عندما يقطع توهج الألعاب النارية سكون ليل هذه السماء في العاصمة الاماراتية، ويتسلم المتوج بكأس العالم للشباب، الكأس الغالية، من يد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان نائب ولي عهد أبو ظبي... سيعلم الجميع هنا... بأن نهاية ذلك الحلم الجميل الذي دخل حياتهم وتعايشوا على ايقاعه 21 يوماً... قد أزفت... ليغادروا ملعب مدينة زايد وفي الذاكرة صور رائعة عن قدرة كرة القدم وشبابها على تغيير حياة الناس وعاداتهم وطقسهم اليومي... سيعود شريط الذاكرة لحمى الاستعدادات لاستقبال 24 منتخباً كروياً، الاجراءات الأمنية وحساسية بعض المنتخبات الغربية... الحضور الجماهيري الذي فاق كل التوقعات... تألق منتخبهم القومي وبروز "أسطورة" اسماعيل مطر... رجالات الفيفا يستحمون تحت اشعة شمس الربيع الاماراتي... ونجوم المستقبل في كل الدنيا الذي اعلنت الامارات شهادة ميلادهم... حركة السير التي اصبحت مكتظة على غير عادتها والحركة في محلات التسوق... انتعاشة الصحافة والاذاعات المحلية بعد صمت التلفزيون. ولكنهم سينتبهون الى ان تلك الاشياء الجميلة اصبحت ذكرى وفعلاً ماضياً ليعودوا الى تفاصيل حياتهم العادية... ومشاغل الدوري المحلي والاسئلة الحارقة للرياضة الاماراتية... ربما بدا ان العقلية النقدية واستخلاص الدروس من التجارب لا تزال تراوح مكانها هنا. ولكن من دون شك ان كل اماراتي تابع هذا المونديال خامرته اسئلة حارقة وحركت سكونه لعل من أبرزها: لماذا تعثر "المنتخب الابيض" في الدور الاول ثم تمكن من تجاوز العقبة الاسترالية الصعبة؟... لماذا لم يكتمل الحلم وأطاحت به الماكينة الكولومبية؟... والأهم من ذلك كيفية استثمار هذا التقدم من اجل الارتقاء بكرة القدم الاماراتية الى مصاف النخبة المتميزة دولياً... كشف اسماعيل مطر قائد الشباب عن نقطة الضعف القاتلة في المنتخب الاماراتي قائلاً ان غياب التجانس ما بين اللاعبين وتفاوت قدرتهم الاحترافية لم يسمح للامارات بان تذهب بعيداً". وصرح الانكليزي روي هودجسون مدرب المنتخب الاول عشية كأس الخليج بأن "العقم الهجومي يؤرقه". لا شك في ان هذا المونديال أنعش آمالاً عريضة في تحريك المياه الراكدة في الرياضة الاماراتية وتعزيز مكانة منتخباتها الوطنية الا ان هذه الآمال لطالما اصطدمت بعقبة صعبة تعود لطبيعة التركيبة السكانية وضعف الشريحة المحلية مقارنة بإجمالي عدد سكانها... وعلى رغم ضخامة الامكانات المالية والبنية التحتية الرياضية الجيدة والدعم اللامحدود الحكومي للشباب، لا تزال الكرة الاماراتية حبيسة الطفرة والبروز الموقت لتعود بعدها الى سبات عميق... وشهدت الامارات بعد تتويج نادي العين هذا العام بكأس ابطال آسيا، جدلاً واسعاً حول حيوية تعزيز المنتخبات الوطنية بالكفايات الاجنبية واللجوء الى التجنيس. اصبح لاعب العين الايفواري أبو بكر سانجو رمزاً لهذا الجدل واصبحت المسألة حديث المدينة ومجالس كبار قادتها الرياضيين، ولكن كان يكفي تصريح لاحد الشخصيات الرياضية في البلاد الذي أبدى تخوفاً من خوض هذه التجربة. ليشهد ذلك الزخم المتحمس للانفتاح فتوراً وتعود الحساسيات ما بين الاندية لتطفو على السطح... وتعلق قضية التجنيس الطارئة الى حين. فاجأ الحضور الجماهيري في كل مباريات هذه البطولة التوقعات الاكثر وردية، فللمرة الاولى في تاريخ كرة القدم الاماراتية تشهد المباريات معدلاً قياسياً في الحضور الجماهيري بلغ 5،19 ألف متفرج... وعزا البعض ان سياسة الابواب المفتوحة والتذاكر المجانية والمسابقات وجوائزها المغرية كانت وراء هذا الزحف الشعبي الى الملاعب... أبرز تواصل هذه الظاهرة بعد خروج المنتخبات العربية، بأن مسألة المال لم تعد التحدي الاكبر في علاقة جماهير الامارات في الملاعب وبأن عشقها للكرة يتجاوز الالوان والرايات، فحيثما تكون المتعة والفرجة تكون الجماهير وعشاق اللعبة. ربما كان تأثير المونديال على مباريات الدوري المحلي محدوداً في علاقته بالحضور الجماهيري ولكن هذه البطولة كشفت عن عناصر قوة في طبيعة التركيبة السكانية لهذا البلد لم توظف بصفة جيدة، فمع توافر الدعم المالي، لماذا عانى المنتخب الاول من غياب المباريات الودية لمدة عام ونصف العام باستثناء مباراة يتيمة مع نظيره المصري؟ كيف لم يفكر اتحاد الكرة في دعوة منتخبات من الدول الاخرى خصوصاً تلك التي تتمتع بقاعدة شعبية هنا، فيستفيد المنتخب من تجارب الآخرين وتتعزز علاقة المواطن والمقيم بملعب كرة القدم... شهد مونديال الشباب حضوراً نسائياً لافتاً في مدرجات الملاعب وحطمت المرأة الاماراتية حاجزاً مجتمعياً في المدرجات ولجان تنظيم البطولة حيث قدمت وجهاً مشرفاً للفتاة المعتزة بهويتها والمنفتحة على الثقافات الاخرى. ولا تزال الرياضة النسائية في البلد تحت درجة الصفر حيث لا تتمتع الفتاة في المدارس بحقها في التكوين الجسماني فما بالك بالرياضة في الاندية والمنتخبات فهل يقطع مونديال الشباب التردد الاماراتي تجاه اسئلة الرياضة الضاغطة؟