بلغت نجوميته وشهرته الآفاق في وقت مبكر من عالم الرياضة الحديثة في عالمنا العربي (سبعينيات القرن الميلادي الماضي)، وارتقت شخصيته كلاعب وكإنسان إلى مكانة جدلية ليست لها حدود، بل إن البعض وصفه ب «النزق» في فترتي لعبه لنادي الاتحاد السعودي كواحد من أوائل نجوم الكرة العربية الأبرز الذين شهدتهم ملاعب المملكة، بل يكاد يكون أبرز لاعب أجنبي تشهد له الملاعب السعودية بهذه المكانة من الرفعة في كرة القدم يومها، كيف لا وهو النجم الذي اكتملت فيه عبقرية الفكر الكروي، إضافة إلى الاستعداد البدني الذي تحتاجه كرة القدم في تلك المرحلة من الزمان لاكتمال النجومية، وكلنا أبناء تلك المرحلة نعلم إلى أي مدى تضاعفت نجومية تميم الحزامي وهو يقود كتيبة التميز في المونديال وفيها عظام هم: طارق دياب، نجيب الإمام، ونجيب غميض الذي زامله في نادي الاتحاد السعودي، أيضا الراحل علي الكعبي الذي لعب للهلال السعودي يومها مزاملا البرازيلي ريفالينو، ومنهم من لعب للنصر السعودي العقربي وعقيد وغيرهما، نجومية هؤلاء كانت ستكون في السماء والذاكرة بشكل أكبر لولا المصادفات في مباراة بولندا مع تونس والتي كان أبرزها ضياع كرة تميم «في العارضة»، والتي كان من شأنها إدراك التعادل بعد فوز كبير على المكسيك 3/1، وقبل التعادل مع ألمانياالغربية يومها قبل إعادة توحيد الألمانيتين، ألمانيا باكينباور التي جاءت إلى بيونس آيرس يومها وهي حاملة لكأس مونديال 1974م، من هنا سيكون حديثنا مع الكابتن تميم الحزامي كحديث ذكريات تواقين إليه، خلال زيارة إلى تونس راودني حب دفين أشعر به يسكن وجدان الشارع الرياضي السعودي للنجم تميم الحزامي، أتصلت به واتفقنا على موعد يجمعنا لإجراء حوار ل «عكاظ»، رحب واختار موعدا يجمعنا في معرض الكتاب المقام هناك فالتقينا وكانت هذه الخلاصة: أجواء ثقافية • دعني أسألك أولا: لماذا اخترت موقع معرض الكتاب بالذات للقائنا، وكيف هي علاقتك بالكتاب؟ أولا نرحب بكم في تونس، ثانيا جميل أن يكون لقاؤنا مرتعا ثقافيا نجد فيه ما يتناغم مع أجوائنا الثقافية، ثم إنها دعوة غير مباشرة لكم لحضوره ومشاهدة الجناح السعودي الخاص بكم في المعرض. جانب شخصي • علاقة تميم الحزامي تحديدا بالكتاب كيف هي؟ في سؤال كهذا من المفترض العودة إلى تونس والشعب التونسي معرفيا وثقافيا، هذا الشعب المعروف ثقافيا بأنه مذهل وهو يتعاطى مع الحياة الثقافية بشكل عام، وكما ترى أن واحدا من أعظم نجاحات معارض الكتاب الدولية هو ذاك الذي يقام في تونس، اهتمامي بالكتاب جانب شخصي من جوانبي الثقافية التي أعتز بها والتي رافقتني طوال عمري، فهو متعة أساسية وإضافية في نفس الوقت لي كإنسان وكمحب له. هاجس الكرة • تميم الحزامي نجم الأمس والذي أضحى اليوم تاريخا من حياة الرياضة العربية، كيف يقضي حياته اليومية اليوم؟ إذا حاولت الابتعاد عن كرة القدم كلاعب واسم فاعل فيها بالأمس لن تستطيع، فهي من يسكنك ويطاردك بأي حال من الأحوال، وأنا حياتي عادية جدا فتجدني أتابع مصالحي التي لم أكن أستطيع إدارتها وأنا لاعب محترف، إضافة إلى قربي اليوم من الناس أكثر من الأمس، وعلى وجه الدقة أقول إنني مليء بهاجس الكرة إلى أخمص قدمي، فالكرة تأخذ منك أكثر مما تخصص لها من وقت واهتمام، وأنا يهمني أيضا أن أكون متابعا للكرة في بلدي وتأهلاتها في الملتقيات العالمية والدولية الكبيرة، ومتابعة نوابغ الكرة التونسية الشباب اليوم كذلك ما تجود به أرحام الدول العربية من نجوم كبار وموهوبين في دنيا الكرة. سبب النجومية • الجمهور التونسي الذي طالما ردد في الملاعب: الله الله الله.. تميم بن عبدالله، كيف علاقتك به اليوم وأنت معتزل؟ دعني أقول لك بداية أنا أحبهم أكثر مما يحبونني، هم سبب نجومية وتصاعد مستوى تميم من مرحلة لأخرى، صدق أنني أسعد باحترامهم ولقائهم لي بابتسامة في السوق والمقهى والشارع وكارفور وغيرها من الأماكن التي نتواجد فيها، هم الوقود المهم للاعب كرة القدم تحديدا وللرياضي على وجه الخصوص. مرحلة بسيطة • هل بالإمكان سؤالك حول الفترة الانتقالية في حياتك بين نجوميتك كلاعب وبين سكون الاعتزال أقصد المرحلة التدريبية؟ هذه كانت مرحلة بسيطة جدا، أنا لم أرتح بها نفسيا، بل أمررها غالبا بشكل سريع في سجل حياتي مع الرياضة. كلمة أوروبية • كنت تتوقع ميسي ومجموعته في المنتخب الأرجنتيني من جانب والكتيبة البرازيلية من جانب آخر في الأدوار النهائية؛ إعجابا منك بكرة أمريكا الوسطى والجنوبية، فما الذي أطاح في رأيك بأحلامهما؟ المعطيات دائما تجعلك ترشح جانبا ما، أقصد ما تراه في بدايات المونديال ناهيك عن متابعتك للتصفيات قبل المونديال، كنت بالفعل أرى أن الأرجنتين والبرازيل هما من سيشكلان قطبي النهائي، لكن في النهاية كان للكرة الأوروبية كلمتها على أرض محايدة، أفريقيا لعب فيها المونديال لأول مرة وكانت الكأس أوروبية. السبعة الحية • مسميات عديدة حصل عليها تميم الحزامي وهو يتنقل لاعبا للأندية التونسيةحمام الأنف والترجي ثم أوليمبيك مرسيليا في فرنسا ونادي الاتحاد السعودي، منها لقب الجناح النفاثة، والسهم السريع وغيرها من الألقاب، فما رأيك؟ في دنيا الرياضة الموضوع هنا متروك للنقاد وأحيانا للمدرجات فالتعبير العفوي الذي يأتي من المدرجات وذاك المدروس أو المجامل بدافع الحب من النقاد والصحافيين في المجالين الرياضي أو الإعلامي، هو في الغالب يأتي عن صدق وحب. ومن الألقاب التي كانت تجعلني أعطي أكبر في الملاعب لقب «السبعة الحية»، إشارة إلى رقم قميصي في الملاعب. أطلقت علي الكثير من الألقاب في تجاربي الكروية منذ أن أنطلقت شابا في حمام الأنف إلى أن بلغت نادي الاتحاد السعودي الذي كنت أفخر بجماهيره المحبة جدا، والتي كانت مستعدة لأن تبذل الغالي والنفيس وهي تشجع فريقها جهدا وسهرا وفكرا ومالا أيضا، الاتحاد فريق جماهيري كبير وصاحب مجد وتاريخ. جمهور ذواق • ما الذي تختزنه ذاكرتك عن تواجدك في جدة ولعبك لنادي الاتحاد السعودي؟ كانت تجربة أكثر من جميلة وجئتها وخضتها وأنا أتنفس باكرا تجارب الاحتراف الخارجي عن تونس انطلاقا إلى فرنسا والسعودية، نادي الاتحاد تحديدا تجربتي فيه كانت أكثر من عادية، إذ كان جمهور النادي هو من يجعلك تشتعل اشتعالا لتحقيق مطالبه والمتمثلة بالفوز ولا غير الفوز، وتعودت من جمهور هذا النادي العودة مظفرا ومسجلا الأهداف التي تلهب المدرجات وتجعلك عائدا وأنت مظفر بأهداف تزيد نقاطه في كل جولة. تطور و تأثير • هل تتابع الكرة السعودية اليوم؟ طبيعي ولكن ليس كما ينبغي، أستطيع القول إن الكرة السعودية تطورت كثيرا وأصبح لها تأثيرها القاري الكبير في آسيا بعد حصولها على كأس أمم آسيا ثلاث مرات منذ جيل كبار الكرة السعودية: ماجد، النعيمة، يوسف خميس، المصيبيح، وغيرهم، الذين جاءوا بأول كأس آسيوي في العام 1984م، الكرة السعودية لها مكانة جيدة على مستوى المنتخب وأندية الدوري. هداف بلا لقب • في رأيك إلى أي مدى يكون المهاجم مطالبا من جماهير ناديه بإحراز لقب هداف الموسم، وكم مرة حقق تميم الحزامي لقب هداف الموسم؟ من المهم جدا أن يرضي النجم الهداف جماهير ناديه، لكن من الطبيعي جدا أن يبرز المهاجم ويسجل الكثير من الأهداف دون تحقيق اللقب، فكم من مهاجم في الأندية المتسابقة في الحصول على الدوري أو الكاس، بينما لقب البطولة لفريق واحد ولقب الهداف لمهاجم واحد، وانظر إلى أي مدى هو ممتع ذاك المهاجم والذي تتعدد أهدافه وتتعدد أكثر صناعته للأهداف لزملائه، كما هو الحال مع نجم برشلونة اليوم ليونيل ميسي، وفي النهاية مطلوب من المهاجم الحرص أكثر على تحقيق لقب الهداف، وبالنسبة لي كانت بداياتي في تحقيق لقب الهداف مبكرة جدا فكنت هداف فريقي «الترجي» بعشرة أهداف في موسم 1973م وب12 هدفا في موسم 1976م. فرصة بولندا • يحدث أن المهاجم يندم على فرصة تسجيل ويحصل أيضا أن تكون الأهمية بين ضياع هذه الفرصة والهدف تكون درجة الندم فيها أكثر بكثير من الأخرى، فأي الفرص التي عض عليها تميم أصابع الندم؟ لا.. هنا دعني أقول لك إن كل كرة تتجه مني كمهاجم إلى الحارس تعتبر فرصة مواتية لتسجيل هدف، ثم أن الندم في الغالب يكون وقتيا في ذهن المهاجم للتفكير في استثمار فرصة أخرى لتحقيق الهدف، وربما ضياع فرصة هدفي الذي كان من الممكن أن يكون أكثر قيمة في بولونيا «بولندا» في نهائيات 1978م، ذلك الهدف الذي لم يتم تسجيله ولكنه كان الأغلى في حياتي بسبب اعتراض عارضة المنتخب البولندي التي كانت ترفض وبإصرار، إذ لو تم ذلك الهدف كان سينقل تونس إلى الدور الثاني من المونديال كأول فريق عربي ينتقل إلى هذه المرحلة بعد تجارب وصول أولى غير موفقة للمنتخبات العربية، مثل: مصر في مونديال إيطاليا 1934م، ثم المغرب في مونديال المكسيك 1970م، أستطيع القول: ليس هناك ندم بمعنى الكلمة أو حسرة، فالمسألة بعد اجتهاد اللاعب يأتي التوفيق من الله، كنت في مباراتنا تلك مع بولندا أود القول إننا نحن العرب نستطيع القول للعالم ولنجم بولندا المهاجم المتميز لاتو، أننا جديرون بالوصول للدور الثاني في المونديال، ولكننا لم نوفق وحسب. مستويات ملفتة • أول المنتخبات العربية البالغة لوصول النهائيات كانت أفريقية، مصر ثم المغرب ثم تونس ثم الجزائر في العام 1982م، وأطلت أيضا المنتخبات العربية الآسيوية، في رأيك لماذا كان هذا الترتيب وهل هو مصادفة محضة؟ لا ليس من المصادفات، اللاعبون الأفارقة استوعبوا الكرة العالمية مبكرا وصنعوا كرتهم عالميا قبل العرب الآسيويين، فمواصفات كرة أفريقيا الرجولية كبيرة وقوية ومرتبطة بالفنيات أيضا، بينما الكرة العربية الآسيوية مرتبطة بالفنيات أكثر من غيرها من العناصر التي قامت عليها كرة العرب الأفارقة التي كانت أقرب إلى ومن مناطحة الكرة العالمية في المحافل الدولية، لذا وصلت مصر منذ ثاني مونديال عالمي بعد مونديال الأورغواي، تنظيم البطولات في تلك الحقبة والتي كانت تقتضي خروج المغلوب من أول مباراة لم يتح للعرب بلوغ آفاق أكبر، لكن ما فعله العرب الآسيويون فيما بعد والمنتخب السعودي على وجه التحديد في بلوغ النهائيات لأربع مرات متتالية لفريق عربي أول ووحيد دل على أن العرب الآسيويين بلغوا مستويات ملفتة تعكس للعالم مدى ارتفاع مستوى الكرة لديهم. تميم في عيونهم ولأن تميم اسم مرتبط بالإعلام السعودي لتجربته في نادي الاتحاد السعودي لاعبا محترفا في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات الميلادية، كان لابد أن يشاركنا إعلاميون سعوديون من ذلك العهد في حديث عنه وعن التجربة فكان منهم الكاتب والناقد الرياضي فوزي خياط. تميم .. عاشق التحدي هناك لاعبون في كل أنحاء الدنيا يتوسدون ذاكرة الجماهير الرياضية ويرتسمون على صدورهم على مر الأيام والسنين، يرتقون أبدا هامة الإعجاب الذي يتحدى النسيان في كل آن، أولئك هم أساتذة الفن الكروي الحضاري الذي يقود المتابعين إلى الإعجاب والإبهار من خلال ترسانة المهارات الفنية العالية التي تقودهم إلى النجومية وإلى البقاء في ذاكرة التاريخ الرياضي، وفي عالمنا العربي الكبير هناك نجوم لا يمكن أن يطالهم النسيان فيضئون أبدا، ويتواصل وهجهم ويشتد حضورهم كلما تعاقبت السنوات، وتواصلت صفحات التاريخ وهي تحكي قصص التعملق التي كتبت بإبداعاتها أغلى العطاءات والإنجازات، ومن هؤلاء اللاعب التونسي تميم الخزامي الذي شهدت الملاعب السعودية ركضه فترة من الزمن خلال احترافه بنادي الاتحاد في جدة، ولعل أبرز ما كان يميز النجم الكبير تميم الخزامي فكره الكروي المدهش فهو «حريف» لا يشق له غبار، أثرى الجماهير الرياضية بعطاءاته الفنية الأخاذة وقدرته الهائلة على اختراقات دفاعات المنافسين وهتك تماسكها وإحداث ثغرات واسعة، كان ينفذ عنها مرارا ويشكل خطورة متناهية على المنافسين، وبلا جدال فإن أبرز مميزاته على الإطلاق حبه وعشقه للتحدي فهو على الرغم من قدرته على اختراقات الدفاعات المقابلة مما يمنحه فرص التوغل صوب الشباك، إلا أنه كان يعشق البحث عن المدافعين في الفريق المقابل ليبتكر للجماهير طريقة جديدة في الإطاحة بهم وتهميش صمودهم، وهو عتيد جدا في قدرته على المراوغة بالكرة، ويتعمد المرور باقتدار وهيلمان من الذين كانوا يواجهون مصير المواجهة مع هذا العملاق. ما كان يتقدم صوب مرمى المنافسين إلا ويبدأ هدير الجماهير في المدرجات ووقوفهم لمتابعة هذا السهم الدامي، وقد شيد هذا العملاق جسرا من ذهب مع الجماهير الرياضية في بلادنا خلال تلك الفترة، وتمتع بحب تلك الجماهير ومؤازرتها والتي كانت تطرب من خلال نزعة التحدي التي كانت تجعل من تميم لاعبا مرعبا جديرا بعشق الجماهير لفنه ودهائه، وتميم الخزامي هو أحد أفراد الكتيبة التونسية التي كتبت تفوق الكرة التونسية باقتدار، ومنهم «الجنتلمان» الذي لا ينسى طارق ذياب الذي احترف في أهلي جدة وقدم ألحانا فنية شجية أثرت عشاق كرة القدم، وإن كان لي أن أقارب تميم الحزامي وخطورته المتناهية فهو أشبه بما فعله المغربي أحمد بهجا لدى احترافه في الاتحاد، لكن الإنصاف يقتضي أن نقول بأن الفكر الكروي لدى تميم الخزامي كان هو الأنجح، الاقوى، والأمكن. فريد مخلص: هداف من الطراز الأول أما الكاتب والناقد الرياضي وكبير مذيعي إذاعة البرنامج الثاني في جدة حاليا فريد مخلص فيقول: يعد تميم الحزامي أحد أبرز نجوم المنتخب التونسي في مونديال 1978م، ويعتبر المهاجم الأول على مر تاريخ الكرة التونسية، فهو هداف من الطراز الأول على مستوى القارة الأفريقية ويتمتع تميم بذكاء خارق، فكثيرة هي الأهداف الإعجازية التي سجلها تميم معتمدا على قوة قدميه وقدرته في التحكم بالكرة، إضافة إلى مهاراته الفنية الفريدة من نوعها، سجل أهدافا بطريقة اللمسة الواحدة داخل الصندوق، ساعده على ذلك التمركز السليم وسرعة البديهة والقدرة على التهديف. وتميم الحزامي اللاعب العربي الوحيد الذي ملأ العين ووقفت له مئات الآلاف اعتزازا بموهبته الفذة، حقق مع فريقه السابق الترجي التونسي بطولتين جاء إلى الاتحاد وهو في قمة مجده، إنني أقف متحسرا على مستوى اللاعبين الأجانب الذين يلعبون اليوم للاتحاد وهم لا يصلون إلى نصف مستوى تميم، كما أقف متحسرا على نجوم الكرة التونسية في تلك الفترة مثله وطارق دياب، العقربي، غميض، عقيد، الكعبي، وغيرهم.