الجامعة الاميركية في القاهرة تشغل اهتمام الكثيرين، احياناً بسبب مكانتها العلمية والرغبة في الحاق الابناء بها، وأحياناً لمقارنتها بالجامعات الخاصة في مصر، وأحياناً أخرى لانتقادها. والفريق الأخير لديه مادة ثرية للانتقاد، فالجامعة "أميركية"، وهي كلمة كفيلة بإثارة الجدل، كما أنه معروف عنها احتواؤها أبناء الصفوة، وتخريجها العناصر التي تتهافت على توظيفها المؤسسات والشركات والبنوك الكبرى. رئيس الجامعة الدكتور جون غرهارت تحدث الى "الحياة" عن مستقبل الجامعة، وعن حساسية منصبه الذي هو أشبه بالعمل الديبلوماسي، وعن طلاب الجامعة وانخراطهم وابتعادهم عن المجتمع المصري. كما تحدث عن أحلامه للجامعة التي شرع قبل عام في العمل على تحقيقها بعدما حقق الكثير لمؤسسة "فورد" العالمية على مدى 30 عاماً. ماذا تحمل في جعبتك للجامعة الاميركية في القاهرة؟ - تحتل الجامعة الاميركية مكانة مميزة في التعليم العالي في مصر، على رغم أن الطلاب الملتحقين بها لا يمثلون سوى واحد في المئة من مجموع الملتحقين بالجامعات، ولأننا جامعة اللغة الاساسية فيها أجنبية، فإن خريجينا قادرون على الالتحاق بجامعات أجنبية في الخارج لاستكمال دراساتهم العليا، لذا فنحن نركز على التخصصات التي يطلب فيها اتقان الانكليزية مثل الإعلام، والعلاقات الدولية، إدارة الأعمال والهندسة وغيرها. وهي مجالات تحتاج فيها مصر الى أشخاص متمكنين من الانكليزية، فهدفنا الأساسي هو تحسين النوعية المقدمة في الجامعة، ونؤمن أن مصر تستحق الأفضل بسبب دورها المتنامي في العالم. ونحن نحاول تحقيق ذلك بطرق أربعة. أولاً: تحسين نوعية الطلاب، ففي هذا العام قبلنا طالباً واحداً من بين كل أربعة طلاب، وفي العام الماضي قبلنا طالباً من بين كل ثلاثة متقدمين، وكلنا يعلم أن المجاميع التي يحرزها الطلاب في الثانوية العامة في زيادة مستمرة. ثانياً: نحاول رفع مستوى هيئة التدريس، وللمرة الأولى يتم تعيين شخص مهمته اختيار الاساتذة وتعيينهم. فمن قبل كنا نكتفي بنشر إعلان وتعيين الشخص الأنسب، والطريقة الجديدة الغرض منها البحث عن أشخاص بمواصفات معينة، فمثلاً، هذا العام عينا رئيس قسم الهندسة في جامعة كاليفورنيا، وهو مصري أميركي اسمه الدكتور مدحت هارون. ونحاول أن يكون هناك أفضل الاساتذة في كل تخصص. ثالثاً: لدينا مكتبة ممتازة فيها 300 ألف كتاب، وهي أفضل مكتبة أجنبية في مصر. ومعدل انفاقنا عليها يبلغ ثلاثة ملايين دولار سنوياً. كما ننفق الكثير على الاشتراكات الالكترونية لأننا نؤمن أن هذا هو مستقبل الصحف والمجلات، وسنستكمل الاستثمار في هذا، لأننا نؤمن أن المكتبة موقع القلب لأي جامعة جيدة. رابعاً: المرافق، فنحن نعاني حالياً من الازدحام الشديد في مباني الجامعة. نود أن نبني مبنى جديداً يحوي كل مرافق الجامعة وهو ما بدأنا فيه فعلاً. وأوضح أننا أقدمنا على هذه الخطوة لأسباب تتعلق بتحسين النوعية. ونعتقد أن الجامعة الجديدة ستكون مهمة لمصر، فهي استثمار قدره مئتا مليون دولار اميركي، ما سيوفر فرص عمل وعقوداً عدة، كما أنها ستكون جامعة ذات مستوى عالمي ومصدراً لفخر مصر. خريجونا يتمتعون بآفاق مهنية ممتازة وعلى سبيل المثال، جاء ممثلون عن شركة مايكروسوفت في العام الماضي، وعقدوا اختبارات ل180 شاباً وفتاة. وخمسة من السبعة اشخاص الذين اختاروهم للعمل معهم كانوا طلاباً في السنة النهائية في الجامعة الاميركية، كما اختاروا أربعة طلاب آخرين في الربيع الماضي. وفي امتحانات القبول للالتحاق بالسلك الديبلوماسي، بلغ عدد خريجي الجامعة الناجحين ثلث العدد الكلي، ومسؤوليتنا هي الحفاظ على وتنمية هذه النوعية الراقية من التعليم، كما أننا فخورون بأننا جامعة دولية. ف10 في المئة من الطلاب من دول عربية، و5 في المئة من 60 دولة اجنبية و2 في المئة طلاب اميركيون أغلبهم يدرس اللغة العربية. ولدينا أكبر مطبعة للإصدارات باللغة الانكليزية في الشرق الاوسط، ونطبع نحو 40 كتاباً سنوياً، جميعها يتعلق بمصر والشرق الاوسط، وهذا يساهم في تقليل نسبة جهل المعلومات عن منطقة الشرق الاوسط، إذ أن لدينا قاعدة واسعة جداً من القراء في جميع أنحاء العالم. وأشير إلى أهمية مجال البحث في الجامعة، فلدينا مثلاً مركز الأبحاث الاجتماعية، ومركز تنمية الصحراء، وغيرها. تجربة مصر مع الجامعات الخاصة حديثة نسبياً. فما تقويمك لهذه التجربة؟ وهل هناك منافسة بينها وبين الجامعة؟ - الجامعات الخاصة ظاهرة جيدة، ونتمنى أن تكون هناك منافسة، لكن الوصول الى ما نحن عليه حالياً استغرق 80 عاماً، ولم يحدث بين يوم وليلة. كل جامعة من هذه الجامعات ستتخصص في المجالات التي تبدع فيها، ثم ستصبح رائدة بطريقة أو بأخرى في المجالات التي لا تطرقها الجامعة الاميركية كما ستكون هذه الجامعات مصدراً للإبداع والأفكار الجديدة. واشير هنا الى أننا اجرينا دراسة على الطلاب الذين قبلتهم الجامعة، وعلى رغم ذلك لم ينضموا اليها. ووجدنا ان غالبيتهم فضل الالتحاق بكلية الهندسة قسم عمارة، أو بكليات الطب، وهما مجالان لا تطرقهما الجامعة. منافستنا الحقيقية مع الجامعات التي يلتحق بها الطلاب في الخارج، فالجامعة الاميركية تنافس الجامعات البريطانية والالمانية والاميركية والكندية. هل تنوون إضافة تخصصات أو درجات أخرى في الجامعة؟ - أضفنا تخصصين هما الاحياء والتاريخ، وسنضيف الهندسة الالكترونية ليتزامن مع انتقالنا الى المبنى الجديد للجامعة، ولم نفكر في منح درجة الدكتوراه لاننا نعتقد أنه في مصلحة مصر ان يتوجه الخريجون الى الخارج للحصول على درجة الدكتوراه، كما أنه ليس من المستحب ان يحصل الطالب على درجة الدكتوراه من الجامعة نفسها التي درس فيها من قبل، لأن الاساتذة أنفسهم سيدرسونه، وطلابنا يتوجهون فعلاً الى الخارج، ويسمح لهم بالالتحاق في أي جامعة في العالم. إلا أن أعضاء هيئة التدريس يريدون ان نمنح درجة الدكتوراه، لأنهم في حاجة الى من يساعدهم في التدريس من حملة الدكتوراه. وربما نقدم على هذه الخطوة مستقبلاً في الاقسام الكبيرة. ما الذي يدفع أي طالب عربي الى أن يدرس في الجامعة الاميركية في القاهرة وليس في بيروت أو العكس؟ - الجامعة الاميركية في بيروت عظيمة، والجامعة هنا تم تخطيطها على غرار مثيلتها في بيروت في البداية، كما أن لديهم مقراً جميلاً. والجامعة هناك مهمة جداً للبنان، إلا أنه اثناء الحرب الاهلية فقدت اساتذتها الاجانب الذين تركوا لبنان، وستستغرق إعادة بناء ما فقدته الجامعة وقتاً. لذا نشعر أننا في الوقت الحالي أقوى من الجامعة الاميركية في بيروت. ونتمنى أن يصبحوا أفضل من الجامعة الاميركية في القاهرة مرة أخرى. البعض يلمح الى أن وظيفة رئيس الجامعة الاميركية في القاهرة ذات طابع ديبلوماسي. ما مدى صحة ذلك؟ -اتمنى ذلك، مهمة الرئيس ان يكون ذا نظرة خارجية، فالعمداء يهتمون بالشؤون الداخلية التي يديرها المجلس الاعلى إدارة جيدة. ومهمة رئيس الجامعة أن يكون حلقة وصل جيدة بين الأمناء الذين يملكون الجامعة ويجمعون الأموال اللازمة لها، والخريجين، والحكومة والمؤسسات والجهات الاخرى. لست مؤهلاً لأكون المسؤول الأول من الناحية الاكاديمية، ولا يمكن أن يكون أحد متخصصاً في 33 مجالاً أكاديمياً. عامة المصريين ينتقدون طلاب الجامعة بأنهم منفصلون عن المجتمع المصري. هل هذا صحيح؟ - نعم، ولا. فقد رأيت عدداً من الطلاب يمكن أن أصف فهمهم لمصر بأنه "غير مُرض"، ونحاول أن نعرضهم للمجتمع المصري، فالبعض ابناء ديبلوماسيين عاشوا في الخارج طيلة حياتهم، وآخرون اميركيون مصريون، والحقيقة انني مبهور بعدد الجماعات الطلابية التي تجمع الاموال والتبرعات للملاجئ والمدارس الفقيرة في مصر، وعموماً طلابنا على دراية كافية بمصر، وسأكون سعيداً بمقارنة معلوماتهم بمعلومات طلاب آخرين في مصر. وطبعاً فيلم "صعيدي في الجامعة الاميركية" تطرق الى هذه الجزئية بأسلوب مضحك ولطيف، ولم أتضايق من الفيلم لأني اعتبرته مضحكاً واعتقد أن الممثل محمد هنيدي كان ممتازاً. ينظر دائماً الى الجامعة الاميركية في القاهرة على أنها جزء من الولاياتالمتحدة الاميركية موجود في مصر، هل تواجه صعوبات في عملك كرئيس للجامعة، لا سيما ان العلاقات المصرية - الاميركية ليست في أحسن حالاتها؟ - حين نقول الجامعة الاميركية، نقصد الاسلوب الاميركي في التعليم الحر الذي يركز على التعليم العام وليس على مهن بعينها، من هذا المنطلق نحن جامعة اميركية، لكنها ليست "اميركية" من المنطلق السياسي، ونحن لا نمثل الحكومة الاميركية ولا نتلقى أي ارشادات أو أوامر منها، والمسألة التي يستعصي على الكثيرين فهمها هي اننا نجمع مبالغ طائلة في اميركا، كما نحصل على دعم من الحكومة الاميركية، لكن لسنا جزءاً منها. ف85 في المئة من الطلاب مصريون، و60 في المئة من اعضاء هيئة التدريس مصريون. ولا نريد أن نغير اسم الجامعة، لأنه يرتبط في الاذهان بالجودة ونوعية التعليم الذي تحتاجه مصر. إننا جامعة مصرية تخدم المصلحة المصرية. نختلف اختلافاً بسيطاً لأننا نعتمد على لغة أجنبية، لكن بعد 20 عاماً سيكون في مصر جامعات اجنبية عدة. ما شعورك تجاه المقالات المعادية للجامعة التي تنشر في عدد من الصحف والمجلات المصرية؟ - اجد صعوبة احياناً في فهمها، لأن نسبة كبيرة من التقارير الصحافية مليئة بالاخطاء، لكن هذا لا يعني ألا نهتم بها، فكوننا جامعة اجنبية، وكلمة "اميركية" في اسمنا، وتشجيعنا للتعليم الحر يجعلنا دائماً تحت الملاحظة. وقد كانت الجامعة دائماً مجالاً للجدل، ففي عام 1929 شهدت قاعة ايوارت تظاهرة بسبب متحدث يشجع منح المرأة حق التصويت، وفي عام 1939، خرجت تظاهرة اخرى لأن أم كلثوم احيت حفلة في الجامعة، وفي عام 1954 حدثت تظاهرة أخرى لأن طه حسين القى محاضرة في قاعة ايوارت. عملت مديراً لمؤسسة فورد، هل هناك تشابه بين المنصبين؟ - ليس هناك اختلاف كبير، فمؤسسة فورد تمول جامعات وأعمالاً اكاديمية. وعملي كان اتخاذ قرارات خاصة بشؤون اكاديمية، لذا فنوعية القضايا متشابهة جداً، الفرق هو أنني كنت في الجانب المعطي وانتقلت الى الجانب المتلقي.