قال أحمد الجلبي إنه لا يشعر بالخوف عندما يتجول بين الناس في شوارع بغداد، وإنه نادم على ترك عائلته أكثر من اللازم للاهتمام بالمسائل العامة. ونفى ان يكون واحداً من رجال الأعمال قائلاً إن المال لا يعنيه إلا بالقدر الذي يغنيه عن الناس والحاجة. وأبدى إعجابه بالجنرال ديغول لأنه دافع عن فرنسا من دون ان يكون لديه شيء. وهنا نص الحلقة الأخيرة: دكتور الجلبي. متى ولدت؟ - في 30/10/1944 في حي الأعظمية في بغداد. والدي هو عبدالهادي عبدالحسين الجلبي، ووالدتي بيبي حسن البصام. وكم أخ لك؟ - خمسة هم رشدي وحسن وجواد وطلال وحازم. وثلاث شقيقات هن ثمينة ورئيفة ونجلا. ورشدي هو أكبرنا وولد عام 1917. أين درست؟ - درست في مدرسة عادل الابتدائية في بغداد. ثم في كلية بغداد للآباء اليسوعيين، وبعدها لثلاث سنوات في كلية «سيفورد كولدج» في بريطانيا، ومنها إلى «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» في العام 1961. وحصلت على درجة بكالوريوس العلوم في الرياضيات. والتحقت بجامعة شيكاغو في العام 1965، وحصلت منها على دكتوراه في الرياضيات بعد ذلك بأربع سنوات. هل لك انجاز علمي في مجال الرياضيات؟ - نعم. أنجزت نظرية في الجبر على شيء من الأهمية. كانت عائلة الجلبي تتعاطى في السياسة، وهي من رجال المال؟ - نحن من قبيلة طي العربية التي تسكن شمال سورية، ودخلت إلى العراق في آخر حملة عثمانية لاحتلال العراق من الصفويين بقيادة السلطان مراد الرابع في العام 1637. سكنوا في منطقة الكاظمية وفي مدينة بلد شمال بغداد. وعينهم العثمانيون حكاماً للعاصمة، وكانوا على علاقات واسعة بالعشائر العربية التي وفدت إلى العراق من الجزيرة العربية وسورية، مثل تميم وزوبع. وشاركوا في العمل السياسي وكانوا يملكون أراض، ووالدي دخل في التجارة بشكل واسع. وكان جدي عضواً في الجمعية التأسيسية العراقية التي انتخبت العام 1922، ثم عضواً في مجلس الأعيان. واصبح وزيراً للمرة الأولى في حكومة عبدالمحسن السعدون في العام نفسه، حين تولى حقيبة المعارف. ودخل الحكومة ثماني مرات حتى وفاته عام 1939. في العام 1930، فاز والدي بالانتخابات في الكاظمية، واصبح وزيراً في العام 1944 في وزارة أرشد العمري وبعدها في إحدى وزارات نوري السعيد. وفي العام 1948 عضواً في مجلس الأعيان، ثم نائباً لرئيس المجلس، وشغل رئاسته لفترة. وبعد ذلك أصبح شقيقي الأكبر رشدي نائباً عن الكاظمية في 1948، ثم وزيراً في عام 1954 في إحدى وزارات نوري السعيد وبقي حتى 14 تموز (يوليو) 1958. هل كانت تربط عائلتكم علاقة خاصة مع نوري السعيد؟ - نعم. كانت هناك صداقة. وحين حاول السعيد الفرار، أخذته أختي ثمينة وزوجها وشقيقه من منطقة كرادة مريم التي أصبحت الآن المنطقة الخضراء، إلى بيت عم أمي في الكاظمية. وبعدها ذهب بطلب منا إلى بيت الحاج محمود الاسترباضي في الكاظمية. وكانت زوجة الحاج محمود المرحومة السيدة بيبي، وهي من عائلة معروفة إيرانية الأصل، صديقة والدتي منذ الصغر. وجاءت يوم 15 تموز (يوليو) 1958، وكان عندهم نوري السعيد، لتطلب من والدتي أن تساعدها في إخراجه من دائرة الخطر في بغداد. كنت صغيراً واتفقتا أمامي على خطة. وبعد 5 ساعات، سمعنا أنها قتلت مع نوري السعيد في الكرادة. هل انت حاقد على الثورة؟ - لا. لست حاقداً على الثورة. لكنني كنت في العهد الملكي معجباً بالوضع في العراق. كنت مهتماً بالأوضاع السياسية منذ صغري، وحضرت تشكيل وزارات ومناقشات سياسية في منزلنا. كان هناك إعمار ومشاريع. وبعد 14 تموز، تضررت عائلتنا جداً. كان والدي خارج البلاد، ودخل شقيقي رشدي السجن. ثم خرج بعد فترة. وسافرت إلى بريطانيا بعد ذلك بثلاثة شهور، ثم انتقل أهلي إلى بيروت عام 1959. وكنت أزورهم دائماً في الإجازة الصيفية، وأتابع الوضع من الخارج. ماذا فعلت بعد إنهاء دراستك في شيكاغو؟ - ذهبت إلى طهران بعد أسبوع من إنهاء الدكتوراه، للعمل على إسقاط نظام البعث مع السيد مهدي الحكيم وسعد صالح جبر وعبدالغني الراوي وعبدالرزاق النايف. كان ذلك في العام 1969. كان هناك تعاون مع الحركة الكردية بقيادة الملا مصطفى بارزاني. كانت السافاك (الاستخبارات الايرانية) تدعم هذه الحركة؟ - نعم. وفشلت بسبب غباء السافاك. تجمعت عندي معلومات أن المحاولة ستفشل، وحذرتهم من ذلك. كان معي شقيقي حسن، وبعد عودتنا من طهران إلى بيروت بشهر كشفت المحاولة. وأُعدم عشرات الأشخاص. هذه التجربة علمتني أن نظام البعث لا يمكن الخلاص منه بانقلاب. صدام كان خير المتآمرين. كان يعرف ما معنى التآمر، وعمل على إهانة بعض ضباط الجيش العراقي ورشوة بعضهم للسيطرة عليهم. قام بأعمال فظيعة تجاه الجيش. بقيت هذه المحاولة في ذهني مع محاولات الانقلابات المخترقة في السبعينات، دليلاً على أن البعث لن يتغير عن طريق الانقلاب. في إحدى هذه المحاولات، قُتل ضابط اسمه صالح مهدي السامرائي على يد الاستخبارات العراقية في بيروت العام 1974. وهو كان يعمل على تحويل الثورة الكردية آنذاك إلى حركة عراقية. وكان يمثل الحزب الديموقراطي الكردستاني، وأرسله الملا مصطفى بارزاني إلى بيروت لهذا الغرض. كنت أعمل وقتها على هذه الخطة مع السامرائي ومندوب الحزب عزيز رضا، وهو في أوروبا الآن. دعاني السامرائي إلى حضور اجتماع مع ضابط عراقي يدعى عدنان شريف قُتل في بداية الحرب مع إيران العام 1980، وهو كان نسيب حماد شهاب وزير الدفاع. وبعد الاجتماع، عُثر على جثة صالح السامرائي في صندوق سيارة في منطقة عاليه. رغم ذلك استمرت محاولات الانقلاب. في العام 1982 حدثت محاولة اخرى. كان مرشحاً لقيادتها مدير في الاستخبارات العسكرية اسمه شفيق الدرّاجي، وتولى سكرتارية مجلس قيادة الثورة طوال عهد البكر. وبعدها، عُين سفيراً في السعودية. وحدث هجوم المحمرة على الجيش العراقي في أيار (مايو) 1982، فاستدعي الدراجي إلى بغداد، وتُوفي. إذن. أنت ذهبت الى ايران في العام 1969؟ - نعم. ومكثت هناك من أيلول (سبتمبر) حتى كانون الأول (ديسمبر)، وغادرت خلال هذه الفترة إلى لندن في تشرين الأول لإقناع عبدالرزاق النايف. بعد ذلك، ذهبت إلى بيروت وعينت أستاذاً في الجامعة الأميركية، حيث مكثت ست سنوات حتى غادرت في العام 1976 إلى عمان لتأسيس «بنك البتراء»، وأدخلت بطاقات الائتمان إلى المنطقة وأول نظام كومبيوتر في العمل المصرفي في الشرق الأوسط. ما هي التهمة الموجهة اليك في الاردن؟ وهل طلبوا منك وضع مبلغ في البنك المركزي؟ - لم يطلب مني شيئ كهذا. وكل الذين وجهت إليهم تهمة مشابهة لتهمتي في الأردن حصلوا على البراءة. لم يدن أحد سوى أفراد عائلتي، على رغم أن لا علاقة لهم بعمل البنك. كان شقيقي رشدي عضو مجلس إدارة يأتي إلى عمّان ست أو سبع مرات سنوياً، ويبقى ثلاثة أو أربعة أيام، ثم يسافر. كيف أدانوه فيما حصل باقي أعضاء مجلس الإدارة على البراءة وصار أحدهم وزيراً وآخر رئيس حكومة؟ وما رأيك انت في هذه القصة؟ - هذه باختصار قضية سياسية. صدام كان يرتكز الى ثلاثة أمور: الإرهاب والدعم الخارجي والمال. أنا عملت على قضية مهمة جداً في أواخر الحرب العراقية هي منع الائتمان عن صدام. كان ممثلو البنوك العالمية الكبرى يمرون عليّ في الأردن قبل زيارة العراق ليسمعوا رأيي. فكنت أشرح لهم وضع صدام لإغلاق أبواب الائتمان في وجهه. من جهة أخرى، عملت على قضية البنك الإيطالي «بي ان ال» الذي وجد صدام مخرجاً لنفسه عن طريق أحد فروعه الصغيرة في ولاية جورجيا الأميركية، لينجز من خلاله معاملات لاستيراد القمح من الولاياتالمتحدة. وأغلقت هذا عليه. هناك كتابات كثيرة تقول إنك تمزج بين العائلة والمؤسسة في مشاريعك المصرفية، وانك تحول أموالك الى «جنات ضريبية». هل قرأت كتاب «الرجل الذي دفع أميركا إلى الحرب»؟ - نعم. لكن هذا الكلام تافه. لم يجدوا أي توقيع لي على ورقة مخالفة للقانون. اقرأ قرار المحكمة. يقول القاضي: لم أجد رجلاً مخلصاً لهذه المؤسسة مثل هذا الرجل، ومع ذلك صدر حكم ضدي. هل جرت محاولات لحل المشكلة عندما كنت مسؤولاً في الحكم في العراق؟ - عندما وصلنا إلى بغداد في 14 نيسان (أبريل) 2003، جاءتني ابنتي لتقول إن مراسل تلفزيون أبوظبي وهو مصري، يقول: الشيخ محمد بن زايد يريد أن يكلمك. لم أكن أعرفه، قال لي على الهاتف: أولاً، أهنئك على النجاح الباهر الذي حققتموه. ثانياً، لدينا بعثة للحاجات الإنسانية في الأردن والعراق ستكون بتصرفك. وثالثاً، القضية مع الاردن منتهية وأي شيء تتفقون عليه أنا مسؤول عنه. شكرته وقلت انه ليست لدي مشكلة. لكن لم يحدث أي اتصال آخر. هل تشعر بطمأنينة في بغداد، أم بالقلق؟ - لا. لست قلقاً. أنا أمشي بين الناس كثيراً في بغداد. هل ما زال لك مستقبل؟ - لي ماض. والمستقبل مرآة للماضي. وكيف تصف ماضيك؟ - مهم. جيد. في الكتب التي تنتقدك، وهي كثيرة، كلام عن أنك كنت تتمنى أن تصبح رئيساً للعراق. هل راودك هذا الحلم؟ - أبداً. ولا حتى رئاسة الحكومة الانتقالية؟ - أبداً. وماذا كان ينقصك؟ - لا شيء. أنا أكره السلطة. لا أحبها. وماذا تحب؟ البيزنس؟ - لا. ولا البيزنس أحبه. أحب العلم والمعرفة والاطلاع على الدنيا ومساعدة الناس. في السلطة، ستظلم طرفاً مهما كنت عادلاً. لم يكن حلمي أبداً السلطة. لو كان هذا حلمي، لكان سهلاً أن أجاري بريمر والأميركيين وأقيم علاقات. كان عندي من الإمكانات في تلك الفترة في العراق ما يمكنني من أن أكون في قلب الأميركيين. إذا قرأت أي كتاب، ستجد أنني كنت أشاكس بريمر وأتدخل في تفاصيل عمله وأنتقده. لو كنت أريد أن أصبح رئيساً، كيف كنت افعل هذا والقرار بيد الأميركيين؟ لكنك توليت رئاسة مجلس الحكم مرة؟ - نعم. كل شخص تولاها شهراً. ماذا تقرأ؟ - أقرأ كثيراً في الرياضيات والتاريخ والفلسفة والسير والأدب والقصص. بمن أعجبت في شبابك؟ من أثر فيك؟ - النبي محمد صلى الله عليه وسلم والإمام علي رضي الله عنه لأنه فضل الحق على السلطة، والإمام الحسين لأنه انتصر بموته. والاسكندر المقدوني لأنه وحد الحضارات في العالم. في التاريخ الحديث، أثر عليّ الفيلسوف هيغل لأنه أسس حركة في التفكير، واكتشفت أن هذا الموضوع موجود في الفلسفة الإسلامية عند صدر الدين الشيرازي الذي أثر فيّ تأثيراً كبيراً جداً، كما فعل الشيخ محيي الدين بن عربي بكتبه وأفكاره. وعالم الرياضيات الألماني بيرنهارد ريمان، وعالم الرياضيات الفرنسي ايفريست غالوا الذي توفي وعمره 21 عاماً. وكثيرون غيرهم. ومن من السياسيين؟ - الجنرال ديغول لأنه وقف يدافع عن فرنسا عندما لم يكن لديه شيء. وقف أمام القوى التي لها الإمكانات المادية الهائلة، وهي بريطانيا وأميركا وأصر على مواقف وطنية. وماذا عن السياسيين العرب؟ - في العراق أحترم الملك فيصل الأول ونوري السعيد. هل تخاف عندما تتذكر أن التاريخ العراقي كله سحل واغتيالات؟ - التاريخ العراقي فيه كثير من العنف. لكنني أعتقد أن الشعب العراقي حي يستطيع أن ينهض بالعراق. هل يعني لك الشعر شيئاًَ؟ - قليلاً. ألا تقرأ روايات؟ - أقرأ روايات وشعراً بالعربية والانكليزية. هل أنت رجل ثري أم ثري جداً؟ - أنا رجل مرتاح. تعرض العراق لعملية نهب غير مسبوقة. ما هي حدود استفادتك من هذا الوضع؟ - أنا من كشف النهب. أنا مسؤول عن كشف هذا النهب بالتفصيل، لكن مع الأسف لم تكن هناك استجابة. ولم أحصل على أي منفعة من أي موضوع أو مشروع يتعلق بالحكومة في العراق. هل تتهم الأميركيين بنهب العراق؟ - هم خلقوا ثقافة النهب المبرمج في العراق. ونهبه عراقيون؟ - أكثرهم عراقيون، وبعض الأميركيين. لكن كثيراً من النهب الحقيقي قام به عراقيون. وأنت لا علاقة لك بهذا؟ - أبداً. أنا توليت لمدة سنة من أيار (مايو) 2005 رئاسة لجنة العقود الحكومية. كل عقد في العراق بأكثر من ثلاثة ملايين دولار كان يمر على هذه اللجنة التي اجتمعت خلال هذه السنة 75 مرة، أي بمعدل ثلاث مرات كل أسبوعين. هذه اللجنة أتحدى أن يقول أحد إنها تورطت بأي شكل في سوء استخدام الموارد. قضينا على الفساد الكبير في تلك المرحلة. وفي الوقت نفسه، كشفت النهب الذي حدث في وزارتي الدفاع والكهرباء، واهتمت به الصحف الأجنبية أكثر من الصحف العربية. ما هي برامجك للمرحلة المقبلة؟ - أنا باق في منزلي في العراق. أنا مهتم بالفن والثقافة والآثار في العراق. طرحت موضوع توحيد المناهج العراقية. على ماذا تندم؟ - انا نادم على ترك عائلتي أكثر من اللازم. واهتميت أكثر بالمسائل العامة. أنا نادم على هذا. كان عليّ أن أهتم بهذا الموضوع أكثر. ماذا حدث خلال الهجوم على منزلك؟ - في 20 أيار (مايو) 2004، كنت نائماً في منزلي. جاءني أحد العمال وقال إن الشرطة العراقية والجيش الأميركي على الباب، فطلبت منه إدخالهم. وفوجئت بثلاثة ضباط شرطة يشهرون أسلحتهم وهم في حالة متوترة ويرتدون قمصاناً واقية. ثم التقيت قائدهم وكان ضابطاً برتبة عقيد كان يرتجف. سألته: ماذا تريد؟ فأجاب: معنا أمر بإلقاء القبض على ثمانية أشخاص، وأعطاني ورقة بالانكليزية. قرأتها فوجدت أسماء غير كاملة، فقلت له إن لا أحد من هؤلاء موجود هنا. كان قسم منهم من أعضاء المؤتمر الوطني، وآخرون من أصدقائي. رد قائلاً: سأسحب قواتي وأرحل. وعند الباب، اشتبك الحرس مع الشرطة. وكادت تحدث كارثة لأن الأميركيين أعدوا سرية كاملة كانت ستحرقنا. هدأ الحرس، وطلبت منهم الهدوء والانسحاب. وخرج الضابط، ثم عاد ومعه 10 عناصر. قيل لي إنه حين خرج، جاءه مترجم مع أميركيين بملابس مدنية، أهانوه، وقالوا له: كيف تخرج من دون أن تعتقل أحداً؟ حين عاد الضابط، قال: نريد اعتقال شخص يدعى كامران، فقلت له لا يوجد هنا سوى سائقي واسمه كامران، فقال سنأخذه. كان ردي أن يدي في يد كامران وخذني معه إذا شئت، فخرج. وذهب الأميركيون إلى مكتبي في بناية اسمها «البيت الصيني» كانت تابعة للمخابرات السابقة. كسروا الصور والماكينات ونثروا الطعام. كانت فوضى حقيقية. وفي اليوم نفسه، عقدت مؤتمراً صحافياً وشرحت القضية ونقلت الأخبار إلى العالم كله، واتصلت بي محطات إخبارية أميركية. ووجهت الاتهام إلى رئيس وكالة الاستخبارات المركزية جورج تينيت، وقلت إنه وراء هذه العملية، رغم تسلمي رسالة عبر أحد الأصدقاء تشدد على ضرورة أن لا أهاجم الاستخبارات الأميركية. وعندما أُخرج تينيت بعد هذا الحادث بنحو عشرة أيام، قالت هيلاري كلينتون، وكانت عضو مجلس الشيوخ، إن أحمد الجلبي له علاقة بإخراج تينيت. وحين سُئلت، أجبت: أنا في النجف، فكيف أخرجه؟ كم تبلغ المساعدات التي حصل عليها «المؤتمر الوطني العراقي» من «سي آي أي»؟ هناك كتب تقول إنها قدرت بنحو 33 مليون دولار. - هذا كله كذب. «المؤتمر الوطني العراقي» بدأ يأخذ مساعدات من «سي آي أي» منذ عام 1992، بعد مؤتمر صلاح الدين، لإدارة الأعمال في كردستان وأيضاً العلاقات الدولية. بدأت بمئة وثمانين ألف دولار شهرياً، وانتهت بثلاثمئة وعشرين ألف دولار شهرياً، أي بمعدل ربع مليون دولار شهرياً على مدى أربع سنوات. أي 12 مليون دولار تقريباً. - نعم. وبعدها توقفت العلاقة بيننا في العام 1996 وبقينا لمدة أربع سنوات نعمل من دون أي مساعدات. وأصبحت بعد ذلك مسألة معلنة عن طريق تخصيصات الكونغرس، فخصص للعراق في بند المساعدات الخارجية 25 مليون دولار صرف معظمها على الإعلام وبرنامج جمع المعلومات الذي كان هدفه الحصول على معلومات قابلة للنشر من العراق. لم أكن مسؤولاً عن الأموال التي تلقاها «المؤتمر الوطني» بعد عام 2000. اشترطت وزارة الخارجية الأميركية إبعادي، وشُكلت قيادة جماعية من سبعة أشخاص كنت أحدهم. أنفق أكثر المساعدات على تلفزيون وجريدة ومكتب في لندن. هل تلقيتم مساعدات من وزارة الدفاع الأميركية؟ - في العام 2002، خافت وزارة الخارجية من تحمل المسؤولية، فأحيلت العملية على وزارة الدفاع بالشروط نفسها. كان برنامجاً مشتركاً بيننا. ممن تتألف عائلتك؟ - من زوجتي وبنتين وولدين قسم منهم يعيش في العراق. لكن كلهم زاروني هناك. هل كنت تتمنى تحقيق نتائج أفضل في الانتخابات؟ هل تشعر بخيبة؟ - لا. أنا أعرف مسألة الانتخابات في العراق. يجب أن تكون هناك ائتلافات، ولا يمكن أن يفوز أحد بالانتخابات بمفرده. رفضنا المشاركة في الائتلاف بالشكل الذي تم. أنا ساهمت مساهمة حقيقية في تأسيس الائتلاف الأول، وكنت أول من دعا إليه في أيار (مايو) 2004. كنا نريده أن يكون نواة. الآن يجري البحث في ائتلاف عراقي غير طائفي نساهم فيه. كيف كانت علاقتك بديك تشيني؟ - ودية. لكنها غير عميقة. لماذا كانت علاقتك بوزارة الدفاع الأميركية أفضل منها بوزارة الخارجية والاستخبارات؟ - الذين أصبحوا مسؤولين في وزارة الدفاع كانوا أصدقاء لنا. رغم انزعاج الاستخبارات منا، لم يؤثر هذا على وجودنا في أميركا. ومررنا قانون تحرير العراق رغم رفضهم له. ما علاقتك بفؤاد عجمي؟ - صديقي من زمان وأحترمه واحترم اراءه. وعدنان مكية؟ - صديقي من زمان أيضاً. هل لعبا دوراً في التحضير لاسقاط صدام؟ - لعبا دوراً فكرياً في هذا الموضوع لدى الإدارة وفي خلق رأي عام. هل يداك ملطختان بالدم؟ - أبداً. الحمد لله. على العكس، أنا خلصت كثيرين من القتل. ولم اتعرض لأي شخص. طوال فترة عملي في السياسة، كان أي شخص يؤذيني اطرده. لاحظت أن موقفك غير ودي تجاه الأخضر الإبراهيمي؟ - ليست قضية عدم ود. الإبراهيمي تفكيره السياسي يختلف تماماً عن منهج التغيير. لم يكن يعارض نظام صدام، وحاول إنقاذه في العام 1998. كان شباط (فبراير) من هذا العام، من أحلك الأوقات بالنسبة إلينا، لأن إدارة كلينتون قررت أن تتفاهم مع صدام. وساهم الأخضر الإبراهيمي في هذا عندما أخذ كوفي أنان إلى بغداد. مواقفه مختلفة تماماً عنا. كان يفضل بقاء صدام على سقوطه. قد ينتقده، لكنه يفضل بقاءه. وكوفي أنان؟ - قابلته مرتين. كان خائفاً من قضية النفط مقابل الغذاء التي اكتشفنا الفساد الكبير فيها. تحدثت عنها قبل عودتي إلى العراق. ساهمنا إلى حد كبير في تقرير فولكر الذي فتح النقاش في هذا الموضوع. كان ملف النفط مقابل الغذاء إحدى نقاط الخلاف مع بريمر في مجلس الحكم. لم يكن يريد أن نكشف هذا الوضع. من أكثر من استفاد من برنامج النفط مقابل الغذاء؟ - روسيا. هيئات روسية. وكثيرون في الهند التي أُقيل وزير خارجيتها أو استقال على خلفية الموضوع. كذلك، استفادت شخصيات عربية كثيرة، من بينها سياسيون في لبنان وأفراد عائلات حاكمة في الخليج ومصريون وأردنيون وسوريون ولبنانيون، وأحزاب سياسية في أوروبا الغربية. عندما كشفنا هذه القضية اكتشفنا عمق المشكلة. خرجت القضية عن صحف عراقية وعالمية مثل «وول ستريت جورنال». وتم التركيز وقتها على شخصي، وقيل إنني أكره الأممالمتحدة وأريد أن اختلق لها مشكلة. هل كان ابن كوفي أنان بين المستفيدين؟ - نعم. كان اسمه موجوداً. مشكلة أنان هي مشكلة الأممالمتحدة. الأشخاص المسؤولون عن البرنامج كانوا يحصلون على رشاوى من صدام. يعني أنت سربت قضية النفط مقابل الغذاء؟ - طبعاً. أول تقرير كان في جريدة «المدى»، وأعطيته لبعض أعضاء اللجنة المالية وأنا أعرف أنه سينشر. تضايق بعض أعضاء مجلس الحكم بعد نشر الموضوع، فطلبوا تقرير وزارة النفط الذي سلم إلى رئيس مجلس الحكم. وطلب بعض أعضاء مجلس الحكم نسخة من التقرير، فقرأته. وعندما كشفت أسماء بعض العراقيين الذين انتخبوا في مجلس النواب تراجعوا. عندما كشفت القضية، شكرني بريمر في البداية. لكن عندما اكتشفوا حجم المشكلة التي ستسببها لهم مع الأممالمتحدة، قرر عدم التعاون معي في كشف القضية. فنشرتها في صحف عالمية، وأثيرت ضجة كبيرة. وقال أنان إن الأممالمتحدة ستجري تحقيقاً داخلياً، فلم يكن ذلك كافياً. وطلبوا ذلك من بول فولكر رئيس الاحتياط الفيديرالي (البنك المركزي في اميركا)، فشعرت بارتياح. وخرج تقرير فولكر الذي كانت له صدقية كبيرة. هوجمت كثيراً، لكن ما قلت لم يختلف عما ذكره فولكر. لكن إلى الآن لم يتناول العراق هذا الموضوع في شكل جدي. في نيويورك، رفعت قضايا وفرضت غرامات على أشخاص ساهموا في المشروع، لكن في العراق، هناك مستفيدون من هذا الوضع الذي سبب أضراراً للشعب العراقي. وللأسف عاد بعض الشركات التي ساهمت في النفط مقابل الغذاء للعمل في العراق من دون أي تعويض للشعب العراقي. كيف هي علاقتك بنوري المالكي؟ - جيدة. هو صديق. وعملنا سوياً على اجتثاث البعث. كان نائب رئيس لجنة اجتثاث البعث قبل ان يصبح رئيساً للوزراء. علاقتي به جيدة جداً. من هو أكثر سياسي عراقي تكرهه؟ - لا أحد. لا أكره أحداً أبداً. كلهم أصدقائي. يعني إياد علاوي صديق لك؟ - طبعاً. صديق جداً. في أي سنة تزوجت؟ - 1972. من زوّجك؟ - السيد موسى الصدر. كانت لك علاقة به؟ - علاقة قوية جداً. هل كان زواجك في بيروت؟ - عقدنا القران في صيدا. وقبل اليوم المقرر لحفل الزواج ب48 ساعة، اغتيل شقيق زوجتي المرحوم عبدالله عسيران، فألغي الحفل. هل يمكن القول انك رجل أعمال؟ - لا. ليست لدي أعمال. لا شركات ولا مؤسسات. كيف تعيش إذن؟ - لدي رأسمال. كتبوا في الصحف أن عندي شركة برامج كومبيوتر، لكنني بعتها. في الأردن أسسنا شركة لتكنولوجيا بطاقات الائتمان. كانت باسم زوجتي وبعناها بمبلغ كبير. ألا تهتم بالمال؟ - بالقدر الذي يغنيني عن الناس والحاجة. لكن ليس لدي اهتمام كبير بجمع الاموال. ماذا سأفعل بها؟الملبس والسيارة والسفر والبيوت، كل هذا موجود. أليست لديك طموحات مالية؟ - أبداً. لماذا إذن تركز الحملات عليك على تأسيسك شركات ومصارف وسحب أموال منها؟ - أنا أسست شركات في الأردن. وأحب إقامة مؤسسات حقيقية. لكنك أدنت بالاختلاس في الأردن؟ - أنا خرجت من الأردن وثروتي أقل مما كانت عليه حين دخلته. وفي هونغ كونغ؟ - رفعت شكوى إلى المحكمة لاسترداد أموال عائلتنا. كنا أسسنا شركة وأرادوا الحجز على أموالها. وربحنا الدعوى. هذه الدعوى الوحيدة التي أقيمت ضدي في الخارج ولها علاقة بالمال، وربحناها. ماذا تقول لجورج بوش إذا التقيته في حفلة مثلاً؟ - أقول له شكراً على إسقاط صدام، لكنني غير مرتاح مما فعلته بعد إسقاطه. هل ترى ان من المعقول أن ترتكب دولة كبرى هذه الأخطاء الفظيعة؟ - طبعاً. معقول جداً. إذا أردت أن تصف جورج بوش، فبماذا تصفه؟ - شخص غير كفؤ وقليل المعرفة. أدى خدمة كبيرة لإيران بإسقاط صدام؟ - إيران استفادت من إسقاط صدام. لم يقصد بوش أن يسدي لها خدمة، لكن كان واضحاً أن إيران ستستفيد من إسقاط صدام. أنا مقتنع أنه لم يكن ممكناً أن يتم إسقاط صدام من دون تفاهم ضمني بين أميركا وإيران. وحدث هذا؟ - طبعاً حدث. عبر من؟ - نحن عملنا عليه، وكذلك فعل المجلس الأعلى وجلال طالباني. ما هو دور طالباني في إسقاط صدام؟ - مهم جداً. وفر لنا قاعدة أساسية في أرض العراق في كردستان لننطلق منها للعمل ضد نظام صدام. وهذا شيء مهم. هل كان مسعود متردداً؟ - يكفي هذا. قيل إنك اجتمعت مع إسرائيليين قبل إسقاط صدام؟ - نعم. في أميركا. كانوا موجودين في مراكز الدراسات، واجتمعنا معهم. أساتذة وبعض الساسة الإسرائيليين. أجريت مقابلة مع جريدة إسرائيلية نُشرت على صفحة كاملة. يعني هذا أنه ليست لديك مشكلة في هذا الموضوع؟ - لا. تحدثنا معهم طبعاً.