من منا لا يعرف شهرزاد وحكاياتها مع الملك شهريار؟ لكن شهرزاد وليد عوني في دار الأوبرا المصرية جاءت مختلفة شكلاً وموضوعاً، وإن بقيت الموسيقى نفسها. عزفت اوركسترا أوبرا القاهرة موسيقى نيكولاي ريمسكي كورساكوف، وهو الروسي الذي قرأ "ألف ليلة وليلة"، فقال عن موسيقى شهرزاد إنها "نتيجة ومحصلة لقراءة ألف ليلة وليلة والشخصيتين الرئيستين الملك شهريار وشهرزاد، وكذلك الاشخاص والصور، الشرق بألوانه الخلابة، الأحداث والمغامرات، الأعياد وقصص الحب، البحر...". ربط كورساكوف كل ذلك من دون التقيد بالتسلسل في السرد. وهو ما بدا واضحاً في عرض فرقة الرقص المسرحي الحديث هذا الأسبوع على المسرح الكبير في دار الأوبرا المصرية. يقول صاحب فكرة العرض ومصممه الفنان وليد عوني: "كورساكوف وضعنا في كمين، ولا يدعنا نبدع على موسيقاه، فقد ربط الخيال بموسيقاه، فأصبحنا سجناء مؤكداً علينا مضمون ما يحتويه صميم فكرته وجمله". وكعادته اقبل عوني على العمل - على رغم صعوبته - بجرأة تكاد تلامس التسرع، حاول فيه الهروب من الاقتباس المتعمد الذي فرضه كورساكوف باحثاً عن قراءة أخرى قد تكون طفولية. ويستطرد عوني قائلاً: "أدوات كورساكوف للتعبير وخياله الفني نكاد نسمعها ونراها: القمر، النجوم، الشجر، الأجنحة، الأشرعة، البحر، القراصنة، الجان، السياف مسرور، والساطور، عصفور الجنة الوحيد، البخور، العطور، الكتاب، وهناك الأقمشة والألوان، القتل والنار. وهناك العاشقان من بلاد الهند والسند، والحب والغرام، والجنس، باختصار الموسيقى في كل مكان. تفوقت الراقصة كريمة بدير برشاقتها وتعبيرات وجهها في دور شهرزاد، وهي قدمت شهرزاد قوية، واثقة من نفسها، متحكمة في فتح صنبور المشاعر وغلقه. كما تميزت الراقصة يسار عنتر في دور "مسرور"، نعم مسرور السياف امرأة وجميلة وممتلئة بالأنوثة. أما شهريار، فكان لا حول له ولا قوة، وجسّده الراقص هاني محمود. فكان قليل الحركة، كثير الجلوس، ممعناً في التفكير. وهذا بالطبع كان مقصوداً، ربما لتقديم رؤية جديدة لشهرزاد، تناسب القرن ال21. أوركسترا أوبرا القاهرة تحت قيادة المايسترو نادر عباسي كانت أكثر من رائعة، وعلى قدم المساواة جاءت "المقامات الشرقية" التي أشرف عليها فنان العود العراقي نصير شمة. يقول عوني: "ريمسكي كورساكوف - ونصير شمة هو لقاء حب من مؤلف مستشرق عظيم، ومن شرقي أتى من بلاد شهرزاد". ويتساءل: "أليس التخت الشرقي هو الشيء الوحيد الجميل الذي بقي من عصور شهرزاد وشهريار وألف ليلة وليلة الى عصرنا هذا؟". عزف المقاطع الملحنة على العود لعرض العازف نهاد السيد، هو الخريج الاول لبيت العود العربي عام 2000، ويعمل حالياً معيداً فيه والمقاطع ثلاثة هي: "حالي به يحلو"، و"أندلس ولادة ابن زيدون"، و"مقام بستنكار". ملابس العرض كانت مبهرة، واستدعت الى الأذهان عروض فرقة "كركلا" المبهرة. العرض يقدم في دار الأوبرا حتى العاشر من الجاري، وذلك في مناسبة مرور عشر سنوات على تأسيسها. وفي هذه المناسبة، أعلنت دار الأوبرا تغيير اسم فرقة الرقص المسرحي الحديث، الى فرقة الرقص المسرحي الحديث المصري في دار الاوبرا.