سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الحياة" إلتقت عائلة رئيس الوزراء العراقي الراحل ... وزارت حقائبه وأوراقه . رصاصة صدام طاردت عبدالرزاق النايف في عواصم المنفى وأدركته في لندن رحلة غامضة الى مصر وعشاء مع "الزائر" العراقي وموعد صباحي ينتهي بالقتل 1
لم يعش ليرى صدام حسين طريداً. لم يتسع العراق للرجلين. ولم يتسع لهما العالم. بينهما ثأر شخصي عميق. كره متبادل بدأ منذ اللحظة الاولى. ولم يكن صدام يحتاج الى من يشرح له خطورة الرجل. لهذا تولى شخصياً، مسلحاً برشاشه، دفعه الى المنفى. بعدها ندم صدام لأنه لم يفرغ رشاشه في جسد الرجل. سيقتله في الخارج اذاً. ومنذ تلك اللحظة سيشعر المنفي ان رصاصة صدام تبحث عنه وتقتفي اثره وتتحين الفرصة للتسلل الى قلبه. في البدايات كان الملف في عهدة اثنين ترشح القسوة من عيونهما ويرشح الدم من الأنامل. اسم الاول صدام حسين، السيد النائب، والثاني ناظم كزار مدير الامن العام. قتل الثاني في 1973 قبل اكمال المهمة. حاول قتل الرئيس احمد حسن البكر لكن افتضاح محاولته أوقعه بين مخالب الرجل الاول. وثمة من يقول ان الرجل الذي أفرغ مسدسه في رأس كزار هو نفسه الذي استدرج المنفي الى عشاء لندني وكوب شاي صباحي انتهى بمقتله. لم يعش الرجل الخطير الغامض رئيس الوزراء العابر الوافد من الجيش ليرى عدوه طريداً ونظامه حطاماً. في سويسرا هرب من رصاصة صدام. وهرب منها في المانيا. شمّ رائحتها في ايران وابتعد. أخطأته في المرة الاولى في لندن وأصابت زوجته. ضلّلها في عمان لكنها ادركته في لندن في تموز يوليو 1978. وحين فتش الشرطي البريطاني جيوب الرجل الذي سيموت بعد ساعات عثر على جواز سفر اردني خاص كُتب عليه: دولة عبدالرزاق النايف. في تلك الليلة ابتسم صدام حسين. لن تقول تقارير الامن بعد اليوم ان النايف اجتمع بشاه ايران. لن تروي انه شوهد مع الملا مصطفى بارزاني. لن تذكر انه التقى مسعود بارزاني في فندق في دمشق. ابتسم صدام. ذات يوم أوفد طارق عزيز الى العاصمة الاردنية. حمل عزيز الى النايف رسالة صريحة ومقتضبة: "تحركاتك تسبّب صداعاً لقيادة الثورة. انه العرض الاخير. تأخذ 40 مليون دولار وتتخلى عن كل نشاط معارض". لم يقبل النايف فعاودت رصاصة صدام بحثها عنه وأدركته. ابتسم صدام. لم يسمح للنايف بالإقامة في رئاسة الحكومة اكثر من 13 يوماً. أخرجه من القصر الى الطائرة بعدما أبلغه ان قيامه بأي حركة مشبوهة تعني مقتله. وفي تلك الساعة كان صلاح عمر العلي شريكاً وكان برزان شريكاً ايضاً. تقول الرواية البعثية ان النايف عرف بحركة 17 تموز 1968 من قائد الحرس الجمهوري الفريق ابراهيم الداود الذي سيتولى بعد نجاحها وزارة الدفاع. وتضيف ان القيادة البعثية اضطرت الى قبول النايف شريكاً في المحاولة الانقلابية ووعدته برئاسة الوزراء كي لا يفضحها وينقض عليها، وانها في موازاة قرار اشراكه اتخذت قراراً بالتخلص منه في اول فرصة. وفي 30 تموز 1968 تخلّص البعثيون ايضاً من الداود. كان يتفقّد القوات العراقية في الاردن حين أرغموه على سلوك طريق المنفى. في مقبرة سحاب في الارض الاردنية، وعلى طريق عمان - بغداد، يقيم عبدالرزاق النايف منذ ربع قرن. اخذ الرجل مه قصته وأسراره. فتشت عن حكايته في الكتب فلم أعثر عليها. وعدت الى الارشيف فعدت منه بلا جواب. روايات بعض اللاعبين في تلك المرحلة تقول انه قتل بسبب اتصالاته بأجهزة غربية. وثمة من يهمس ان النايف كان شريكاً في لقاء سري في بغداد عقد قبل يومين من حركة 17 تموز، وان مساعد مدير الاستخبارات العسكرية ابلغ رجلين غربيين شاركا في اللقاء ان شيئاً ما سيحدث بعد يومين فغادر الرجلان قبل موعد التنفيذ. غلبتني الحشرية الصحافية. قررت البحث عن قصة النايف. سألت عنه رفيقه ابراهيم الداود و"شريكه" في المؤامرة عبدالغني الراوي. وسألت صلاح عمر العلي العضو السابق في مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية وحامد الجبوري الذي ادار مكتبي البكر وصدام. تضاربت الأجوبة وزاد الغموض فقررت ان اطرق باب عائلة النايف المقيمة في عمان. استقبلني علي النايف أصغر أنجال عبدالرزاق وكان عليّ ان أقنع العائلة التي لم تتحدث منذ غياب عميدها بمبدأ الكلام. وتكرّمت أرملة الراحل السيدة لمياء النايف باستقبالي. وتقضي الأمانة ان اعترف بأن هذه المهنة مدرسة في الوقاحة. وجدت نفسي أنكأ الجروح وأسأل السيدة الفاضلة عن "العشاء الاخير" ووجدت نفسي "استجوب" نجله طمعاً بالتفاصيل فتطلّ الاجوبة مرفقة بدموعه. خلال اللقاءات تبين ان النايف ترك خمس حقائب كبيرة. وحين سمح لي بالاطلاع على الحقائب قلّبت ما فيها من مفكرات وقصاصات صحافية، وعثرت على اوراق بخط رئيس الوزراء الراحل عن محاولة اغتياله في 1972 ومسائل اخرى، كما عثرت على عدد من الصور. أذن لي علي النايف، خطّياً، بنشر الاوراق التي عثرت عليها لكن بعض الاسئلة المزعجة التي طرحتها ادت الى قطع العلاقة بعد مغادرتي. وكانت تلك الاسئلة حول الاجتماع الغامض في بغداد وما اذا كانت لعبدالرزاق النايف ارتباطات بأجهزة خارجية. لقد تصرّف ابناء النايف انطلاقاً من تعلّقهم بوالدهم، وتصرفت انطلاقاً من قواعد المهنة. وها أنا اسجّل اعتذاري عن كل احراج رتّبته الرغبة في توضيح قصة رجل اخذ معه بعض اسراره. في الاوراق التي تركها في حقائبه يتحدث النايف عن خطة أُعدّت لقتله في سويسرا ويقول: البعث التكريتي يريد اغتيالي 1- حاول الحكم التكريتي البعثي القائم في بغداد اغتيالي عدة مرات... وبدأت محاولاتهم هذه في حزيران يونيو عام 1969 حيث كنت اقيم في جنيف... ولأجل ان ابدأ بتوضيح هذه المحاولات لا بد من الدخول في مقدمة بسيطة لها علاقة مباشرة بالموضوع. أ: كنت أمرّ في ظروف سيئة جداً وحرجة تماماً خلال فترة اقامتي في جنيف من تاريخ 5 ايلول سبتمبر 1968 ولغاية 7 تموز 1969، فكنت اعرف جيداً بعض التطورات التي حصلت بعد يوم 30 تموز الاسود عام 1968، اليوم الذي استطاعت فيه الزمرة الشريرة المجرمة المتمثلة في بعث تكريت ان تستحوذ على السلطة بالاسلوب اللااخلاقي الذي في فصل خالص من مذكراتي... علمت جيداً ان احمد حسن البكر وعصابته المتمثلة بالشقي صدام حسين التكريتي لن يتوقفوا عند حد معيّن تجاهي ولا بد انهم يخططون لتصفيتي جسدياً في اقرب فرصة لقطع دابر جميع الاحتمالات التي تدور في ذهنهم.. وهم يعرفون جيداً حقيقة ثورة 17 تموز وعدم مساهمتهم فيها وتعلقهم بأذيالها... كما ويدركون جيداً معرفتي لهم كأشخاص اولاً وكحزبيين ثانياً، وعلاقتهم بالفئات الحزبية الاخرى وعلاقاتهم بصورة عامة في داخل العراق وخارجه وجملة وتفصيلاً. ان رجل الاستخبارات العراقية الذي حدد وثبت هويتهم فكيف يرتاح هؤلاء ويطمئنون ويوجد هناك رجل اغتصبوا منه السلطة عن طريق خيانتهم وغدرهم اللئيم وباسلوب فضح خلقهم كأشخاص وحزب.. فاعتبروا وجودي يشكل خطراً عليهم قبل كل شيء ولديّ من المعلومات عنهم ما يكفيني لان اضع صورتهم الحقيقية داخل الاطار الملائم وعرضها للجمهور داخل العراق او خارجه.. فكان تقديري للموقف مصيباً جداً ان بعث تكريت سيقومون باغتيالي حتماً ولا بد لي ان افتش عن المسالك المفتوحة امامي لاحباط كل محاولة من جانبهم. ب - لم استطع مغادرة جنيف واهمال موقف حكومة بعث تكريت من عملي هذا لاسباب كثيرة.. منها مثلاً ان زوجتي مع خمسة اطفال لا يزالون في العراق فمجرد ان اترك جنيف، المنفى الذي اخترته انا شخصياً لنفسي، سأعرّض عائلتي الى مشاكل مع عصابات البعث التكريتي.. وابسط اجراء قد يتخذونه هو عدم فسح المجال امامهم لمغادرة العراق. والشيء الآخر كانت السلطات المختصة في مجلس الثورة قد خصصت لي راتباً شهرياً كمخصصات منفى ما يعادل 300 دينار عراقي لي ولعائلتي في العراق.. فأي محاولة اقوم بها واترك جنيف سيقابلها البعث التكريتي بقطع هذه المخصصات. سويسرا... ومسدس فتوكلت على الله وقررت ان التزم جانب الهدوء والصبر مع الحيطة والحذر الشديدين الى ان افتش عن الحلول السليمة للتخلص من هذا المأزق الذي انا فيه. ومع انني اعرف جيداً ان القوانين السويسرية صارمة وتصعب مخالفتها فقد كنت أحمل معي مسدسي الشخصي اينما أذهب وتحمّلت المسؤولية من دون علم السلطات السويسرية بذلك. ج في مايس ايار 1969 اتصل بي تلفونياً شخص مسؤول عن الامن في مدينة جنيف وحدد معي موعداً لزيارته في مكتبه الخاص وفيما يلي نص الحديث: "كما تعلم ان سيادتك وصلت الى جنيف يوم 5/9/1968 وكنت مقيماً في فندق ديرون لفترة ستة اشهر وطيلة فترة اقامتك في هذا الفندق كنا نعاني من متاعب ومشاكل في تأمين الحماية اللازمة لك من دون ان نشعرك او نزعجك ولا بد انك تدرك جيداً ان تأمين الحماية في فندق لشخص مثلك يحتاج الى مراقبة جيدة ومستمرة لأن فندق ديرون معروف وكبير ويدخله مئات الاشخاص يومياً ويتبدّل نزلاؤه بين يوم وآخر... وبعد مغادرتك الفندق سكنت في 21 Avenue De Bude والحقيقة ساعدتنا كثيراً لسهولة تحديدنا المنطقة ومعرفتنا بجميع الاشخاص المقيمين في البناية التي تقيم فيها". بعده هذه المقدمة من المسؤول السويسري.. شكرته على العناية التي قدموها لي وعلى رغم انني كنت اشعر بالأعين التي تلاحقني لم أتطرق لذلك لأنني اعرف جيداً ان ذلك من جملة الاجراءات الخاصة التي من حق اي دولة ان تقوم بها لاعتبارات كثيرة تتعلق بها، ولم أذكر له انني كنت اشعر بأية مراقبة. "هناك خطة لقتلك" شكرته كثيراً على جميع التسهيلات الاخرى التي تتعلق بإقامتي في سويسرا... وبعد سكوت دام اكثر من دقيقة رفع المسؤول رأسه معقباً فقال: "ان هناك استخبارات دول كبيرة تعقبك دائماً وقبل ان تسألني من هي هذه الدول؟ لا اقول لك اكثر من انها عربية وغير عربية.. والشيء الآخر لدينا معلومات من مصادرنا الخاصة تؤكد ان هناك خطة لقتلك هنا في جنيف... وانت تفهم من يريد قتلك ولا بد وانك قد تسلمت بعض المعلومات حول ذلك.. ان هذا لو تحقق هنا سيعكر صفو الامن في هذه البلاد اولاً ويضعنا في موقف حرج ثانياً... وارجو ان تعلم ان رجال الامن في جنيف محدودون جداً وعددهم قليل جداً... فأمامك اختياران: اولاً: مغادرة سويسرا الى البلد الذي تجده ملائماً وحسب رغبتك وباستطاعتنا تسهيل هذه المهمة امامك.. بعد القرار الذي تتخذه. ثانياً: تطلب اللجوء السياسي في هذا البلد وتضع في يدنا عذراً شرعياً وقوياً للدفاع عنك ونطلب من الدولة التي تريد الاعتداء على حياتك ان توقف كل عملياتها، كونك الآن لاجئاً سياسياً نحن مسؤولون عن حياتك وكل شيء آخر بموجب القوانين المرعية في هذه البلاد. تركت المسؤول السويسري بعد ان شكرته على موقفهم النبيل ومساعدتهم التي عرضوها عليّ... وأكدت له بأنني سأدرس الموضوع جيداً ولا استطيع ان أبت في أي حل مناسب مبدئياً قبل خروج عائلتي من بغداد وان شاء الله يكونون هنا خلال شهرين فقط ومن ثم أقابله ثانية لأعطيه القرار الذي توصلت اليه، وطلبت منه ان لا يبلغ أي شخص عراقي أو عربي أو غير ذلك بهذا الموضوع ووعدني بذلك فعلاً. 2- وصلت زوجتي مع أولادي الخمسة الى مطار جنيف قادمين من بغداد يوم 28 حزيران يونيو عام 1969... وأخبرتني بأنها لم تصدق انها وصلت هنا للصعوبات التي لاقتها في انجاز معاملات السفر... حيث كانت جوازات سفرنا ديبلوماسية، وما ان وصلت الى وزارة الخارجية، حتى حجزوها وأوقفوا سفرهم... فاضطروا الى اخراج جوازات اعتيادية والاستفادة من التي كانت معهم سابقاً، وبعد استعراض عام للموقف في العراق اكدت لي زوجتي ان جميع اصدقائي المخلصين نصحوها بأن تطلب مني ترك جنيف لأن هناك مؤامرة تدبر لاغتيالي والتخلص مني... وكان أحد ضباطي الذين اعتمد عليهم في بغداد يؤكد على هذه الناحية وهو المرحوم الشهيد النقيب الركن عبدالوهاب الداود وزميله الشهيد المرحوم النقيب الركن رياض محمد شكري المفتي وقد اعدما من قبل محكمة صدام التي شكلها برئاسة الجزار طه الجزراوي. "يجب أن تغادر" 3- وبعد أيام من وصول زوجتي وصل الى جنيف المحامي جاسم مخلص وهو من أقارب حردان التكريتي وتربطه به علاقات كثيرة وصداقة خاصة، اكثر من قرابة، وسبق لي ان التقيت به عندما كنت مقيماً في فندق ديرون وكنت أعرفه في العراق معرفة سطحية خالية من أي رابطة... ولكن في جنيف دخلنا في بعض التفاصيل التي تتعلق بعلاقته مع حردان من جهة ومع أحمد حسن البكر وصالح عماش من جهة اخرى وبقية التكارتة البعثيين وفي مقدمهم عائلة عمه مولود مخلص وابن عمته ذياب العلكاوي وبقية المحاور مثل صدام التكريتي وغيره. المهم ان جاسم الرجل فور وصوله الى المطار يوم 2 تموز 1969 طلبنا في التلفون من المطار وقال بالحرف الواحد: "لازم تترك جنيف فوراً... لقد علمت من حردان التكريتي، وكان وزيراً للدفاع، بأن صدام التكريتي أرسل فرقة من عصابته لقتلك... فيجب ان تغادر فوراً... وقال انه مغادر الى فيينا ولا يستطيع البقاء في جنيف... وحذر كثيراً. وعلى كل حال شكرت الرجل على موقفه وشعوره ولم أخبره بأنني سأترك جنيف، وكعادتي عند سماعي لمثل هذه الأخبار لا تتغير معنوياتي ولا تتبدل نبرات صوتي وربما لأنني عملت في الاستخبارات لفترة خمس سنوات، علمتني ان أتقبل الأخبار السيئة كي أستطيع ان أعالجها بأعصاب قوية غير متأثرة بصدمة الخبر ولأستطيع ايجاد الحلول المناسبة بعيداً عن العاطفة أو الخوف أو التأثيرات النفسية الاخرى. وقبل ان اغلق سماعة التليفون سألته: "قال لك حردان سبب اقدامهم على ذلك؟"، فأجاب من دون تردد "أخي هؤلاء مجرمون وعاثوا في البلاد فساداً والفوضى والظلم والقهر تسود البلاد... وحتى حردان سيقتلونه وهو يعرف ذلك جيداً ولا يقدر ان يفعل شيئاً لنفسه"... والى هنا انتهت المخابرة. رواية نجل النايف كان علي عبدالرزاق النايف مع والدته في لندن حين توجه والده إلى الموعد القاتل. فجأة سمع الصبي خبراً عاجلاً بثه التلفزيون البريطاني فنبّه والدته. وهنا نص الحوار معه: هل كان والدك يعتقد أن صدّام هو المتهم باغتياله أم البكر؟ - صدام. ماذا كان رأيه في صدام؟ - كان يسميه دائماً السرسري أو الشلايتي. هل كانت علاقته قوية مع الملك حسين؟ - علاقة قوية جداً بدأت في 1967. كان والدي يحترم الملك حسين جداً. وكان العاهل الأردني يبادله هذه المشاعر. زاره في 1967 بوصفه معاون مدير الاستخبارات العسكرية. والتقى شاه إيران؟ - التقاه مرتين. الأولى في 1967 والثانية في 1970. 1970 في إطار قضية الراوي؟ - أعرف ان زيارة حصلت في 1970 وواضح أن الشاه دعم عملية 1970. لماذا تخلى والدك عن العملية قبل موعد تنفيذها؟ - والدي شارك مع عبدالغني الراوي في هندسة العملية. لكن الراوي كان شخصاً متسرعاً ومتهوراً ما سهل للسلطة اختراق الحركة، وهو ما أدركه والدي. وثق الراوي بالشخص الذي زرعته السلطة وهو كاكا أحمد وأعطاه اسماء الضباط. وتردد أن كاكا أحمد سجّل لقاءات عقدها مع الراوي. والدي كان حذراً. واغتيال والدك؟ - في 9 تموز يوليو 1978 تعرض لاطلاق النار وتوفي فجر اليوم التالي بعدما كان توفى سريرياً عقب الحادث مباشرة. يومها كانت المرة الوحيدة التي نقيم فيها في شقة خلال زيارة إلى لندن. ما سبب الزيارة؟ - نحن وصلنا إلى لندن في الأول من تموز 1978. والدي وصل في السابع منه آتياً من عمّان. أمضيت مع أبي يوماً جميلاً زرنا خلاله متحف الشمع ومنتزهاً للأطفال. في اليوم التالي لم أره. خرج صباحاً وعاد متأخراً في حدود العاشرة ليلاً. ابلغ والدتي أنه ذاهب لتناول العشاء فأصرت على مرافقته. كان العشاء مع ... مسؤول المخابرات العراقية، واعتقد أنه كان في نادي "سبورتينغ" واقتصر على الثلاثة. ربما وجود المسؤول العراقي هو ما يفسر قلق والدتي وإصرارها على الحضور. في 9 تموز، التاسعة صباحاً، قبلني والدي وقال لي أنا خارج وأعود في الحادية عشرة. طلبت منه أن يصطحبني إلى مكان معين فوعدني بذلك لدى عودته. في الساعة الثانية عشرة اتصل وقال إنه آت إلى المنزل. في الرابعة بعد الظهر وكنا لا نزال في انتظاره وفيما كنت أشاهد التلفزيون، قطع التلفزيون البرنامج لتقديم خبر عاجل وظهر فندق "انتركونتيننتال" ورجال الشرطة يتمشون أمامه. وسمعت ان اطلاق نار حصل وان المستر عبدالرزاق اصيب. نظرت إلى والدتي فلاحظت أنها لم تعرف ماذا يجري. كانت انكليزيتها ضعيفة. سألتني ما بي، فقلت لها انهم يتحدثون عن اصابة شخص اسمه عبدالرزاق. فجأة ضربت والدتي على رأسها واصيبت بنوع من الانهيار. طلبت مني الاتصال بالشرطة للتحدث معهم. اتصلت وقلت لهم ان شخصاً اسمه عبدالرزاق تعرض لإطلاق نار فمن هو. بعد تردد أكد الضابط وقوع الحادث وطلب مني ابلاغ والدتي أن والدي في مستشفى سانت ماريز. سألته أين اصيب فأجابني في كتفه. نزلنا بسرعة واستقلينا تاكسي إلى المستشفى. شاهدت والدتي سيارة اسعاف وراح المصورون يلتقطون لي الصور وأنا أبكي. كنت في العاشرة. الصحافيون لا يرحمون. حضر محقق من اسكوتلنديارد وأخرج أمامنا الجواز الأردني الديبلوماسي الذي كان يحمله والدي ومكتوب فيه دولة عبدالرزاق النايف. هل عرفت والدتك بمن كان والدك سيلتقي في الفندق؟ - نعم ذهب للقاء عبدالحميد الخربيط سفير سابق للعراق ظهر في حياتنا في 1975 هو وشقيقه عبدالكريم الخربيط والمسؤول العراقي. كنا نرى الخربيط مرات عدة في السنة وكان يزعم أنه يسعى إلى ترتيب العلاقات بين السلطة ووالدي. كان يفترض أن يكون الخربيط حاضراً لكن عندما سأل والدي عنه في الفندق أجابوه أنه غادر. عندها التقى المسؤول العراقي في غرفته. كل ما نعرفه أن المسؤول العراقي نزل مع والدي إلى بهو الفندق مودعاً وعاد إلى غرفته. فور خروج والدي من الفندق كان القاتل بانتظاره وعاجله برصاصات عدة. ما اسم القاتل؟ - خالد أحمد. عراقي. سجن لمدة 25 عاماً. البواب أمسك القاتل. أما المسؤول العراقي فقد غادر لندن ولم يظهر اسمه في التحقيقات. بالتأكيد جاء بجواز ديبلوماسي واسم مستعار. قلت انني توجهت مع والدتي إلى المستشفى، وبعد توسلات تمكنا من رؤية والدي وكان المشهد مؤلماً. أين دفن والدك؟ - في مقبرة سحاب على طريق العراق. هل ترك وصية؟ - مسألة عادية كتبها في 1971، وقال فيها إذا تعرضت لمكروه فالمطلوب تسديد 4 دنانير لفلان في بغداد ومبلغ صغير لميكانيكي السيارات فيها... ارقام لا قيمة لها. وبعد ذلك؟ - عدنا إلى البيت وإذ بنا نبلغ أن الملك حسين في طريقه إلينا. دخل وجلس معنا أربع ساعات. ترك لنا حراسه ليبقوا مع رجال الشرطة البريطانية. في 11/7 بدأ التحقيق واستمر 3 أيام. كانت شقتنا في "كوينز واي" وكان العاهل الأردني يحضر يومياً ويرافق التحقيق. الغريب في هذا الموضوع أن جواز والدي أظهر أنه دخل مصر في 8 تموز وغادرها في اليوم نفسه عائداً إلى لندن. لم تكن والدتي على علم برحلة مصر. هل تعتقد أن والدك ظلم؟ - نعم ظلم كثيراً. لقد أحب العراق باخلاص. والأمر نفسه بالنسبة إلى إبراهيم الداود. أخذ والدي حبه للعراق معه إلى القبر. كان والدي يحب الدولة العراقية أيضاً وإن اختلف مع مسؤوليها. اذكر أن ابن عمي جاء لزيارتنا وكان شاباً صغيراً واستخدم لفظة قاسية في نعت أحمد حسن البكر. انتهره والدي وقال له اخرس، انك تشتم رئيس الجمهورية العراقية. كم كان عمر والدك حين اغتيل؟ - 45 عاماً. استمر اهتمام الأردن بالعائلة؟ - زارنا الملك حسين في 21 تموز. كنا على الغداء فجلس معنا على الطاولة في المطبخ. انتقلنا إلى الصالون. قال: "اعرف ما هو أول سؤال يخطر ببالكم. أحب أن أقول لكم انني ما دمت حياً يجب ألا تشعروا بالقلق. أنا أخ لكم واتصلوا بي عند أي حاجة". وكان صادقاً في كل ما قال. اسلوب تعامل العائلة الأردنية معنا كان رائعاً. لم نشعر يوماً اننا غرباء. بعد عامين ذهب شقيقي للعمل في الجمعية العلمية الملكية كمهندس فرفضوه، وعندما عرف الملك أمر بقبوله. لو يحاكم هل ابتهجت لسقوط نظام صدام حسين؟ - كنت أحب أن يسقط بأيد عراقية. لم أكن أحب أن أرى الأميركيين يقومون في العراق بالدور الحالي. أتمنى أن يحاكم صدام حسين ويسأل عن كل شخص قتله. أتمنى رؤية هذا الرجل الذي قارن نفسه بجمال عبدالناصر وصلاح الدين الأيوبي. أتمنى رؤيته أمام المحكمة وهو يُسأل عن جرائمه. والدك لم يقتل؟ - أبداً. هل كان بارعاً في جمع المعلومات؟ - كان ضابط استخبارات من الدرجة الأولى. غداً حلقة ثانية