الفوانيس في الشوارع، وطفرة المسلسلات في التلفزيون عنوانان مميزان لشهر رمضان. فالمسلسلات في هذا الشهر ذات نكهة خاصة، إذ تقدم خلاصة الابداع الفني تأليفاً واخراجاً وتمثيلاً، وتعد ساحة حرة للتسابق على قلوب المشاهدين وعقولهم. وقد نجحت على مدى سنوات في جمع الأسرة أمام الشاشة الصغيرة يعرض أفرادها آراءهم مهما اختلفت أو اتفقت، متحولةً الى مادة ثرية للحوار. والى مائدة المسلسلات الرمضانية شاركت "الحياة" الأسر المصرية متعة المشاهدة، ورصدت أهم الملامح التي تربط الأسرة بهذه المسلسلات. المتتبع للمسلسلات الرمضانية هذا العام يلاحظ بوضوح ان صورة المرأة تحسنت كثيراً في الدراما التلفزيونية، ويبدو ان الانتقادات الحادة التي وجهت الى مسلسلات العام الماضي من المهتمين في قضايا المرأة دفعت الى التدقيق في اختيار الأعمال الدرامية هذا العام، خصوصاً أن المجلس القومي للمرأة عقد مع المؤلفين والمخرجين ندوات لحثهم على تبني قضايا المرأة والارتقاء بصورتها الدرامية من دون إخلال بالإبداع، وانما عملاً بأهمية دور هذا الابداع في الارتقاء بالوطن وبذوق جمهوره. وفي هذا السياق مسلسل "أين قلبي" لتجسد يسرا فاتن صورة ايجابية للأم المصرية التي تتفانى في خدمة أبنائها واعالتهم وتربيتهم على الأخلاق الكريمة بعد وفاة الأب. وفي كل ذلك هي امرأة عاملة أمينة ومثالية تؤدي واجباتها في العمل على أكمل وجه، بل تتصدى بشراسة للفساد. وهذه الصورة المنسجمة للأم المصرية الناجحة والعاملة الناجحة في وقت واحد انما غابت كثيراً في المسلسلات والدراما من قبل، إذ ساد لزمن طويل ان المرأة الناجحة عملياً تخلف وراءها أسرة مفككة وفاشلة وأبناء تائهين أو منحرفين. عالج المسلسل قضايا اجتماعية تشغل المجتمع المصري وحاول تصحيح مفاهيم مغلوطة كثيرة مثل صورة المرأة المطلقة والمرأة العانس أيضاً، وعرض الأفكار الخاطئة السائدة تجاههما مع الردود المقنعة من خلال الحوارات المدمجة بحنكة في الحبكة الدرامية، ناهيك بقضايا الفساد والدروس الخصوصية. ومن دون افتعال، نجح هذا المسلسل في التركيز على قيم انسانية مهمة مثل الصداقة الحميمة المخلصة بين يسرا وعبلة كامل وبر الوالدين ورعايتهما بعد الكبر في عاطفة فاتن المتدفقة نحو الدها المسن. واللافت ان مؤلف المسلسل مجدي صابر لم يقدم هذه الصورة الايجابية للمرأة معزولة عن المجتمع المحيط، ولا مجرداً إياها من الواقع المملوء بالمتناقضات، بل ظهرت على النقيض صورة "خوخة" الزوجة المتسلطة السليطة اللسان. لكن النسيج الدرامي أوضح استنكار هذا النموذج والنفور منه، وبهذا أصبحت الدراما فعلاً مرآة للمجتمع تعكس ايجابياته وسلبياته من دون أن تتنحى عن دورها في الارتقاء به. "قاسم أمين" جاء في وقته كما تألقت صورة المرأة في مسلسل "أميرة في عابدين" واحتفظت الفنانة سميرة أحمد بالصورة الراقية للمرأة وتمسكها بالقيم وبمحاولة التأقلم مع الظروف الحياتية الجديدة بعد غدر زوجها بها وهروبه بأموالها، فتحتضن أولادها وتحاول حل مشكلاتهم وإن كان المسلسل يذكرنا بمسلسل "امرأة من زمن الحب" الذي أدته سميرة أحمد بالصدق والتلقائية والمثالثة نفسها. أما عرض مسلسل "قاسم أمين" فأشبه بالسهم الذي أصاب الهدف، إذ تظهر فيه مسألة تحرير المرأة محوراً للقضية، ويعرض أفكاراً ايجابية ودعوات تحررية دعا اليها قاسم أمين منذ أكثر من مئة عام وما زالت ساخنة حتى يومنا هذا. الجميل ان المسلسل يعرض على لسان الشيخ محمد عبده اجابة عن قضايا مهمة في المجتمع ما زالت تتعلق برأي الدين وتفسيراته، ويؤكد ان الدين لا يمكن ان يقف في طريق تقدم البشرية بأي شكل من الأشكال. ويعتقد كثيرون ان عرض هذه الآراء وهذه الحجج الدينية في شهر رمضان خطوة ذكية من التلفزيون المصري وقطاع الانتاج خصوصاً أن الدراما هي أقوى الوسائل للتأثير في المجتمع. ولم تعكس المسلسلات الأخرى مثل "جحا المصري" و"العطار والسبع بنات" أي اسقاطات سلبية على صورة المرأة في الدراما الرمضانية، وإن كانت العيون متحفزة تجاه مسلسل العطار وبطله نور الشريف اثر زوبعة رمضان الماضي التي آثارها مسلسل عائلة "الحاج متولي" لكنه لم يكشف حتى الآن عن أي نية مبيتة لتشويه صورة المرأة. وعلى جانب آخر من المسلسلات الرمضانية عكس مسلسل الموسم "فارس بلا جواد" صورة قوية وشجاعة للمرأة المصرية الوطنية شريكة الكفاح والنضال ضد الاحتلال بصوره المختلفة، ومرارتها المضاعفة سواء من بطش الأتراك أم الانكليز عندما يصبح زوجها أو ابنها أو أخوها هو الضحية. متابعة أسرية هادئة وإذا تركنا صورة المرأة جانباً نجد ان المسلسلات الرمضانية هذا العام، خصوصاً الاجتماعية، لم تثر جدلاً داخل الأسرة المصرية، فقضاياها ليست ساخنة الى درجة تشعل الجذب والشد بين أفراد الأسرة المصرية. وإن كانت هذه المسلسلات تجمع أفراد الأسرة لمشاهدتها وتتبع أحداثها، لكن في هدوء أو انسجام. وتقول بعض الأمهات إنهن ينتهزن فرصة عرض بعض السلوكيات الخاطئة في المسلسلات لفتح باب النقاش مع أبنائهن لمعرفة ما يدور في أذهانهم مثل "الزواج العرفي" أو الكذب على الأم وإخفاء الحقائق عنها. وعبرت الآراء في شبه إجماع عن أن متابعة المسلسلات التلفزيونية لا تحدث غربة أو عزلة بين أفراد الأسرة ولا يكون تجمعهم حولها شكلياً فقط، بل على العكس تماماً، إذ يتم تبادل الحوار حول تقويم التمثيل ومناقشة القضايا المطروحة، وتبادل الآراء في ما يقرأه أحد أفراد الأسرة عن أحد المسلسلات في الجرائد والمجلات وما يثار حولها، وكلها تشكل جواً من الحوار المتبادل الى مائدة المسلسلات الرمضانية، وإن كانت هناك استثناءات تشير الى أن أفراد الأسرة يفضلون الصمت عند متابعة أحداث المسلسلات وبعد انتهائها ينصرفون لتعويض ما ضاع من وقتهم، إذ يعود كل منهم لمتابعة أعماله أو استذكار دروسه. فخامة مستفزة من جانب آخر لفتت بعض الأسر الانتباه الى عنصر استفزازي في معظم المسلسلات وهو فخامة البيوت والمنازل والفيللات التي تظهر على شاشة التلفزيون، وقال أحدهم: "أنا لا أجد في الواقع مثيلاً لهذه البيوت التي نراها في المسلسلات. فالمنازل المتعددة الطبقات والسلالم الداخلية والانتيكات والتحف والسجاجيد تشبه ما يوجد في القصور وليس في منازل الأسر العادية. وعندما يعرض أحد المسلسلات بيت أسرة فقيرة يكون أفخم وأوسع من بيوت عائلات تظن انها تعيش في نعيم. فمثلاً بيت عابدين في مسلسل "أميرة في عابدين" يأتي كبيت بسيط في حي شعبي من أحياء القاهرة تحاول فيه أميرة أن تساعد ابنتها على الاقتناع والرضا بالعيش فيه إثر أزمة العائلة المالية، ومع ذلك تظهر فيه "الردهات" والبلكونات الكبيرة، والحجرات الواسعة بمظهر يفوق أحسن المساكن في أرقى الأحياء. ويرى قطاع غير قليل من الشباب أن هذه المظاهر تثير حنقهم وتدفع بهم للإحباط، إذ لا يستطيعون تدبير شقة صغيرة من حجرتين فقط ليكوّنوا فيها أسرة جديدة. أما "توابل رمضان" التلفزيونية المتمثلة في فوازير رمضان فقد غابت عن الشاشة الصغيرة للعام الثاني، بعد أن كانت موضوع الساعة طوال الشهر الكريم، ويرجع تاريخها في التلفزيون الى السبعينات من القرن الماضي منذ أن قدمها ثلاثي أضواء المسرح: سمير غانم وجورج سيدهم والضيف أحمد. وتوالت فوازير نيللي وفوازير شريهان وكانت الفوازير الاستعراضية أهم الملامح الرمضانية حتى ان المشاهد لم يكن يتخيل ان رمضان يمكن ان يكون من دون "الفوازير". ويبدو أن احتجاب الفوازير جاء متفقاً مع روح العصر، فلم يعد الناس يطيقون سيل الأسئلة لمدة 30 يوماً ثم تجميع الأجوبة وإرسالها نهاية رمضان والانتظار شهوراً حتى تعلن اسماء الفائزين، خصوصاً ان المسابقات الفورية تملأ البرامج والمسلسلات كل يوم، وتعلن اسماء الفائزين في اليوم التالي، وتحول العبء الذي كانت تعانيه الهيئة العامة للبريد الى مكاسب ضخمة لشركات الاتصال الهاتفي، وفي النهاية تحملت الأسرة المصرية عبئاً مادياً متزايداً من الاتصالات المتكررة لمحاولة حل المسابقات المطروحة كل يوم، وان كان البعض لا يزال يشكك في جديتها خصوصاً انها لا تخضع لرقابة وزارة الشؤون الاجتماعية، ولا تعلن جوائزها علناً.