منذ أن حدثت مجازر نيويورك لا يزال شرخ يتسع بين ما هو مطلوب عمله من المثقف العربي، لمواجهة الحوادث المريرة التي تلت تلك المجازر، وبين مستحقاته الثقافية القادمة لا محالة. المستحقات القادمة لما يحدث من جنون على وجه الكرة الأرضية ترغم المثقف العربي على الاختيار: إما ان المثقف العربي يستمر في إبعاد نفسه عن ثقافته العربية السابقة، وينضم الى الهوية العالمية القادمة، أو انه يرغم على اعتناق هوية لم تتضح معالمها بعد. انه من الواضح جداً أن المثقف العربي قد وضع في موقف صعب جداً. فالسياسة الطاغية، هذه الأيام في هذا العالم، هي فصله الى قطبين متناحرين: قطب يدعو لما يسمى بشكل غامض "السلام العالمي" والهوية العالمية، وقطب آخر دراكولي، ولا نرى منه سوى الدماء والأشلاء المتناثرة وصراخ الأم أو الأب المصدومين بفقد ذلك الطفل البريء. وحديث الصالونات الثقافية المتكرر لا يبدو أنه ينتج رأياً أصيلاً حول ما يجب عمله. لم نلاحظ رأياً ثقافياً عربياً واحداً واضحاً حول الوضع القادم للتراث الثقافي العربي الذي سوف يحطّم لا محالة ان تم اعتناق الهوية العالمية الجديدة من دون مساءلة. فالهوية الثقافية العالمية الجديدة القادمة لا محالة سوف تضيّق على المثقف العربي، وتسد أبواب خيارات اخرى لديه. فإما أن يستمر في الغوص داخل ذلك الحلم الابداعي الذي أطبق على فكره منذ الستينات، متناسياً في نفس الوقت واجباته السياسية، أو يقف موقفاً وقفه مثقفون سابقون واجهوا أوضاعاً مماثلة. ولو ان هذا الموقف الصعب الذي وضع فيه المثقف العربي قد حدث لعرق أو ثقافة أخرى لانتفض جسد هذا العالم من أساسه. ولكن العالم لن ينتفض البتة ليناصر من يبدو غير مهتم بما يحدث له. مطلوب، بشكل سريع، من المثقف العربي التوصل لرأي واحد "أصيل" جديد حول نظرته لما هو آت. نحن هنا لا ندعو لمزيد من الخطابات والنقد الأعمى غير الفعّال. ولكن ندعو لرأي يتجاوز الخلافات الاقليمية والوطنية والفكرية العربية، ويوضّح موقفنا من تراثنا. نحن نطلب رأياً يعترف بأخطاء الماضي، ويعتز بتراث الماضي، ويصدر رؤية واضحة جلية المعاني حول هويتنا القادمة. خالد عايد الجنفاوي [email protected]