أوصت "لجنة ستازي" في تقريرها عن صون العلمانية في فرنسا، والذي سلمته امس الى الرئيس جاك شيراك، بإصدار قانون يحظر العلامات الدينية "الظاهرة" في المدارس والمؤسسات العامة، ودعت الى ادراج عيدي الاضحى والغفران على جدول العطل الدراسية الرسمية، أخذاً بالتحولات التي طرأت على المجتمع الفرنسي نتيجة الهجرة. وشكل التقرير الذي يقع في مئة صفحة تقريباً، وتسلمه شيراك خلال احتفال رسمي في قصر الاليزيه في حضور رئيس اللجنة الوزير السابق برنار ستازي واعضائها "الحكماء" ال20، محاولة لوضع تحديد ايجابي لمبدأ العلمانية المعتمد في الحياة العامة الفرنسية، والذي تمحور حوله الجدل المحتدم الذي تشهده فرنسا منذ عام تقريباً. واكدت اللجنة التي حرصت على صوغ تقريرها بتأن ودقة فائقين، بحيث يخدم غرضه الاساسي وهو اعادة تثبيت العلمانية وليس استعداء هذه الطائفة او تلك، ان قانون العام 1905 يؤكد فصل الدين عن الدولة "لكن مسألة العلمانية باتت مطروحة اليوم بشكل مختلف"، اذ ان "المجتمع الفرنسي اصبح نتيجة الهجرة، متعدداً على المستوين الروحي والديني". واعتبرت ان التحدي الذي تواجهه فرنسا اليوم يتمثل "بتأمين مكانة الاديان الجديدة" والعمل في الوقت نفسه "على انجاح الاندماج لقطع الطريق امام الاستغلال السياسي الديني" وصولاً الى "التوفيق بين الوحدة الوطنية واحترام التعددية" في ظل "العلمانية لانها تسمح بضمان العيش المشترك". واشارت الى انه على رغم تمسك غالبية الفرنسيين بمبدأ العلمانية تتزايد التصرفات المنافية للعلمانية بسبب صعوبات الاندماج وشروط العيش في الضواحي، وايضاً بسبب اعمال "مجموعات متطرفة تعمل على اختبار قدرة الجمهورية على المقاومة". ورأت ان ظاهرة العلامات الدينية في المدارس والمؤسسات "لم تعد على صلة بحرية المعتقد وانما بالنظام العام"، معربة بذلك عن ادراكها للصلة المباشرة بين هذه الظاهرة والاحداث الدولية، في طليعتها النزاع الفلسطيني الاسرائيلي، وما يشيعه من توتر بين الجاليتين المسلمة واليهودية في فرنسا. ومن هذا المنطلق اوصت اللجنة "في ظل احترام حرية المعتقد بحظر العلامات والملابس التي تعبّر عن انتماء ديني او سياسي"، مشيرة بالتحديد الى "العلامات الظاهرة مثل الصلبان الكبيرة والحجاب والقلنسوة"، والتي ميزتها عن "العلامات الرزينة" غير المشمولة بالحظر مثل الصلبان الصغيرة والقرآن ونجمة داوود، التي يمكن ان توضع حول العنق. وتعمدت اللجنة استخدام تعبير العلامات "الظاهرة" بدل تعبير العلامات "التحريضية" الذي تردد حتى الآن، كونه اكثر وضوحاً ولا يفسح في المجال امام اي تأويل او جدل في شأن نية تحريضية لدى من يتعمد ابراز هويته الدينية. وفي ضوء هذا التقرير الذي استغرق اعداده شهرين من العمل المتواصل استمعت اللجنة خلالهما الى شهادات وآراء متخصصين ومثقفين ومشرفين على مؤسسات تربوية من حساسيات مختلفة، سيتخذ شيراك موقفاً رسمياً يعلنه عبر خطاب تلفزيوني في 17 كانون الاول ديسمبر الجاري، ويضمنه ليس فقط التنديد بتسلل النزعات الدينية الى المؤسسات والمدارس العامة، وانما ايضاً رؤيته للتجانس الوطني وتحديده لنموذج الاندماج الذي يعتمده. ونقلت وكالة "فرانس برس" لاحقا عن رئيس المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية دليل بو بكر انه سيحترم قانونا قد تصدره السلطات الفرنسية يمنع الحجاب في المدارس شرط "الا يطبق بشكل فظ". وقال بو بكر، وهو عميد مسجد باريس: "اذا كان هناك قانون، فسنطلب من فتياتنا احترامه لكننا سنطالب بمهلة" اي "بفترة زمنية يدرك خلالها الجميع ان الامور تغيرت"، موضحا ان الفترة قد تستغرق شهورا. واضاف: "اتخذت موقفا معارضا لسن قانون محدد بالنسبة الى المظاهر الدينية في المدارس، لكن لا يمكنني ان استبعد صدوره أخذاً في الاعتبار الرأي العام".