شك في ان للإعلام تأثيراً كبيراً في تشكيل الوعي المعرفي وصوغ أعراف المجتمع وعاداته وقيمه السلوكية. ولا شك في ان الدراما من اقوى العوامل الفاعلة في هذا التشكيل. وكشف تفاعل الجمهور مع مسلسل ك"عائلة الحاج متولي"، واتساع دائرة النقاش حوله، انتقال المشاهد من حالة التلقي الى الوعي. وفرضت ردود الفعل على كتّاب السيناريو ومعدّي البرامج، المزيد من الحذر عند تناول صورة المرأة في المجتمع وعدم الاعتماد على تصورات وراثية كانوا يتبنونها لا شعورياً في اعمالهم السابقة. ردود فعل الجمهور العربي دفعت بالمؤتمرات الأخيرة الى المطالبة بتغيير صورة المرأة النمطية في وسائل الاعلام، والعمل على تفعيل دور الاعلام العربي في خدمة قضاياها. وهو ما حث المجلس القومي المصري للمرأة على الطلب من الجهات المنتجة للدراما بأن تكون المرأة وحقوقها محور مسلسلات هذا العام. والتركيز على قضايا المرأة العربية في وسائل الاعلام لم يأت من فراغ، اذ اظهرت دراسات ميدانية، قدمت خلال المؤتمر الإقليمي الأول للسينما العربية، التأثير السلبي لما تقدمه الدراما العربية من نماذج للعنف ضد المرأة في تدعيم ذلك العنف. وأظهرت الدراسات ان الغالب على شكل العنف ضد النساء في الأعمال الدرامية هو العنف النفسي والمعنوي 92 في المئة والجسدي 39.7 في المئة. وأكدت الدراسة ان كل الأعمال التي قدمت أخيراً لم تخل من العنف ضد المرأة. في كل سنة، يسعى صناع دراما رمضان التي تحظى بأعلى نسبة مشاهدة، الى التركيز على عدد من القضايا الاجتماعية إيماناً منهم بان الدراما تكسب قيمتها الحقيقة من التفاعل مع مشكلات المجتمع وقضايا الإنسان. فقدّست موجة من المسلسلات انتفاضة الأقصى، واهتمت موجة أخرى بقضايا الفساد والرشوة أو المخدرات والإرهاب، واعتنت الثالثة بالعلاقات الاجتماعية مثل تعدد الزوجات والطلاق والزواج المبكر والزواج العرفي... إلا ان تشكيلة رمضان هذه السنة هي رهان حقيقي يخوضه لفيف من صناع الدراما، مركزين على قضايا المرأة لتشكل المحور الأول والأساس لمعظم أعمالهم، حاملين شعار "عام المرأة المصرية" بحسب ما أشار ناقد تلفزيوني. وصورة المرأة في رمضان هذه السنة هي صورة مغايرة لما ظهرت عليها في السابق. ففي حين ركزت المسلسلات سابقاً على دور المرأة التقليدي الذي يقتصر على امور الطهو والمطبخ والعائلة والموضة، واستبعدت الأدوار الأخرى التي تعتبرها كائناً منتجاً وعضواً فاعلاً، جاء "ملك روحي" و"تعالي نحلم ببكرا" ليقلبا المعادلة. وتجسد ليلى علوي في "تعالي نحلم ببكرا" دور سيدة اعمال ناجحة في عملها، يحسب لدهائها وذكائها الف حساب. ويسلط المسلسل الضوء على اهتماماتها وتطلعاتها والصراعات النفسية والعاطفية التي تمر بها. وتجسد يسرا في "ملك روحي" شخصية ملك، سيدة الأعمال الرومانسية التي تتمتع بعقلية متفتحة وتدير سلسلة من المشروعات الناجحة... وتواجه ملك التي تؤمن بضرورة الارتباط عن حب، المجتمع في سبيل حب يجمعها بشاب يصغرها بخمس سنوات. وتلعب نبيلة عبيد في "العمة نور" دور طبيبة نفسية تعود إلى مصر بعد أن قضت 25 سنة في الغرب، لتحارب المتغيرات التي طرأت على المجتمع المصري، وتسعى الى الحفاظ على هوية المجتمع وترابط العلاقات العائلية. ومن الاعمال التي تخصص حيزاً مهماً لاهتمامات الفتيات مسلسل "البنات". ويتعرض المسلسل لقضايا المرأة من خلال حياة اربع شقيقات، لكل واحدة منهن تجربة نسائية مختلفة. وفي حين تحاشى كتاب السيناريو الاقتراب من قانون الأحوال الشخصية وتناسى معظمهم اهتمامات المرأة الصعيدية وحقوقها، جاء مسلسل "ثورة الحريم" ليسلط الضوء عليها ويركز على حقوقها وحرمانها من الميراث في الأرض. كما يلقي مسلسل "المرأة في الإسلام" الضوء على حياة الكثير من النماذج النسائية اللاتي يمثلن قدوة المرأة المسلمة. بدأت الدراما الاجتماعية تقترب بذكاء وحذر من مشكلات العلاقات الإنسانية اليومية، ونجحت في التعرض لكثير من القضايا التي يعانيها مجتمعنا العربي وأبرزها قضية المرأة. الا انه من الجيد عدم تخصيص موجة كاملة لقضية المرأة واعتبارها حالة اجتماعية خاصة كالزواج العرفي او الرشوة، خشية ان ينظر اليها كفئة مجتمعية منفصلة في حين هي المحرك والعامل الأبرز في تطوير المجتمع. وإلا لما لا يخصص الكتّاب السنة المقبلة اعمالهم لمعالجة قضايا الرجل العربي والاهتمام بتطلعاته ومشكلاته؟