شنت الصحافة البريطانية هجوماً لاذعاً على فيلم "سيلفيا" للمخرجة النيوزيلندية كريستين جيفز الذي يرصد العلاقة المضطربة بين شاعر ذائع الصيت هو تيد هيوز وزوجته الشاعرة والروائية الاميركية سيلفيا بلاث قبيل انتحارها عام 1963. والطريف ان صب اللعنات على العمل الثاني لهذه المخرجة الشابة مواليد 1961 حدث قبل عرضه للنقاد او الصحافيين، وكان العرض الرسمي الوحيد في اختتام الدورة السابعة والاربعين لمهرجان لندن السينمائي. وجاء الهجوم الاقسى من صحيفة "التايمز" التي نشرت نصاً في صفحة "الرأي" من توقيع لبي بورفيز وتحت عنوان "هذا الفيلم بصقة في وجهي ابني الشاعرة بلاث"، اعتبر فيه الشريط "نموذجاً مرعباً للاعلام المعاصر الشاذ والمتبلد ذي المصالح الشخصية المتعفنة". وكان من الممكن اعتبار هذه الشتائم موقفاً خاصاً لكاتبه، لولا نشره في مطبوعة يومية هي الراعي الرسمي للمهرجان! الامر الذي اعطى هذه الكلمات وزناً اتهامياً لم تشهد مثله افلام السيرة الذاتية التي تتمتع، منذ سنوات، بوهج تجاري واقبال جماهيري على ضفتي الاطلسي. ولم يكتف المقال بهذا التجريح، بل شتم الجهات الانتاجية، ومنها ال"بي بي سي" و"مركز الفيلم البريطاني" اللتان أمنتا 45،2 مليون جنيه استرليني من اموال اليانصيب "اللوتو". ومع اعترافه المبطن بعدم مشاهدة العمل بقوله: "ومهما تكن صنعته ومهارة انجازه"، الا انه يمعن في تحامله: "فهذا الشيء متطفل وغليظ ولا يغتفر!". وكتبت "الغارديان" ان الشريط "لم يبال بشعر سيلفيا، ولم تكلف المخرجة نفسها مقاربة نصوصها ومعاناة ابداعها!". هل الشريط على هذا القدر من الخيانة؟ الفيلم الذي حضرت "الحياة" عرضه الصحافي، تقليدي البناء، رتيب الايقاع، لا يتضمن ابتكاراً خاصاً به، بل يمكن اعتباره نسخة مجمّعة لأشرطة مشابهه تتخذ السيّر مادتها وخامتها... لكن اللافت فيه انه مصنوع بطريقة ذات تخاتل درامي: للوهلة الاولى يتضح من خطاب الشريط ان المأساة التي ستهجم على حياة الشاعرة الشابة متأتية من شكوكها بخيانات زوجها المتكررة التي ستؤدي الى انفصالهما، الا ان المخرجة جيفز وكاتب السيناريو جون براونلو ركّبا في القسم الثاني مشاهد واحداث الايام الاخيرة لسيلفيا، تقدم مسوغات أخرى لانتحارها، وعزياه الى عزلتها والاعتراف الاخير لهيوز، خلال لحظة حميمية بين الطليقين تكاد ان تعيد اللحمة للعائلة المفككة، بأنه غير قادر على التخلي عن عشيقته الحامل! ويعود الفيلم الى قضية اتهام شاعر البلاط الملكي بالتخلي عنها وصغيريهما، متسبباً ب"جريمة" قتلها. وهذا موضوع شائك لم تغفر فيه النخبة الادبية البريطانية لهيوز سلوكه "الشائن"، حتى كسره صمته بعد 35 عاماً، بعدما نشر في سنة 1998 وقبل موته بمرض السرطان باسابيع قصائده الاعترافية في ديوان "رسائل عيد الميلاد" Birthday Letters التي تضمنت سرداً تفصيلياً لعلاقتهما الزوجية التي احرقتها نزوات الشاعر.