لعله نوع من الحروب النفسية الجديدة يدور بين الجزائر والمغرب منذ فترة، محوره موزع بين أكثر من عاصمة في واشنطنوباريس ثم الرباطوالجزائر ومنطقة تيندوف، وقضية الصحراء وترسيم الحدود والتوازن الاقليمي في الشمال الافريقي. ومع ادراك الجزائر والمغرب ان قضية الصحراء بخلفياتها وتداعياتها لم تعد من النوع الذي يحل في أسابيع أو شهور، كونها أصبحت أقدم نزاع في المنطقة، فإن ثمة عوامل داخلية واقليمية حتمت تسريع وتيرة التصعيد. وفيما يبدو المغرب منشغلاً بالأيام التي تفصل عن نهاية فترة تمديد ولاية "المينورسو" الى نهاية كانون الثاني ديسمبر المقبل، تتحكم أو استحقاقات انتخابات الرئاسة الجزائرية في الدفع بالملف الى الواجهة. بينما تتحول الصحراء ذاتها الى مركز جذب فرنسي وأميركي واسباني بحسابات ما بعد الحرب الأميركية على العراق، ولو انها مستمرة في طبيعة جديدة. كان رد العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب ئكرى المسيرة الخضراء على الاتهامات الجزائرية للمغرب بوجود "مطامع اقليمية في الأراضي الجزائرية" أقل تشنجاً. وطالما ان فتح جبهة جديدة في ملفات الخلافات العالقة مع الجزائر سيزيد الموقف تعقيداً، بدليل ان الجارين لم يفلحا منذ نحو عشر سنوات في معاودة فتح حدودهما البرية المغلقة، فالأحرى ان يزيدا ملف ترسيم الحدود الى ركام الخلافات. بيد أن التقاط الخارجية الجزائرية تصريحاً لحزب مغمور حول اثارة مسألة الحدود الشرقية ذات الخلفية التاريخية يدفع الى الاعتقاد في سببين على الأقل: إما ان يكون هدف الموقف اثارة حساسيات قديمة ارتبطت بوقائع حرب الرمال بين البلدين لعام 1963 لتلافي تركيز أي حوار محتمل بين العاصمتين حول قضية الصحراء. وإما ان الجزائريين يسعون الى طرح كل الملفات العالقة دفعة واحدة لتكون محور أي مفاوضات مرتقبة، وإن كانت قضية ترسيم الحدود حسمت عبر ابرام اتفاق حسن الجوار لعام 1969، لكن من دون تسطيره على الأرض بسبب خلافات البلدين حول الصحراء. واللافت في غضون ذلك ان منطقة تيندوف جنوب غربي الجزائر ظلت محور تلك الخلافات، وبعدما كانت للرباط مطالب ترابية قبل ابرام اتفاق حسن الجوار أصبحت المنطقة تؤوي مقاتلي جبهة بوليساريو ولاجئيها. لذلك لم يكن هدفه ارتباط اطلاق سراح الأسرى المغاربة من موقع تيندوف ذاته. وفيما تتجه الرسالة الجزائرية الى العاصمة الفرنسية باريس التي كانت سطرت حدود الجزائر إبان استعمارها وسط جدل فرنسي حول تداعيات قضية الجزائر ثقافياً وسياسياً. كان حرص الرباط على عدم الرد على الاتهامات الجزائرية لارضاء الطرف الفرنسي، من دون اغفال مضمون أكثر من تصريح اميركي لناحية تشجيع الحوار بين المغرب والجزائر للبحث في التسوية السلمية لنزاع الصحراء. ولم يكن دخول ليبيا على خط البعد الانساني في اطلاق سراح الأسرى المغاربة بعيداً عن ذلك التجاذب، أقربه ان الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي طمأن العاهل المغربي الى مبادرته انسانياً. فيما رعى نجله سيف الاسلام المبادرة الليبية وكان موضع ترحيب من الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الذي استقبله برفقة زعيم بوليساريو محمد عبدالعزيز، من دون اغفال ان بوتفليقة كان أول رئيس جزائري يزور تيندوف لتأكيد دعم بوليساريو العام الماضي. ومعروف في الوقائع التاريخية ان القذافي ذاته كان أول من دعم بوليساريو في فترة تدهورالعلاقات مع الرباط قبل أن يبرم البلدان اتفاق وجدة الذي أسفر عن "الاتحاد العربي الافريقي" الذي لم يعمر غير بضعة شهور. ثمة سباق مع الزمن تحولت قضية الصحراء فيه محوراً أساسياً في منطقة الشمال الافريقي. لكن الأمر يخفي توجسات أكبر حيال المدى الذي يمكن أن تؤول اليه القضية. فهي ليست ساخنة بالقدر الذي يدفع الى احتوائها على عجل، لكنها ليست منتهية بالقدر الذي يجعل الأطراف المعنية تطمئن الى مسار الأحداث. ومع ذلك فالمعالجة الانسانية للملف تفرض نفسها حتى ان زخم التحركات الاقليمية والدولية ينم عن دخول منطقة الشمال الافريقي في حسابات أكبر من حجمها.