منذ افتتاحه جاء مهرجان دمشق السينمائي الدولي مخيباً للأمل الى حد ما. ففي البداية قدمت مجموعة من طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية لوحة رقص تعبيري افتقرت الى اللمسة الفنية في الاداء على رغم ان مضمونها بسيط ومكرور، يتناول الزمن الذي مضى ويقتات على الحياة، فيتحول الانسان في النهاية الى مجموعة ذكريات مخزونة في ارشيف الحاضر. اعتمدت اللوحة على الربط بين اغنيتين، الاولى هي "ضي القناديل" لعبدالحليم حافظ، ممثلة للماضي، لزمن الشباب والحب، والثانية هي "كنا نتلاقى عشية" للسيدة فيروز ممثلة للحاضر وذاكرته المخزونة. افتقد الراقصون الى الانسجام وبدا التشتت واضحاً في مختلف مراحل العرض، ولم ينقذ ديكور احمد معلا المميز ولا قناديله وخلفيته الفنية لمدينة دمشق، اللوحة من الفشل الذريع. ثم جاءت كلمة وزير الثقافة السوري لتؤكد للحضور وجود عقلية ما في التعامل مع الفن وقفت عند الحدود المحصورة بالسياسة والموعظة الاخلاقية الوطنية بل ان الحضور ابدى استغرابه غير ذي مرة لا سيما عندما بدأ الوزير يفيض في شرح المواقف الوطنية وضرورة الوقوف ففي وجه العولمة والدفاع عن مبدأ الحماية الذي كان سبباً رئيساً في تراجع الثقافة السورية عموماً والسينمائية خصوصاً، فطالب بضرورة "الرقابة على الافلام الوافدة المسيئة للأعراف والتقاليد"، كأفضل ما يكون الحكم الاخلاقي، كأنما اختلط عليه منصبه السابق كوزير للتربية بمنصبه الحالي وزيراً للثقافة. بعد ذلك رحب وزير الثقافة د. محمود السيد ومدير المؤسسة العامة للسينما بضيوف المهرجان ولجان التحكيم، بالاضافة الى تكريم عدد من الفنانين والفنانات منهم المخرج مايكل كاكويانيس، الذي وصفته الممثلة مادلين طبر، امام دهشة الجميع بأنه "اسطوري" !. والنجمة الفرنسية ميشيل مرسيه المنسية منذ ثلاثة عقود، ونبيلة عبيد من مصر، وأسعد فضة من سورية، وعدد كبير من مؤسسي السينما السورية لمناسبة يوبيلها الماسي "75 عاماً" منهم الناقد الراحل سعيد مراد والمنتج نادر الأتاسي... واللافت ان طريقة تقديم الضيوف بدت فكاهية، فالعبارات كانت انشائية، فيها الكثير من المبالغة والاحتفالية، بل ان بعض الضيوف تساوق معها حتى ان مادلين طبر نفسها قالت بنبرة ممطوطة "دمشق تحتضن العالم، يا لهذا العنوان الذكي...". ولم يخل الافتتاح من بعض المفارقات، اذ ان نهلة كامل لم تتقيد بالبرتوكول وأزاحت اثنين من الضيوف لتحتل مكانها الى جانب الهام شاهين، وتلتقط صورة تذكارية معها، كل ذلك على مرأى من الجمهور. ولعل ما شكل مفاجأة محببة هو ظهور د. عصام الزعيم وزير الصناعة السابق بين الحضور، وهو ظهوره العلني الاول بعد عودته من روما على رغم الحجز الاحتياطي على امواله وأموال زوجته... الجانب الوحيد المميز في الافتتاح كان الفيلم الروسي "العودة" الحائز الجائزة الذهبية في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي. وتميز الفيلم بقدرته على تناول تفاصيل الحياة الانسانية عبر خطوط درامية متشعبة، في اطار حبكة درامية شاملة، شكلت خيط السبحة، والمهم في هذا الفيلم هو قدرة المخرج على فتح ابواب التأويل على مصراعيها امام المتفرج، عن طريق استخدام سلسلة من النهايات المفتوحة، فهو لا يبرر غياب الأب العائد بعد اثنتي عشرة سنة، ولا يبرر سبب اصطحابه ولديه في تلك الرحلة لمدة ثلاثة او اربعة ايام، ولا المهمة التي ينجزها، ويترك كل ذلك يصب في خدمة العلاقة بين الاب وابنيه، التي يفرض من خلالها الاول قانونه، في حين يحاول الولدان تجاوز هذا القانون، وينتهي الامر بمقتل الأب فعلياً ورمزياً. اليوم الاول للمهرجان تميز بالركود، فعدد الحضور كان قليلاً جداً في معظم الصالات، اقتصر على بعض الطلبة وهؤلاء احتاروا في الاختيار بين الافلام وكأنهم فاقدون للبوصلة. اما اليوم التالي فتميز بحضور لافت لا سيما لفيلم "ما يطلبه المستمعون" للمخرج عبداللطيف عبدالحميد، اذ ازدحمت الصالة وخارجها بالحضور، وعلى رغم التأثر الكبير الذي بدا على الجمهور عند انتهاء الفيلم، إلا ان وجهات النظر اختلفت في الفيلم، بل ابدى البعض الاستياء من متابعة "ميلودراما باهتة"، فيما البعض الآخر توقع له ان حصل على جائزة، ان تكون جائزة ترضية للدولة المضيفة، كما شهد الفيلم المصري "سهر الليالي" للمخرج الشاب هاني خليفة اقبالاً مماثلاً. وأيضاً اقيم معرض كاريكاتير للفنان حسام وهب، تناول فيه وجوه بعض كبار الشخصيات الفنية والسينمائية العربية، ومعرض لأجهزة التصوير السينمائي القديمة منذ بدايات القرن الماضي. وكان للندوات نصيب كبير في المهرجان منها ندوة الفيلم التونسي "صندوق عجب"، والفيلم السوري "ما يطلبه المستمعون"، والفنزويلي "ريشة كبير الملائكة" اما الندوة الاهم فكانت عن "صورة المرأة في السينما العربية: سلعة أم قضية"، وشارك فيها عدد كبير من النقاد والسينمائيين منهم ديانا جبور، غسان عبدالخالق من فرنسا الذي تحدث عن السينما العربية المهاجرة، محمد سويد عن السينما اللبنانية، آمال مختار عن السينما المصرية وعبدالله ابو هيف عن السينما السورية... الخ. ولم تسلم ادارة المهرجان من الانتقادات الكثيرة حول انتقائها غير المبرر للجنة التحكيم المؤلفة من النساء فقط بخاصة انها لم تحسن الاختيار فاعتبرها البعض - فذلكات مهرجانية - اذ كان الاولى بها مثلاً اختيار واحة الراهب بدل نهلة كامل، وسمر سامي بدل سلمى المصري. اما في ما يتعلق بمطبوعات المهرجان والتي طالما تحدث عنها مدير عام مؤسسة السينما فقد تبخرت من دون ان يستطيع احد من الصحافيين او النقاد الحصول عليها، فقد وزعت لذوي المحسوبيات والمقربين من اللجنة الصحافية، كما افتقرت بعض الافلام الى ادنى الشروط الفنية فعلى سبيل المثال: فيلم "زوربا" عانى من سوء الصوت والصورة، وقطع عرضه سبع مرات... الخ. المهم ان الستار اسدل في مهرجان دمشق السينمائي عن دورته الثالثة عشرة بحفلة كرم فيها عدد من المديرين السابقين للمؤسسة العامة للسينما وعدد من نجوم الفن منهم نيللي، رغدة، والمخرج الراحل حسين كمال كما قام وزير الثقافة ومدير المهرجان بتوزيع الجوائز فنال الفيلم الياباني "دمى" للمخرج تاكيشي كيتانو الجائزة الذهبية، اما الفضية وجائزة افضل فيلم عربي فذهبتا للفيلم المغربي "ألف شهر وشهر" للمخرج فوزي بن سعيدي، في حين كانت البرونزية من نصيب فيلم "الحكايات الأدنى" للمخرج الارجنتيني كارولوس سورين، كما نال الفيلم السوري "ما يطلبه المستمعون" للمخرج عبداللطيف عبدالحميد جائزة لجنة التحيكم. اما بالنسبة الى الافلام القصيرة فقد نال فيلم "محطة شتائية" التشيلي الجائزة الذهبية، وفيلم "الأفل يموت اولاً" من النرويج الجائزة الفضية وفيلم "ورد وشوك" من سورية الجائزة البرونزية، في حين ذهبت جائزة لجنة التحكيم للأفلام القصيرة للفيلم الدنماركي "مشاهد جديدة من اميركا" للمخرج يورغن ليت.