بمقدار انشغال الجزائريين بانتخابات الرئاسة في بلدهم، يبدو المغاربة المجاورون لهم جغرافياً وتاريخياً وكأنهم ايضاً على موعد مع استحقاق مهم، حتى وان رددوا ان الانتخابات شأن داخلي في الجزائر. ويعزي اكثر من مراقب هذا الاهتمام الى التطورات التي يمكن ان يؤول اليها الوضع في الجزائر، اقله لجهة تأثيره في مسار العلاقات الجزائرية المغربية التي يعتريها الجمود والحذر منذ سنوات، وكذلك مستقبل الاتحاد المغربي الذي ترتبط به بلدان الشمال الافريقي كلها. وسألت "الحياة" مسؤولين وقياديين في الفاعليات السياسية أي مرشح يتمنون؟ فكان هناك شبه اجماع على ان المغاربة يحترمون ارادة الشارع الجزائري، لكنهم يفضلون رئيساً يعيد للجزائر الاستقرار واستتباب الامن "ولايهم في عضون ذلك ان كان معتدلا او متشددا ازاء العلاقة مع المغرب". واذا كان صحيحاً ان الجزائريين هم الذين سيتوجهون الى صناديق الاقتراع في استحقاق يعتبر الاول من نوعه على مستوى انتخاب رئيس مدني بعد التجارب السابقة التي كان للنفوذ العسكري فيها دوراً بارزاً، فالصحيح ايضاً رهان المغاربة على ان تكون الفترة المقبلة في الجزائر مواتية لفتح حوار شامل حول الملفات العالقة بين البلدين. ويقول سياسي مخضرم رافق تطور العلاقات المغربية الجزائرية ان الحوار مع المتشددين يكون اجدى، وان فترة حكم جبهة التحرير الجزائرية في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين كادت تقود في نهاية السبعينات الى اتفاق شامل مع المغرب، حين تقرر عقد قمة مغربية جزائرية في جنيف للبحث في ترتيب العلاقات بين البلدين، لولا ان مرض الرئيس الراحل اثر في المساعي التي بذلت آنذاك لعقد اللقاء. وحين غيّب الموت الراحل بومدين، قال الملك الحسن الثاني "فقدت فيه نصفي الآخر، على رغم خلافاتنا". ويلاحظ في هذا السياق ان ابرز اتفاقات التعاون بين البلدين ابرمت في عهد بومدين، وفي مقدمها اتفاق ترسيم الحدود ضمن معاهدة الصداقة وحسن الجوار عام 1969، لكن تمديد العمل بها احتاج الى عشرين عاماً حين زار خلفه الشاذلي بن جديد المغرب وتداول مع الملك الحسن الثاني في فكرة احياء المعاهدة في منتجع ايفران عام 1989. وترتب على ذلك ان المنطقة المغاربية برمتها عرفت دينامية جديدة افضت الى الاتفاق على بناء الاتحاد المغربي في مراكش عام 1989، بعد اسابيع قليلة من القمة المغربية الجزائرية. والظاهر ان ملف العلاقات المغربية - الجزائرية على عهد حكم جبهة التحرير في الجزائر عاد الى الواجهة، في ضوء التوقعات التي تفيد بامكان فوز مرشح تدعمه الجبهة في انتخابات الرئاسة، وتحديداً تغليب كفة عبدالعزيز بوتفليقة، او احمد الطالب الابراهيمي، الذي يعتز بمساندة قواعد الجبهة، كونهما ضليعان في توجيه السياسة الجزائرية خلال الفترة نفسها. لكن ذلك لا يلغي التكهنات الواردة على مستوى الدور الذي يمكن ان يضطلع به حسين ايت احمد كونه من القادة التاريخيين للثورة الجزائرية، ويعرف عنه انفتاحه على المغرب الذي يرتبط فيه بصداقات مع الفاعليات السياسية. الى ذلك ان مقتضيات اللعبة الانتخابية في الجزائر تضبطها قواعد والتزامات تجعل دور المؤسسة العسكرية اساسياً، خصوصاً على صعيد استقطاب اصوات العسكريين المقدر ما يزيد على مليون صوت، وكذلك الناجين في اوساط الجاليات الجزائرية المهاجرة، ثم ما يعرف بالصناديق المتنقلة التي يصعب رقابتها. واذا كان واضحاً ان الابراهيمي كان من بين مهندسي الوفاق المغربي الجزائري في عهد الرئيس المستقيل بن جديد، فان بوتفليقة قاد الديبلوماسية الجزائرية في مرحلة ميزها تزايد الصراع بين المغرب والجزائر بسبب تباين المواقف ازاء قضية الصحراء، ولم تخل اجتماعات الاممالمتحدة او عدم الانحياز او منظمة الوحدة الافريقية من مواجهات ساخنة انذاك بين البلدين. لكن مراقبين متفائلين يرون ان حالات المواجهة بين المغرب والجزائر كانت نتاج تأثير "الحرب الباردة" واختلاف النظامين السياسي والاقتصادي بين البلدين. اضافة الى ان الجماهيرية الليبية كانت تلتقي وقتذاك مع الجزائر، وهو الموقف الذي عرف تغييرا ملحوظا بعد ابرام الاتحاد العربي - الافريقي بين المغرب وليبيا عام 1984، وتبلور لاحقا في كف الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي عن تقديم أي دعم لجبهة بوليساريو. وتعني هذه التطورات ان العلاقة بين المغرب والجزائر مرشحة لان تشهد تطورات مغايرة، نتيجة التوازن الجديد الذي هيمن على محور العلاقات بين دول الشمال الافريقي في السنوات الاخيرة. يضاف الى ذلك دخول اطراف جديدة على الخط المغربي، وفي مقدمها الولاياتالمتحدة التي طرحت فكرة بناء شراكة مع كل من المغرب والجزائروتونس، ما يحتم قيام تنسيق في سياسات هذه الدول، وكذلك ضغط واشنطن في اتجاه تحسين العلاقات لا ستيعاب الابعاد الاقتصادية والتجارية لمشروع الشراكة. ثم هناك بلدان الاتحاد الاوروبي التي تبدو متململة ازاء المنافسة الاميركية في مركز نفوذها التقليدي في الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، ويرجح ان تلقي بثقلها في الفضاء المغاربي. ويذهب محللون الى القول ان الانسحاب التدريجي للمؤسسة العسكرية الجزائرية من المسرح السياسي، سيفسح في المجال امام بدء صفحة جديد في العلاقات المغربية - الجزائرية، ويستندون في ذلك الى ان الصراعات داخل هذه المؤسسة ازاء الموقف من العلاقة مع المغرب قد تصبح غير ذي جدوى، في حال نجاح رئيس مدني في توجيه سياسة البلاد ضمن تطمين التيار المتشدد في المؤسسة العسكرية بأن الانفتاح على المغرب يكون افضل من المواجهة. وسبق للعاهل المغربي الملك الحسن الثاني ان حاور العسكريين الجزائريين خلال زيارة قام بها الى وهران في مطلع التسعينات، وحرص انذاك على تفقد قاعدة عسكرية بحرية، والاجتماع مع القادة العسكريين للدلالة على انفتاح بلده على الجزائر بمكوناتها العسكرية والمدنية، وتجسد ذلك اجتماعه مع قيادات الاحزاب السياسية، وضمنها عباس مدني في اول لقاء من نوعه. يضاف الى ذلك ان المعطيات التي كانت تتحكم في توجيه سياسات البلدين على طريق المنافسة التقليدية تراجعت بصورة ملحوظة. وحرصت الرباط في عضون ذلك على التقليل من اهمية التحركات العسكرية التي كانت تنظم قريبا من حدود البلدين، وفسرت مصادر عدة الغاء قوات بوليساريو تنظيم مناورات بالذخيرة الحية في الايام الاخيرة انه اشارة من الجزائر الى المغرب، لجهة عدم تصعيد الموقف. بيد ان قياديين في بوليساريو استبدلوا ذلك باطلاق تصريحات نارية عن امكان معاودة حمل السلاح، لكنه وضع مستبعد في ظل المعطيات الراهنة. ويفيد هذا التطور بالاتجاه نحو تغليب جانب الانفتاح على الصدام، لكن الموقف يظل رهن القدرة على احداث توازن دقيق في السياسة الجزائرية، يركز على الشأن الداخلي من دون اغفال التأثيرات الاقليمية، وفي مقدمها اعادة ملف العلاقات بين المغرب والجزائر الى مركز الصدارة. وتضيف المصادر ان عدم بلورة رد جزائري سريع على اقتراح رئيس الوزراء المغربي عبدالرحمن اليوسفي لمعاودة تطبيع علاقات البلدين، وتحديدا من خلال البحث في امكان فتح الحدود والغاء نظام التأشيرة، كان سببه الانشغال بترتيب الاوضاع الداخلية في الجزائر. ويرجح برأي اكثر من مراقب، ان اليوسفي الذي كان يرتبط بعلاقات مع المسؤولين في جبهة التحرير الجزائرية خلال فترة المعارضة اراد الافادة من تلك الارتباطات القديمة لمعاودة بناء علاقات ثقة جديدة. وثمة تيار جزائري ينظر الى ما يحدث في المغرب، كونه يساعد في استخلاص مواقف جديدة حول المصالحة الوطنية. وكانت الفاعليات السياسية في المغرب وتونسوالجزائر حاولت في العامين الاخيرين احياء خطوات التنسيق بينها، على مستوى اقرار صيغة جديدة لمؤتمر طنجة لعام 1958 الذي جمع قادة احزاب الاستقلال في المغرب، والجبهة في الجزائر، والدستوري في تونس، بهدف بلورة المشروع المغاربي انذاك، لكن المحاولة تعثرت، نتيجة انشغال الاطراف المعنية بترتيبات الاوضاع الداخلية في كل بلد على حدة. ولاحظت اوساط عدة ان غالبية المترشحين لانتخابات الرئاسة الجزائرية امسكوا عن القاء اللوم على المغرب ازاء ما يحدث في بلادهم، عكس ما كانت تتداوله الصحافة الى وقت قريب، وفي مقابل ذلك صدرت عنهم اشارات مشجعة لجهة انفتاح الجزائر على محيطها الاقليمي والتزام المضي قدما في خطوات البناء المغاربي والانشغال بالمحور الاوروبي، في حين حرص المغاربة على ابداء المزيد من التمنيات ازاء خروج الجزائر من ازمتها. تبقى بعض الاحداث العارضة مثل تفشي مرض في الابقار فسر في الرباط على انه قادم من الجزائر نتيجة تهريب المواشي في الشريط الحدودي، كذلك الحال بالنسبة للتقليل من ازمة مياه بين البلدين، قيل انه تم تحويل بعض منابعها في منطقة النعامة في تلمسان غرب الجزائر الى المغرب، ما دفع وزارة التجهيز الجزائرية الى نفي ذلك. لكن الثابت في غضون هذه التطورات ان الحدود البرية للبلدين لازالت مغلقة منذ صيف 1994، ويحتاج فتحها الى بلورة ارادة سياسية، ترهنها الجزائر ب "المقاربة الشاملة"، ويرهنها المغاربة باعادة عقارب الساعة الى محطة الحوار الذي يمكن ان يشمل الملفات كلها، بيد ان الحسم في قضية الصحراء يظل استثناء، كونه اصبح من صلاحيات الاممالمتحدة.