كان خطأ عمْر إحدى الطالبات الاجنبيات في الجامعة الفرنسية في مصر، عندما وقفت في احدى المحاضرات لتقول عرضاً "المصريون شعب متخلف!". قالت كلمتها بثقة كأنها حقيقة واقعة ثم عادت للجلوس كأنها لم تقل شيئاً، لكن مَن حولها سمعها، ولم تمر الكلمة مرور الكرام. بعد انتهاء المحاضرة خرج الطلبةُ المصريون ليتجمعوا حولها بعيداً من اعين الاساتذة، وليبدأ كلٌ منهم في التعبير عن احتجاجه على كلمتها بطريقته الخاصة... أحدهم سخر منها، بينما طالبتْها زميلة اخرى بأن تعود ببساطة إلى بلادها ما دامت مصر لا تعجبها. لم يتوقع احد مثل هذا الموقف من طلاب الجامعة الفرنسية الذين كان المجتمع ينظر اليهم كما لو انهم يعيشون في عالم آخر، لا يرتبطون فيه بمصر ولا بأهلها. انشئت الجامعة الفرنسية قبل ثلاثة اعوام تقريباً في مدينة الشروق على طريق القاهرة الاسماعيلية الصحراوي، تزامناً مع مشروع آخر، لم يقل عنها في الدعاية او اثارة الجدل وهو مشروع الجامعة الالمانية. وكِلا المشروعين اثار العديد من التساؤلات، ومن الاراء المؤيدة او المعارضة، وكان ما يميزها هو تلك الاستثمارات الكبيرة التي تخصص لانشائها. وبلغت استثمارات المرحلة الاولى من تنفيذ مشروع الجامعة الفرنسية وحدها نحو 30 مليون جنيه من رؤوس الاموال المصرية، اضافة إلى الدعم المالي الذي تقدمه لها الخارجية الفرنسية. تلك الحقائق المادية عن الجامعة الفرنسية اثارت موجة تساؤلات ابرزها: من هم الطلاب الذين سيرتادون؟ من الذي يقدر على تحمل تكاليف الدراسة فيها التي تقدر بنحو 40 ألف جنيه؟ واكبر انتقاد وجه الى الجامعتين الفرنسية والالمانية لدى طرح فكرة انشائهما هو انهما ستخلقان طبقة جديدة من الشباب المعزول عما يحدث حوله، يشعر بالتميز والتفوق عن سواه. لكن الواقع اثبت العكس، اذ بدا ان الطلبة المصريين في الجامعة الفرنسية التي بدأت التدريس منذ عامين، مصرّون على تأكيد خطأ الانطباع المسبق المأخوذ عنهم. كارول سليم طالبة في السنة الثانية في الجامعة، تؤكد انها مثل اي فتاة مصرية عادية تشعر بحب شديد لمصر، ولا تفهم ما يردده البعض حول فقدان كل من يدرس في جامعة اجنبية ارتباطه ببلده: "هذا الانتقاد نفسه كان موجهاً لطلبة الجامعة الاميركية من قبل ثم اثبت الزمن والاحداث انهم لا يقلون وطنية عن بقية الطلبة". ويلتقط زميلُها احمد خالد طرف الحديث ليقول: "ربما يكون الاختلاف في اساليب التعبير عن الرأي. ربما يميل طلبة الجامعات الاجنبية إلى الاساليب التي تلجأ اليها الشعوب الذين يدرسون ثقافاتها، فلو قررنا الاحتجاج، للجأنا الى الاعتصام خارج الصفوف او المسيرات السلمية، لكن من غير الوارد تماماً ان نحتج بالصياح او حرق الأعلام!". الاتهام الدائم الذي يطارد طلبة الجامعة الفرنسية هو الاتهام بالتفاهة والسطحية، والاعتماد على مال ذويهم للنجاح وبأن ما يعرفونه عن معاني النضال والكفاح هو النضال "بعصا الآيس كريم" والكفاح لكسر الرقم القياسي في سرعة قيادة السيارات الفارهة! ويحلو لطلاب الجامعات المصرية الاخرى اطلاق هذه الاتهامات على زملائهم في الجامعة الفرنسية، ما يثير غيظ الطالب سالم سعيد الذي يؤكد انه ليس من هذا الطراز: "ليس ذنبي انني ولدت لأبوين ثريين، ولا يعني هذا انني لا احمل للدنيا همّاً. رأسي مليء بالطموحات التي اتمنى تحقيقها، وربما كانت اكثر مشقة بكثير من طموحات غيري الذين لم ينالوا حظي في التعليم. كلما زاد انفاق ابي على دراستي شعرت بتزايد المسؤولية كي لا يشعر أنه أنفق ماله من دون جدوى". ويضيف سالم: "من الطبيعي اننا نشعر بالاعجاب بفرنسا لأنها ثاني ثقافة تربينا على مبادئها، لكننا كذلك اكثر من يدرك المساوئ الموجودة فيها، واكرر انها ثاني ثقافة تربينا عليها". لكن هذا النموذج ليس وحده السائد في الجامعة الفرنسية. فعندما تدخل إلى مبنى الجامعة، تشعر فجأة انك انتقلت إلى بهو فندق خمس نجوم وليس الى مجرد مبنى جامعي. بناية مشيدة على احدث الطرز المعمارية ينطق بالذوق والثراء بلونيه الابيض والبترولي. وفي ارجاء ذلك المبنى يتجمع بعض الشباب الذين يتصرفون باستهتار وغرور واضحين، يقابلهما صرامة شديدة من قبل القائمين على التدريس. وما يثير الاهتمام هو ما تبذله رئيسة الجامعة الفرنسية تهاني عمر من جهد للحد من وجود هذه الفئات، فهي تشترط اولاً كما يؤكد الطلاب، الحصول على مجموع مناسب في الثانوية العامة. ثم تعقد اختبارات تحريرية وشفوية عدة للوقوف على مستوى اللغة الفرنسية والانكليزية لمن يتقدمون إلى الجامعة، وترفض اي وساطة او رجاء لتمرير من هو ادنى من المستوى المطلوب ولو قليلاً. وتنطلق عمر في رحلات الى الخارج لتبرم اتفاقات مع كبرىات الجامعات الفرنسية مثل "السوربون" و"باريس 9" و"باريس2" لتزويدها بأساتذة وكوادر للتدريس إلى جانب الاساتذة المصريين. ويرى كثيرون ان تهاني عمر نفسها تمثل عامل اختلاف في الجامعة الفرنسية. فعلى عكس الجامعة الاميركية، رئيسة الجامعة الفرنسية مصرية وليست اجنبية، وعملت سابقاً سفيرة مصر لدى منظمة "اليونسكو"، ما جعلها تدرك تلك الفوارق الحساسة بين الثقافات وتفهم اهم ما يراه الغرب في مصر واهم ما تحتاجه مصر من الغرب.