي ويلاحظ ذلك بحزن لأن الجزائر تستحق الازدهار لأنها دولة كبرى وثرية". ليبيا ويتابع عن ليبيا انها "بدأت تتحرك علماً ان ليست لديها خبرة في التحرك نحو السوق العالمية لكنها بدأت تحرر التجارة الخارجية، ووحّدت سعر الصرف وبدأت تستدعي الاستثمارات الخارجية وتبدي استعداداً للتخصيص وتشجيع الاستثمار الخارجي وتنمية القطاع الخاص. ليبيا تأخرت 30 سنة لكن الرئيس معمر القذافي اكتشف الآن ان هناك ضرورة للتحرك ورتب اموره مع الأممالمتحدة وهو يحاول العمل مع اوروبا". ويقول: "ذهبت الى ليبيا في ايار مايو وهناك توجه جيد من الجانب الليبي وأرسلنا بعثة للتدريب الى ليبيا. نقدم لهم مساعدات فنية في مجال تحرير النظام النقدي وتشجيع المصارف الخاصة وإعداد الموازنة في شكل عصري وخدمات فنية للتجارة الخارجية".