سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الحياة" التقت عائلة رئيس الوزراء العراقي الراحل ... وزارت حقائبه وأوراقه . النايف : عميل لصدام عبر الحدود إلى إيران واخترق "المؤامرة" وحرض الراوي على قتلي حضر العقيد الركن إلى لندن وانتظرني أياماً لكن "الفخ منصوب والصيد غائب" 3
صفحات التاريخ العراقي الحديث منجم آلام. كلما حفرت عثرت على جثة. هجمت عليّ هذه الصورة وأنا افتش في حقائب رئيس الوزراء العراقي الراحل عبدالرزاق النايف. كان نجله علي يراقب انهماكي بتقليب الأوراق وقصاصات الصحف والمفكرات. الغبار المتراكم على الحقائب يوحي أنها لم تفتح منذ وقت طويل. قال علي إن العائلة رفضت عروضاً لبيع المذكرات. "لا نريد المتاجرة بأسرار والدي. إنها المرة الأولى التي نجيز فيها لصحافي معاينة هذه الملفات والأوراق". سألته عن السبب، فقال إنه كان ذات يوم في اجتماع عمل طويل ولاحظ لدى خروجه أنه تلقى سلسلة من الرسائل عبر الهاتف. وكانت الرسائل تستفسر عما إذا كان قرأ اعترافات وزير الدفاع العراقي السابق الفريق إبراهيم الداود في "الحياة" والتي يتحدث فيها عن والده. وأضاف انه قرأ الحلقات ورأى فيها "قدراً من الانصاف لوالدي الذي لحق به ظلم كبير بسبب سيطرة صدام حسين المطلقة على الإعلام العراقي والحضور الواسع لماكينته المالية في الإعلام العربي خارج العراق". في اللقاء الأول كان علي النايف يقلّب الحسابات. الاستمرار في الصمت يعني ترسيخ الصورة التي روجها إعلام البعث عن والده. وهي صورة غير مريحة بالتأكيد، إذ تقدم النايف في صورة ضابط يحاول توظيف "ارتباطاته الخارجية" للانفراد بالسلطة ثم العودة إليها. أما فتح الأوراق فيمكن أن يجدد الجدل حول الرجل. وما لم يقله علي النايف ظهر جلياً في عينيه. من يضمن له أن الصحافي الزائر سيعالج الموضوع بما يلزم من الحياد والنزاهة. سألني: "لماذا اهتمامك بقصة والدي فهو قُتل قبل خمسة وعشرين عاماً. الجيل الجديد في العراق لا يعرف اسمه". أوضحت له أن اسم عبدالرزاق النايف تكرر مرات عدة في سلسلة "يتذكر" على لسان صلاح عمر العلي وإبراهيم الداود وعبدالغني الراوي. الأول ساهم في اخراجه من القصر والبلاد. والثاني كان صديقه وشريكه في حركة 17 تموز يوليو 1968 التي أعادت البعث إلى السلطة وكان شريكه في الخسارة المبكرة أيضاً. والثالث كان شريكه في "المؤامرة" لإطاحة البعث التي نجح النظام في اختراقها وافشالها وكانت النتيجة حكمين غيابيين بإعدام الراوي والنايف ودحرجة رؤوس عشرات الضباط. وذكرت له أن والده كان حاضراً في اجتماع طويل برئاسة شاه إيران محمد رضا بهلوي أقرت فيه خطة "المؤامرة" التي سارع النايف إلى الانسحاب منها بعدما شم رائحة اختراق نجحت الاستخبارات العراقية في تحقيقه. اقتنع علي النايف وتشاركنا في فتح الحقائب والاطلاع على محتوياتها. احتفظ النايف في إحدى حقائبه بنص الحكم الذي صدر بحقه وجاء فيه: "أدانت المحكمة الخاصة برئاسة طه الجزراوي طه ياسين رمضان، عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي وعضو مجلس قيادة الثورة، المجرم عبدالرزاق النايف وزمرته بالتآمر على الحكم التقدمي في القطر العراقي، وحكمت عليه غيابياً بالإعدام رمياً بالرصاص حتى الموت وطرده من الجيش. فقد ثبت للمحكمة ضلوع المجرم النايف مع زمرة المؤامرة الرجعية المقبورة بالكيد لثورة السابع عشر من تموز ومشاركته الفعلية في التخطيط للمؤامرة الدنيئة وقيامه بنشاط واسع في الاتصال مع منفذيها وأسيادهم في حكومة طهران العميلة تطبيقاً لما دبرته المخابرات المركزية الأميركية والصهيونية من التحضير للمؤامرة وتهريب الأسلحة إلى العراق ومد المتآمرين بالمال لإطاحة النظام الثوري في العراق وطعن الجيش العراقي الرابض على خطوط النار من الخلف. وقد تردد اسم المجرم النايف مرات كثيرة في التسجيلات السرية لاجتماعات المتآمرين التي تمت إذاعتها على المواطنين في حينها، مما أكد الصلة الوثيقة التي تربطه بالمتآمرين والجهات الأجنبية الاستعمارية والرجعية التي تقف وراءهم. وعقدت المحكمة الخاصة جلسة يوم أمس الأول 28 شباط المنصرم برئاسة الرفيق طه الجزراوي وأصدرت قرار الحكم التالي: 1- الحكم غيابياً على المجرم عبدالرزاق النايف بالإعدام رمياً بالرصاص .... 2- طرده من الجيش .... 3- التوصية بمصادرة جميع أمواله المنقولة وغير المنقولة. 4- اعتبار الجريمة من الجنايات العادية المخلة بالشرف حسب قانون رد الاعتبار. وصدر القرار باتفاق الآراء وافهم علناً طه الجزراوي رئيس المحكمة الخاصة ناظم كزار عضو علي رضا عضو" نشر القرار في "الوقائع العراقية" 1851 في 11 آذار مارس 1970. يكفي الالتفات إلى اسم رئيس المحكمة ورفيقيه لمعرفة طبيعة المحاكمة. في الحقائب أيضاً رسالة من النايف إلى شخص اسماه "أبو فارس" يطلب منه الآتي: "1- ارجو الاهتمام بشؤون العراق بالدرجة الأولى. 2- العمل على دعم جماعة مسعود البارزاني بكل قوة وجهد. 3- يهمني جداً أن يكون التنظيم في الصورة وتجنب العمل مع كل من يشتبه فيه بأنه يعمل مع المخابرات العراقية أو السورية أو أية مخابرات. 4- كشف عملاء إيران والتشهير بهم على أعلى مستوى وعلى نطاق واسع". ولعل أهمية هذه الرسالة التي لا تحمل تاريخاً، تكمن في تأكيدها أن النايف أنشأ تنظيماً في الداخل العراقي وربما هذا ما يفسر إقدام السلطة على إعدام ضباط ومدنيين بحجة التآمر لإطاحة نظام البعث. أسلحة واتهامات وبين أوراق النايف رسالة تلقاها من "أبو فارس" على الأرجح، وفيها حديث عن عمليات نقل أسلحة وجاء فيها: "ارسلت الحكومة السورية إلى الثوار الأكراد في العراق شحنة من الأسلحة بواسطة جلال الطالباني عن طريق تركيا. وحين وصلت الأسلحة من سورية إلى تركيا وضعت في قرية على الحدود العراقية. الشخص الذي نقل الأسلحة إلى تركيا من جماعة جلال وهو مهرب كبير. بقيت الأسلحة في تركيا ولم توزع على الجماعات المقاتلة بحجة أن جلال الطالباني موجود في أوروبا ولم يبعث خبراً بادخالها إلى العراق. حين سمع جماعة مسعود البارزاني بهذه الحجج أمروا جماعتهم بتطويق القرية وعدم السماح بنقل السلاح إلى أي جهة ما لم ترسل سورية مندوباً عنها يشرف على توزيع السلاح على الجماعات المقاتلة كافة. ولا يزال السلاح موجوداً داخل الأراضي التركية. - تم عقد صفقة سلاح من لبنان لجلال الطالباني مقدارها خمسة آلاف رشاش كلاشنيكوف وبسعر ألف ليرة لبنانية للرشاش. ويقال إن جلال قال للسوريين إن هذه الأسلحة مرسلة إلى جماعته في العراق لتقاتل بها الجيش العراقي. الحقيقة عكس ذلك ولدينا معلومات تقول إن ... يبيع هذا السلاح في تركياوالعراق وبسعر 300 دينار عراقي ...". وسجّل النايف ملاحظاته على الرسالة بحبر أخضر، وتضمنت اتهامات خطيرة وقاسية لجلال الطالباني وعمه إبراهيم أحمد. احتفظ النايف أيضاً بأعداد من الصحف العراقية، خصوصاً "الثورة" و"الجمهورية" تتحدث عن كشف المؤامرة وإعدام متآمرين. كما احتفظ بأعداد من صحيفة "النهار" اللبنانية تتحدث عن 17 تموز 1968. وفي الحقائب أيضاً مفكرات تتناول شؤوناً شخصية والبومات صور ومسائل أخرى. *** مؤامرة برعاية الشاه ترك فشل "مؤامرة الراوي" جرحاً عميقاً في قلب عبدالرزاق النايف الذي تخلى عن المشاركة قبل الموعد المفترض للتنفيذ. ذات يوم قال النايف لمقربين منه إن الرواي ألح عليه لابلاغه اسماء مجموعة من 43 ضابطاً كانوا على استعداد للمشاركة في المحاولة، وقد اعدم 40 منهم. وحتى الساعة لا يمكن الجزم بطريقة تسرّب الأسماء في هذه العملية التي اشتبكت فيها الاستخبارات العراقيةوالإيرانية ولم تكن الاستخبارات الغربية بعيدة عنها. ما الذي جمع الراوي نائب رئيس الوزراء السابق صاحب النهج الإسلامي وعبدالرزاق النايف رئيس الوزراء السابق؟ الإجابة بسيطة: الحقد على نظام البعث والسعي إلى اطاحته. لا شيء آخر يجمع الرجلين اللذين لم يترددا في التعاون مع أي جهة كانت مستعدة لدعمهما في مواجهة نظام البعث. السياسيون العراقيون قساة حين يمارسون السلطة. ومراراتهم تتحكم برواياتهم حين يدفعون إلى المعارضة. وقساة أيضاً حين يلجأون إلى المفكرات لاقناع التاريخ بأن الأخطاء والخطايا جاءت من الآخرين. في 7 تموز يوليو الماضي نشرت "الحياة" بعض ما كتبه الراوي في مفكرته التي سلمني اياها عشية الحرب الأميركية على صدام حسين. ولم يرحم الراوي "شريكه" النايف واتهمه بالتصرف "وفقاً لمشيئة أسياده" وحمله مسؤولية الفشل. كتب الراوي عن اجتماعه والنايف بالملا مصطفى البارزاني ثم انتقل إلى المحطة الإيرانية. قال: "عدنا إلى طهران وكان لكل منّا رأيه أنا والنايف في الخطة التي يقتضى اتباعها لإنقاذ العراق من حكم "البعث" الكافر بالله وبالإسلام وبالعراق وبأنفسهم ثم وصل والتحق بنا طه جابر قادماً من فيينا عن طريق مصر ثم التحق بنا صبار عبدالجادر. ج. جرت مقابلة الشاه محمد رضا بهلوي في قصره على بحر قزوين لغرض مناقشة الخطة، يرافقني عبدالرزاق النايف وسعد صالح جبر بحضور الجنرال نصيري والمترجم محسن فارس وبقي الآخرون في غرفة الانتظار قرب الباب النظامي وهم الجنرال معتضد وفرازيان ومنصور بور وعباس آزرمي وضابط كاتب الاختزال برتبة مقدم. أولاً - كانت خطة عبدالرزاق النايف ويسنده سعد صالح جبر بأنه يكفي أن نشتري ذمة العقيد الركن محمد علي سعيد مدير الحركات العسكرية وقائد القوات المدرعة وقوات بغداد وعضو مجلس قيادة الثورة في الوقت نفسه، ثم يجري الانقلاب داخل البعثيين لمصلحتنا. أما نحن فنركب الطائرة من طهران إلى بغداد، فإذا تفضلوا علينا باعطائنا مسؤولية أي وزارة، فهذا فضل منهم، وإلا فالعودة إلى بيوتنا سالمين. ثانياً - وكان رأيي عكس ذلك تماماً، حيث شرحت بالتفصيل بأن احتمال نجاح أي انقلاب ضد البعثيين لا يتجاوز 50 في المئة، وبأن الخطة الأصح هي في ذهابنا إلى شمال العراق مع الثوار الأكراد والبارزانيين، ومن هناك نجري الاتصال بالضباط من أوامر الوحدات والتشكيلات، بل وحتى الوحدات الفرعية أمراء الفصائل والسرايا ثم بتوقيت موحد نسيطر على القطاعات العسكرية في شمال العراق ووسطه وجنوبه، خصوصاً تلك القطاعات القريبة من الحدود، ثم نزحف بها وفقاً للخطة إلى بغداد، وفي الوقت نفسه نشعل الثورة لدى العشائر المحيطة ببغداد وجنوبها وشمالها، وفي الوقت ذاته تزحف فصائل الأنصار للثورة الكردية البارزانية وفقاً لخطة موحدة مع زحف قوات الجيش العراقي. وهذا لا يمنع من شراء ذمة محمد علي سعيد ليقوم بانقلاب داخل قيادة حكم "البعث" في بغداد، وأن يجري توقيت هذا الانقلاب ضمن الخطة العامة، حيث ان اعتماد الخطة هو على زحفنا بالقطاعات العسكرية وفصائل الأنصار وبالعشائر، وسواء نجح محمد علي سعيد بانقلابه أم فشل، فإن زحفنا من الشمال والجنوب مع قيام الثورات للعشائر المحيطة ببغداد وفي الفرات الأسفل وفي الحويجة كركوك وفي الجزيرة ما بين دجلة والفرات سيقرران نجاحنا في سحق حكام "البعث" والانتصار عليهم بإذن الله تعالى. لقد أيّد الشاه خطتي بعد مناقشة استمرت ساعتين وخمساً وعشرين دقيقة بينما كان مقرراً ان تكون مقابلتنا مع الشاه لمدة عشر دقائق قد تطول لتبلغ اثنتي عشرة دقيقة أو خمس عشرة دقيقة كحد أقصى. عدنا ليلاً الى طهران حيث طلب سعد صالح جبر ان يسافر فوراً الى اميركا مباشرة وقد أخبرني وبعد أكثر من ثلاث سنوات ونحن في لندن بأنه كان يسافر الى هناك ليقدم تقريره وبعلم من ايران وهي التي كانت تسفره وتستدعيه". وأضاف: "وتدور الأيام ويعود سعد صالح جبر من أميركا ويحضر السيد مهدي الحكيم والسيد حسين الصدر ويلتحق سعد صالح جبر للسكن معهما. يتركنا وقد نزلنا في القصر المنيف حيث حوض السباحة والحدائق الكبيرة ليسكن معهما في فيلا في طهران بارس. وشيئاً فشيئاً أصبحت أجهل ما يجري حولي لعدم اخباري بالأشياء المهمة مع منتهى التقدير والاحترام لشخصي الفقير بينما عبدالرزاق النايف يصول ويجول ويذهب يومياً الى الاجتماع بهم في دوائرهم التي أجهل مكانها ولم أرها في حياتي. كما سافر عبدالرزاق النايف مرتين الى أوروبا لا أعلم الى أي البلدان ولا من قابل ولا فحوى ما دار بينهم ولا مدة بقائه في كل سفرة وان كانت لبضعة أيام حسب تقديري، ولربما لدى ابراهيم عبدالرحمن الداود زميله، علم بها، كما سافر النايف مرتين الى قرب الحدود العراقيةالايرانية ولم أعلم بسفراته هذه في حينها ولا أسبابها ولا الغاية منها ولا أسلوب التنقل فيها. وفي أواخر عام 1969 أخذ عبدالرزاق النايف حاجياته ولوازمه وسافر الى لندن يرافقه هلال بلاسم الياسين مصطحباً معه أغلى أنواع السجاد الايراني. وحين طلبت ايران منه العودة رفض وأسمعهم فاحش القول، فطلب الملا مصطفى البارزاني أن يسمع من النايف أسباب رفضه العودة والعمل حينما أخبرته ايران بذلك لذلك ارسلوا وفداً يضم ممثلين عن الأكراد والشيعة والمسؤولين الايرانيين. وفي لندن أبلغهم صراحة رفضه العودة الى ايران، وأسمع الايرانيين فاحش القول ثانية. وفي يوم من أيام كانون الأول ديسمبر 1969 وبصورة مفاجئة طلب الجنرال نعمة الله نصيري رئيس السافاك أن يزورني في اليوم التالي بعد انقطاع دام أشهراً عدة. وأبلغوني بانسحاب عبدالرزاق النايف ومغادرته الى لندن وقصة الوفد الذي ارسلوه اليه من دون علمي. وقالوا ان نتيجة زيارة هذا الوفد الى جميع الأشخاص الذين ادعى النايف بأنه يمثلهم ويتكلم باسمهم بأنه رئيس لهم وللموجودين في أوروبا وشمال افريقيا والشرق العربي كشفت أكبر كذبة. وعند حضور الجنرال نصيري في اليوم التالي ومعه معتضد وفرازيان والمترجمون وكاتب الاختزال أكدت مجدداً على ما كنت طلبته مراراً بأن أغادر طهران الى شمال العراق لغرض الشروع بإكمال ما يلزم لتنفيذ الخطة". شركاء ومحاولة قتل! في الأوراق التي تركها في حقائبه يقدم النايف رواية أخرى. يقول انه اكتشف نجاح الاستخبارات العراقية في اختراق الحركة ويصل الى حد اتهام الراوي بالسعي الى قتله. وهذا ما قاله النايف: "لم يقف البعث التكريتي عند هذا الحد، وأخذ رئيس العصابة الحاكمة يخطط من جديد واستهدفني أنا الذي لو بقيت حياً سيصبح من المستحيل عليه ان يبقى في السلطة لا سيما وأن تموز عام 1969 كان حاراً جداً والموقف الداخلي في العراق يزداد سوءاً يوماً بعد يوم وبلغ التذمر أوجه. والقتال في شمال العراق بين الجيش العراقي والقوات الكردية أصبح عنيفاً جداً وجميع العناصر العسكرية غير المؤيدة للبعث أوشكت ان تتمرد على البعث التكريتي الحاكم ولا تريد أن تقاتل من أجل بقاء حكم العصابات الذي ارهق الشعب العراقي وفكك وحدته الوطنية. في 12 آب اغسطس 1969 كنت في طهران والتقيت عبدالغني الراوي الذي كان هناك في تلك الفترة ايضاً ويدعي انه هارب من العراق خوفاً من اعتقاله. الراوي كما وصفته في فصل سابق من مذكراتي انسان غريب عجيب يدعي شيئاً وفي بطانته شيء آخر... من دون سابق انذار وصل الى دار الضيافة الذي كنا نقيم فيه ضيفاً على الحكومة الايرانية شخص عراقي كردي الأصل اسمه كاكا أحمد يعمل مقاولاً في العراق ويدعي انه تسلل من الحدود وجاء لمقابلة غبي الراوي بمهمة خاصة. من دون أي شك علمت ان المومأ اليه ارسله رئيس عصابة البعث بواجب خاص، ومكث يومين مع الراوي وبعدها غادر الى العراق مدعياً انه سيتسلل أيضاً من الحدود. لا أدري كيف اقتنع الايرانيون بهذا العذر، وكيف صدقه الغبي غبي الراوي. ولا أريد ان أسهب في حديث ممل من هذا النوع وأكرر كلمة كاكا أحمد وغبي الراوي واختصر الموضوع بالآتي: ظهر ان المومأ اليه موفد من عصابات البعث الحاكمة في بغداد وهيأوا له الجو الملائم والظروف لاجتياز الحدود على أن يحاول اقناع النايف بمرافقته الى العراق وهو يؤمن الاتصال اللازم له مع الأشخاص الذين يتعاون معهم... وفي حال عدم نجاحه في هذه المهمة يقوم بالاغتيال في حال عدم وجود حراسة... وفي حال عدم تمكنه يحرض الراوي على قتل النايف بتسخير أحد اعوانه باعتباره أخذ كل شيء من يده وهو القائد الفعلي والشخص الذي له مكانة عند السيد البارزاني والثورة الكردية ويفهم الراوي انه أصبح صفراً على الشمال. وحاول الراوي ان يقنع أحد أقاربه معاون الشرطة المتقاعد جبار الراوي بتنفيذ المهمة فرفض وحاول اقناع رئيس العرفاء مطر حمد ذياب الذي كان مع الراوي فرفض... وأبلغ الاثنان السلطات الايرانية بما يريده منهما الراوي... ونقل لي هذا الحديث نصاً السيد شمس الدين المفتي ممثل السيد البارزاني في طهران. والحقيقة كنت أشعر بحقد الراوي الناتج من غبائه ولكنني لا أفهم لغة المجانين حتى استطيع ان أرد لهم عقولهم وأفهمهم الحقيقة والواقع... وهكذا مرت هذه المحاولة بسلام. في أوائل أيلول سبتمبر 1969، اتصل بنا العقيد الركن محمد علي سعيد والذي كان يشغل منصب مدير الحركات في الجيش العراقي وهو من أقطاب البعث المحيطين بأحمد حسن البكر وطلب التعاون معنا وأبدى تذمره من حكم العصابات البعثي في بغداد وارسل خاله أو عمه، لا أذكر بالضبط، لمفاتحة أحد أعواننا في العراق ورتب ان يتم لقاء بيني وبينه في لندن لأنه سيغادر مع رئيس أركان الجيش في مهمة خاصة ومن هناك سيتركه لأجل المعالجة الطبية... ووضع كلمة سر أقولها أنا للملحق العسكري العراقي بالتليفون وهذا يعني أنا أريد التحدث معه وأحدد مكان اللقاء فكانت كلمة السر "أنا علاء أريد الأخ أبو علاء". طبعاً جهاز استخبارات عصابات البعث أعد في لندن كل التدابير اللازمة سواء لخطفي أو القتل في حال عدم نجاحهم في الخطف. وفعلاً وصلت لندن يوم 12 أيلول 1969 لأقف على نية محمد علي سعيد... فوضعت خطة سريعة لاستطلاع الموقف. طلبت من ملحقنا العسكري العقيد الركن سعدون حلمي والذي كان من أعواني في هذا الوقت وحضر الى الفندق الذي أقيم فيه الساعة السابعة صباحاً واعطيته موجزاً عن اسلوب اتصال محمد علي سعيد. أوضحت له انني أشك في انه يريد التعاون الفعلي وربما هذه مؤامرة جديدة مسرحها لندن. ايدني فوراً وقال لي لا تقابل محمد علي سعيد مطلقاً والأفضل ان تعود الى شمال العراق لأن مدير الاستخبارات هنا وعدداً من اتباعه وعدداً آخر من اعضاء الحزب جميعهم حضروا لهذه المهمة. وكان قرارنا ان نترك الفندق فوراً، واستمر محمد علي سعيد مرابطاً في غرفة العقيد الركن سعدون حلمي أياماً في انتظار التليفون لتنظيم الاجتماع واللقاء، ولكنه لم يجد نتيجة واستمريت اسأل سعدون حلمي عن الموقف فكان جوابه بالشفرة بيننا "الفخ منصوب والصيد غائب". هكذا نجوت من هذه المحاولة الغادرة ايضاً، وهي المحاولة الثالثة، وفشلوا والله يخذلهم ولا يريد لهم النجاح في كل عمل لغير الخير وان اعمالهم كلها متجهة نحو الشر فكانت دوائر السوء تحيق بهم! تعليق: ثبت لي في ما بعد من شفيق الدراجي سكرتير أحمد حسن البكر ومن عبدالله الحديثي مدير استخبارات البعث ان هذه المؤامرة كانت مدبرة جيداً وكانوا يريدون أخذي الى العراق كأسبقية أولى. وفي حال عدم نجاحهم يتم قتلي والتخلص مني ...". غداً حلقة أخيرة